أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    ورشة عمل لتسريع إستراتيجية القطاع التعاوني    إن لم تكن معي    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر طلال الطويرقي: الحدس ناقد يكبر فيّ على صعيدي الحياة والنص
في مناسبة صدور الطبعة الثانية من ديوانه
نشر في الرياض يوم 12 - 03 - 2009

في مناسبة صدور الطبعة الثانية من مجموعته الشعرية الأولى: (ليس مهماً) الشاعر طلال الطويرقي:الحدس ناقد يكبر في ّعلى صعيدي الحياة والنص. ومتى اكتملت الفكرة فلا مبرر للإطالة والتمدد.
طلال الطويرقي من الشعراء السعوديين الذين انطلقوا في تجربة الجرأة مع الأسلوب التفعيلي فتطور استخدامهم للصورة الشعرية من مواليد عام 77م شارك في تمثيل الحركة الشعرية في مهرجانات شعرية متعددة محلية وعربية في اليمن وسلطنة عمان والاسكندرية، يعمل حاليا معلما للغة العربية، إلى طلال وحوار الشعر:
٭ بين طباعتك الأولى لديوانك وطباعتك الثانية له زمن قليل يقاس باقل من 3 أعوام، وهو قليل في نظر سواك، لكن ربما حسبت الأمر بحسابات لايعلمها المتلقي ومن زوايا مغايرة لما يعلمه. هلا فسرت الأمر من منظورك الخاص؟
- الأمر بداية لا يحتاج إلى تفسير كي تستقيم المعادلة على وجهها الصحيح، ثمة أمور كثيرة تشترك في عمل كهذا من رداءة طباعة النادي إلى وصاية على العمل وكأن العمل فرد قاصر من أفراد عائلة بعض المسؤولين عن النشر يجب عليه وصايته واختيار غلافه، لم يكن عملا كهذا ملبيا لتطلعاتي بعد رؤيته وقد ولد دون معرفتي لموعد ولادته، عموما تغاضيتُ عن وصاية بالضرورة لا تخصني. ومن جهة أخرى تقدمت وزارة الثقافة بطلب خمسمئة نسخة من العمل لم تكن موجودة لدي ولا لدى الدار نفسها باختصار قررتُ الطبع مجددا نزولا عند رغبتي ورغبة الوزارة باقتناء العمل.
٭ على خلاف ماتتسم به التفعيلة الحالية تفوقت في تحديثك قلبا وقالبا، علام اعتمدت وانت تخوض حداثة من هذا الطراز الخاص والفريد من نوعه خاصة وان هذا اول اصدار لك وانك من جيل الشباب؟
- لا تعجبني التصنيفات التي تخنق المتلقي وتحصر الشاعر في زاوية حادة للغاية، أقف بعيدا أتأمل المشهد وأحدد خياراتي. هل لا زلنا أسارى التمرحل والتشكل؟ألم تنته مرحلة التقسيم المدرسي هذه؟ورغم هذا أقول:أنا أكتب الشعر منتبها لنبضي ومصغيا لوقع خطى قريبة، أبتسم لامرأة واحدة كلما تفاجأتُ بحضورها وأرقني الغياب. لقد كتبتُ الانسان بكل تطلعاته وآماله وآلامه من خلال رؤيتي وتجربتي الخاصتين مما جعلني أتجاسر حين أقول إنني أشبهني كما ورد في سؤالك. ولا أنسى القول إن هذا الاصدار الثالث مرحليا لكنني قسوتُ على نفسي ورحلتُ تجربتين لتبقى أسيرة للذاكرة فقط.
٭ لماذا يختنق نصك بهذا الكم من الحزن والنفس الثقيل على مرحلتك الشعرية الشابة؟ هل هو هم استهلك الطفولة او محاولة مستميتة وتصور مسبق أن هذا مايغل على الشعر الحديث بتجاربه وخبراته ام ان للامر علاقة بخيباتك الخاصة في سن مبكرة ام انك انت هو ذلك الحزن؟
- أنا خليط من كل ذلك، أنا الهادئ حد الوردة، المشاكس حد القصيدة، الطفل حد الشيخوخة كما وصفني صديق أصاب كبد الحقيقة في إهداء لديوانه، أنا ابتسامة لا تحتمل الحزن لوهلة، دمعة لا تحتمل الهدوء لوهلة. نصي تشكله تجارب محفورة في داخلي طفلا وشابا، لا زلت أتعلم وأجدد معارفي وتجاربي مما ينعكس على نصي، وهذا أمر طبيعي وسنة كونية لا مناص منها. أماالخيبة فهي أمر طارئ لا يلبث أن ينزوي بعيدا، حتى حينما أكون في قاع قاع خيبتي أشعر أن ثمة يدا تجعلني أكثر تمسكا بالجمال والحياة والحب، لا يعنيني يد من كانت لكنني مدين لها بنزع فتيل كاد يودي بي في خيبة مظلمة، والله إنها ليد عليا.
