الشاعر دخيل الخليفة... يكتب النص بذاكرتين الأولى لوطنٍ منذورٍ لعتمةٍ مؤجلةٍ تضيقُ به، والأخرى للأمل الذي يضجُّ بعيني قصائده التي تشخصُ أنثى الرَّغد. منذ أن تكبَّد خسائرَ الوعي كادتْ روحه تنفد، لم تكن الجرائد اليومية سوى حنينٍ يجلدُ به ظهر الزمن، كل شيء يبحثُ عنه يجده بالجوار ولكن لا يجرؤ على استلابه رغم قدرته على ذلك... يفضل أن يتصعلكَ أكثر من الجلوسِ على طاولةٍ تضيقُ بأوراقه، في حديثه مناوأة وتورية للغربة التي تسكنه ولكن نوافذه المشرعة باللامبالاةِ ستكونُ أكثر رحمةٍ من ظلالٍ تترسمُ آثاره حينما يغادرُ متوتراً أو مفعماً بالأنس لا فرق عندما يكونُ إنسانيا وحميماً للأشياء من حوله سيكونُ شاعراً وقابلاً للفقد حتى يتحسر الوجود بشأنه.... أهكذا نقرأ شاعراً كانَ يُصرُّ على مشاغبتنا بنبوءاته؟!! مع الشاعر دخيل الخليفة سيكونُ الحوارُ مختلفاً بالتأكيد. * ديوانك الأخير 'صحراء تخرج من فضاء القميص' نفد بسرعة البرق، هل تفكر في إعادة طباعته؟ ولماذا اخترت مولودك الشعري الثالث بهذا الاسم؟ *فوجئت بأنه نفد بسرعة، رغم يقيني أنني تعبت فيه لكونه رهاني المؤكد بعد اختمار التجربة، لكن دار (المدى) خذلتني أيضا، كما أغلب دور النشر العربية التي لا يعرف أحد أين يقف رهانها، تخيلت مثلا أنهم سيطلبون عمل (طبعة ثانية)، إلا أنهم اكتفوا بالصمت، بل أن النسخ الخاصة بي وعددها (500 نسخة) لم أتسلمها حتى الآن، وحينما زرتهم في دمشق، أبلغوني بأنهم لا يمتلكون سوى 14 نسخة فقط.. فاشتريتها ! دور النشر الآن تعتمد على نسخ الإصدار في حال نجاحه دون إبلاغ صاحبه.. وفي كل الأحوال اتفقت مع (دار أثر) السعودية على إعادة طباعة الديوان الثاني (بحر يجلس القرفصاء) والثالث (صحراء تخرج من فضاء القميص) فضلا عن مجموعة جديدة بعنوان (يد مقطوعة تطرق الباب).. أما عن اختيار الاسم، فيرتبط من كون الصحراء فضاء شاسعا يمارس قانونا عشائريا.. واللافت أن الناس الآن تعيش في المدينة بكل تحولات الحياة وانفتاحها، وتفكر بعقلية صحراوية، تطبق نواميس بدائية. صحراء * هل أتمت الصحراء خروجها من قميصك؟ إلي أين تراها ذهبت في زمان ليس على ألفة مع البداوة وزمن الرقميات والعولمة؟ *الصحراء بالنسبة لي ذاكرة، أنا عشبة فيها أراد الآخر أن تكون يابسة، الصحراء قاسية حينما نكون بلا أنياب حادة.. ورغم أن الكل خلع أوتاده إلا أن تأثيراتها باقية على الوجوه، الأعمار، في زمن الهوية الكونية.. أينما ذهبت ستكون البدوي الذي لا ينفعه القميص، ولا حتى الغترة والعقال.. أحمد مطر يرى أن الحكاية تتلخص بالبعير الذي عبر أولا..! إنه الجفاف في زمن العولمة يا صديقي.. * دخيل الخليفة، إلى أي وطن يشدك الحنين، هل من أمل في اللقاء وقد أتعب قدميك عبور البلاد بلا تذكرة؟ *لم يعد مهما بالنسبة لي سوى أوطان جميلة هي قلوب أصدقائي، ذات مرة قال لي عجوز: 'لا تبك على أرض.. فوطنك عقلك'.. ما زالت هذه الكلمات ترن في أذني.. ذات حزن كتبت مع الشاعرة منى كريم نصا بعنوان 'خرافة العش.. حيث يهرب البريء!'.. والحقيقة أنك أحيانا ترتجف حينما تلمح إضاءة دورية المرور.. رغم يقينك أنك لم تجرح حتى شعور ذبابة قرصت وجهك..لم تعد التذكرة سوى جناح يمكنني من رؤيتك والآخرين.. مؤلم أن تكون الهوية أزمة مجتمع، الحكومات يمكن أن تغير برامجها لكن المجتمعات المريضة يصعب تغييرعقولها.. لذا لم يعد يهمني شيء.. أجيال * أنت مسكون بالتقسيمات، ثمانينيات، تسعينيات، والألفية، ألا يمكن للنص والشاعر الحقيقي أن يعيش خارج هذا التسميات؟ *في التقسيمات أعني أجيالا متقاربة في التفكير، في طرق الكتابة، في الهم الإنساني، جيل السياب له رؤيته الخاصة وأسلوبه، جيل أدونيس وأنسي الحاج وسركون بولص وسعدي وقاسم حداد لهم أساليبهم المختلفة أيضا، لكنهم متقاربون فكريا.. بالطبع حينما نتلقى نصا، فإننا نتلقاه بمعزل عن صاحبه، لكن الظروف المحيطة بصاحبه هي التي أنتجته.. تقسيمة الأجيال تسهل علينا معرفة طرق التفكير والهموم، والأحداث التي ساهمت في إبراز تجربة إنسانية ما.. لا يمكن أن أقارن نصوص السياب بنصوص محمود درويش (الآن).. فلا الجيل هو الجيل، ولا الوقت هو الوقت، ولا التاريخ بأحداثه هو التاريخ، لذا أرى (التجييل) ضروريا..