٭ يكثر استخدامك لأدوات النفي بدءاً من عنوان ديوانك (ليس مهما) حتى عناوين نصوصك وتختلف استخداماتك لها فتأتي معاصرة لفعلها المضارع او زمنها الحاضر وأحيانا أخرى يظهرنفيك في صورة الإثبات، فلماذا النفي عموما سمة لنصك؟ ولماذا تنفي لتثبت ولاتثبت مباشرة بادوات الاثبات ولغتها ماوجهة نظرك في هذا التضاد واي خبرة لديك يمكن البوح بها في هذا الاطار؟
- سؤال عميق، حين أكتب نصي أوقن تماما أنه نص وليد زمنه ولحظته، لا ينفصل عن واقعه ولا يتعالى عليه، وهذه من وجهة نظري ثيمة نجاح أي نص. دعيني أقول لك: إنني أعيش بين زمن كنتُه وزمن صرتُه ومن بينهما أخرج بنصي محملا بي وملتصقا بكياني، أنفي حاضرا لم يرقني وأثبتُ بشكل ما ماض ظل يأسرني ويتشبث بي لا يمكنني التنصل منه ولا الفرار خارج دوائره، أنا محاصر بي بين بين ولذا يكون النفي مفرغا والنص ممتلئا بذات مكلومة ورؤية لا تستطيع أكثر من أن تكون محايدة وشفيفة، ولذا أعبر بالنفي بعيدا عن أدوات الاثبات التي ستكشفني وتجعلني أسيرا لمباشرة مملة لم ترقني قط، ولا أظن لها مكانا شاغرا ومشتعلا بين أوراقي.
٭ الملاحظ على نصوصك حضور الضمير والمؤنث بل أن نصوصك متجلية بخطابها للانثى في ادوارها المختلفة: اما حبيبة وماالى ذلك هذا يدعو الى السؤال الى أي مدى كان مخزون الانثى مثريا لذاتك وطاقتك الابداعية وداعما لها ولماذا يغيب في المقابل تاثير آخر للشخصية الذكورية؟
- صحيح، تخيلي بعد هذه السنوات التي مرت لازلتُ أتذكر صورة أبي كما لو كان بيننا. . أتذكر كثيرا من المواقف التي كان يخرج بها عن أعراف القبيلة -رغم أمية أبي وتربيته القبلية- ويمارسها أبي معي بكل بساطته القروية، لقد كان حريصا على أن أكون مميزا بشكل ما، كان يترك لي مجالا للحديث والطرح، وآخر للعب والتكسير، وثالثا لطلباتي التي لا تترك له مجالا لردها، كان صديقا وأبا مثاليا بكل ما للكلمة من معنى. . ومما أذكره له بعد كل هذه السنوات على غيابه أنه لم يضربني ولم ينهرني قط. ألا يكفي هذا لأن يكون أبا مثاليا على صعيد التربية على الأقل ومن ثم على صعيد النص؟؟لقد كان قربي منه صديقا كفيلا بحقن ذاكرتي بما لم أكن أعرف، لكن ذاكرتي الآن باتت أقدر على التفسير مما جعل له بصمة مميزة في حياتي أدركها الآن. وأما عن الأنثى/أمي فقد كانت امرأة حازمة إلى درجة كبيرة خصوصا حينما كنا صغارا، وتحول هذا الحزم كله إلى أفق من التضحية والعطاء والحب بعد غياب أبي المفاجئ، لقد أصبحت كائنة شفافة بشكل مذهل، تترك لنا خياراتنا في الحياة حتى لو كلفها ذلك أن تذرف الكثير من الدموع، لكنها تبقى مصرة على أن تتخذ قرارك حتى لو كان هذا القرار هو القرار الأصعب والأوقع على نفسها. لقد تحملت الكثير والكثير من أجلنا ولازالت لكنها الآن وهي تقف على منتصف الخمسين محتفلة بحفيدها الأول نسيت كل ما فعلنا وأخذ الحفيد كل البهجة والحب الذي كنتُ أنعم به (أمد الله في عمرهاومتعها بالصحةوالعافية(لذا لا تستغربي حضور الأنثى في نصي بشكل كثيف وحضور الرجل بشكل أقل-رغم أنهما سواء- منطلقا من إيماني اليقيني بالأنثى التي يمكن أن تكون أبا وأما في آن بينما الرجل لا يستطيع إلا أن يكون أبا وأبا فقط. لا تنسي أيضا أني من يحمل الكاميرا ويمضي بها حيث شاء الشعر لا غيره بعيدا عن أن اصطحب آلة حاسبة لتذكيري بعدد مرات ذكري لهما، أنا أحفل بالشعر فحسب.
٭ تعددت وتنوعت أغراضك الشعرية وتفردت في تفكيرها وتفكرهامايدهش ويفاجيء قارئك باختلافك عن نسق السائد والممل والمألوف ذي الاتجاه الواحد نحو استهلاك الغزل فأنت تكتب عن المجتمع والأصدقاء والأسرة والطفولة. . . . . . . . إلخ
- أشعر أن الحياة هي من تقرر النص الذي يمكن أن أكتبه، لايخصني ولا يعنيني موضوع ما أكتب حينها أبدا، ثمة صوت يتشكل في داخلي لا يد لي في تشكيله ولا يمكنني أن أكون موجها ولا يمكنني أيضا أن أتقمص ملامح الناصح لنفسي ولا لنصي، لستُ مؤهلا في الحقيقة لدور كهذا ولا أستطيع تخيل ذلك ولو لمرة. صدقيني لا يليق بي دور كهذا وأظنك تيقنين ذلك جيدا. أنا لستُ أكثر من صورة لكل ما يحيط بي من أسرة وأصدقاء وأحبة، أنا مرآة تعكس ما يقف أمامها بحياد مطلق ولا أنقل ما وقف عارضا أو لم يكن مواجها، لكن هذه المرآة لا ترى إلا ما تريد لا يحكمها في ذلك إلا الشعر بتجلياته المختلفة فحسب.
٭ ميز نصوصك اتجاهها القوي المغرق في تفحص الغيب والمستقبل المجهول والتنبؤ بهما بثقة بالغة مفرطة وهي ميزة تحسب لك كشاعر، فكيف تمكنت من لعب دور المنجم؟ أو بماذا تفسر ذلك الأمر لديك؟ وما العلاقة التي تربط بين جرأتك وصراحتك وبين قدرتك على البوح وتحمل خطيئة المواجهة واللوم على قول مالم يقل بعد زمانيا وتوقع مالم يقع بعد؟ وماأهمية التعبيرالابداعي عن شجاعة الحدس وكتابتها على هذا النحو وغيره مما ظل سمة للشعراء يرويه المتنبي ولم تعشه الأمة إلا بعده بقرون، أخبرنا هذا الدور الذي استغنى عنه شعراء الآن وافتقدوا به أحد أهم أدوارهم الانسانية والفكرية والاجتماعية في التأثير والتأثر والتغيير؟
- الحدس إحساس أعتمد عليه كثيرا في حياتي عموما من تكوين الصدقات وانتهاء بأصغر التفاصيل فيها. لا أعرف حقيقة لماذا يكون هذا الحدس صادقا معي إلى أبعد مما تتصورين، شيء ما يحركني دائما وعلى ضوئه أحدد خياري وأتخذ القرار الذي يكون صائبا على الأغلب. حدسي لا يخونني ولذا أعتمد عليه حتى في كتابة نصي، أشعر أن هذا الحدس ناقد داخلي يكبر في كل يوم على صعيد الحياة وعلى صعيد النص أيضا، ولذا أتعامل مع نصي ككائن محتمل فأتخذ قرارا بعبور هذا النص إلى الحياة وأنفي آخر عنها بسهولة مطلقة، قد يكون في هذا التعامل الحدسي/التنبؤي قسوة بشكل ما لكني أراها قسوة مبررة وجميلة ومدهشة. والشاعر دائما يبحث عن يوتوبيا جديدة، فكلما وصل إلى حلم أرقه البحث مجددا مما يجعله في حالة من التقصي والبحث والترقب مما ينعكس على التجربة عموما بشكل جيد هذا من جهة، ومن جهة أخرى أعتقد أن الشاعر الذي يقف نصه أسير زمنه الحاضر فقط مبتعدا عن التنبؤ شاعر كفقاعة الصابون لا يلبث أن ينتهي أو كعلبة الساردين التي ترتبط صلاحيتها بزمن محدد لتصبح غير صالحة للاستهلاك الآدمي وكذلك نصه.