نقديا على الأقل.. * الكثير من المثقفين يجدونك حادا في طبعك وآرائك، أهي طبيعة البدوي أم ثقة بالنفس؟ *هذه التي يراها البعض حدة زائدة..أراها صراحة مطلقة.. أنا لا أظلم أحدا.. أتكلم عن واقع سيىء ومفضوح.. على سبيل المثال: ما معنى أن يسيطر 10 أشخاص على مقر ثقافي 50 عاما دون تنظيم مهرجان يذكره الناس؟ مشكلة صناع الثقافة عندنا (إن صحت التسمية) يرفضون كشف الغطاء عن أخطائهم، وأنا تناولت أخطاء المؤسسات الثقافية، وثقافة (الموظفين) التي تنتجها، لكن لم أجد أحدا اعترض على ما أقول من خلال رد واضح.. البعض يشتمك في الخفاء ولا يواجهك.. وهذا أمر مشرف على أية حال.. لن أتنازل عن صراحتي لأرضي (فلانا أو علانا) مقابل مصلحة شخصية.. كثيرون يرون أنني على حق.. لكنهم جبناء ولا يعلنون رأيهم لكونهم ينتظرون مصالح أخرى كالأمسيات والمهرجانات الخارجية.. وهذه لاتهمني إطلاقا حتى قبل هيمنة الفيسبوك. نقد.. وحقد * لقد تولدت تجارب شعرية كويتية شابة وأخذت تشق طريقها في خارطة الشعر العربي، هل مارس النقد سطوته معهم فخرجوا من خلاله، أم أن النقد في الكويت ما زال نائيا عن المنجز الجديد؟ *لا يوجد نقاد حقيقيون عندنا في الكويت، وإن كان البعض يتقن قراءة النصوص، أو يمتلك بعض الأدوات النقدية فإن هؤلاء بخلاء جدا، يعتقدون أحيانا أن خدمتهم للشاعر أو القاص فلان تعلي من شأنه!.. لو كانت المبدعة استبرق أحمد مصرية أو لبنانية لصفق لها كثيرون على مجموعتها القصصية (عتمة الضوء).. والحال ذاته مع الشاعرة منى كريم والشاعرة دلال جازي والشاعر علي الفيلكاوي في مجموعته الأخيرة. عندنا أكاديميون يمارسون بعض النقد لكنهم كما تعلموا من أشقائهم العرب، يختارون القطط السمان أو الكتاب الذين يظنونهم كبارا، لتشريح نتاجاتهم.. هذا عار على النقد.. إن كان هناك نقد أصلا.. أحد مدعي النقد اعتبر (البدون) نصا مجاورا للنص الكويتي.. هذا (حقد) وليس نقدا.. لأن البدون يقودون المشهد.. الجيل التسعيني سعدية مفرح ومحمد النبهان وعالية شعيب ونشمي مهنا وعلي الفيلكاوي والراحل علي الصافي وأحمد النبهان وابراهيم الخالدي أسس لقصيدة لم تكن دارجة.. ويحسب له أن جعل قصيدة النثر حالة عامة في التجربة الكويتية، وهذا الجيل لم يقدمه ناقد، ولم يتكئ على من سبقه لأن التجارب السبعينية والستينية كانت بائسة.. فيما أن فترة الثمانينيات كانت خالية.. أما جيل 2000 فبرز فيه سعد الجوير ومحمد المغربي وسامي القريني ومنى كريم وعنود الروضان ودلال جازي وشهد الفضلي في مجال الشعر، ولم يساهم النقد في تشريح تجربتهم الجيدة.. لكن أسألك: متى ساهم النقد في أبراز مبدع أصلا؟ النقاد مجرد طفيليات تعيش على ما يصدره المبدعون.. ومع ذلك فهم طفيليات متعالية ! حالة إبداعية * لاتكاد الصور تغادر القصيدة الواحدة، بل هي تتقاطر بكثافة في قصائدك الأخيرة مع إيجاز لغوي فاتن، ألا يربك المتلقي سيل الصور هذه برأيك؟ *لا علاقة لي بالمتلقي حينما أكتب، الحالة الإبداعية تقتضي أن تكتب بلاشروط ولا حواجز.. لذا فإنني أكتب ما أراه، لا أبحث عن تصفيق المتلقي أو استيعابه، فلي عالمي الخاص أيضا، وهذا نتاج قراءات وتجارب وفكر إنساني، ومن يشأ أن يفهمني، عليه أن يصعد السلالم معي.. لا أن أنزل إلى سراديبه. * الحالة الثقافية في الكويت وقراءتك لها، هل هي في الطريق الصحيح؟ *المشهد في الكويت ليس واضح الملامح.. هناك أصوات متميزة في الشعر والقصة والرواية، لكنهم لايجتمعون تحت سقف فكري، ولايتفقون على قضايا إنسانية رغم أن أدواتهم جميلة.. الشعراء في الكويت لايقلون تميزا عن أقرانهم العرب .. في القصة والرواية هناك أسماء جميلة مثل باسمة العنزي واستبرق أحمد وبثينة العيسى وجاسم محمد الشمري وعلي المسعودي وميس العثمان وهبة بوخمسين ويوسف ذياب.. دون أن ننسى جيل الوسط الذي برز فيه ناصر الظفيري ووليد الرجيب وطالب الرفاعي.