وهناك غير المتنبي لم يكن لهم طول تجربته لكنهم بقوا بنص واحد عاش زمنه وتجاوزه، ومن هنا لابد أن يكون النص معاصرا متجاوزا في آن، هذه فلسفتي باختصار.
٭ تقسم معظم نصوصك باقسام وتجنح الى تذييلها بارقام، ماالذي تهدف إليه من ذلك النهج؟ مامدى مساهمة طريقتك هذه في تفاعل المتلقي بنصوصك؟ وماالحالات التي تعتقد أنها مفيدة لتكثيف صورك الشعرية في ذهنية متلقيك ألاترى أن تلك المقاطيع تؤدي إلى حالة من التشويش لدى متلقيك بين مافات منها وماهو آت؟ هل للأمر صلة بقدرتك التعبيرية وميلك إلى القصيدة المكثفة القصيرة جدا؟ أم أن لذلك علاقة بشعورك نوعا ما بمللك قارئك من سردك المتواصل؟ فسرلنا الامر؟
- نعيش عصر السرعة ولا أتوقع أن يحتمل الشاعر كتابة نص طويل أشبه بمعلقة، ولا أظن المتلقي قادرا على سماع نص كهذا ببساطة. فكما كنا نسمع أم كلثوم وحليم - بأغانيهما المكبلهة طبعا - يحق لنا الآن أن نسمع هيفاء وهبي وأليسا. حتى فيروز حين قدمت مسرحياتها وأغانيها وأفلامها لم تكن تغني أغان طويلة ومملة وهذا سبب رئيس في تميزها وبقائها بذات الجمال والدهشة. أيضا على صعيد الشعر متى اكتملت الفكرة فليس ثمة مبرر للإطالة والتمدد وإلا لأصبح النص مطاطيا وفضفاضا.
اعتقد أن الكتابة ترتبط بمعطيات عصرها ولا يمكنها أن تكون عبئا عليه، لا يمكنني أن أكون شاعرا ثقيلا بهذا الشكل ولو فعلتُ هذا لمارستُ جلد ذاتي وذات المتلقي في آن.
أشعر أنني يمكن أن أقدم نصي على شكل كبسولات مكثفة وبسيطة تعبر عني وعن المتلقي بسهولة مفرطة دون ملل، ولذا أعمد إلى تقسيم النص - وإن كان طويلا - إلى مقاطع صغيرة ومكثفة تمثل عصرها وتعايشه، وهذا ما فعلتُه في نصي القادم أيضا.
٭ كيف تفسر لنا العلاقة التي تربط بينك وبين ضمير الغائب حيث يظهر ويحضر قويا في نصوصك؟
- أنا الغائب الحاضر، الحاضر في نصه والغائب/ المتواري في نفسه، أجدني فعلا كذلك، فأنا أعبر عن ذاكرة جمعية أنا جزء منها، ومن هنا لو كنتُ حاضرا/فردا في نصي لمثلني وحيدا منفردا دون غيري.
ضمير الغائب في نصي يا هدى بصمة لا تدل علي وحدي لكنها مبرر واضح يمثل فردا ما من نسيج كامل هو جزء منه يعايشه ويعمل به تأثيرا وتأثرا وكتابة.
لا أحس بقربي من ضمير المخاطب أبدا لشعوري بجفافه ومباشرته وتقريريته، أشعر أنه ضمير صالح للنصح لا للنص بشكل كبير، كما لا أحب تقديم النصائح على طبق من ذهب ولا من فضة، ولذا أنسل متخفيا برزايا فعلة ما تحت ضمير غائب يسترني وأستر به الجمع وأقول خلفه ما لا يقدر على تحمله ضمير سواه، حتى ضميري.
٭ كيف تستطيع المزاوجة بين نبوءة نصك وذاكرة ماضيك؟ وماالعلاقة التاريخية التي تضيئها في القفز بين مرحلتين على هذا النحو من التفوق المدهش لمتلقيك بشكل عام سواء كان ناقدا وشاعرا وقارئا؟
- النص من وجهة نظري يكتب في عصره مزاوجا بين ذاكرة ممتلئة بمواقف الحياة المختلفة زاخرة بها وبين نبوءة محتملة قادمة، النص على وفق هذه الرؤية أشبه بحلم يتسرب من لا وعيك وتعيشه وأنت تحلم به فيما يترك أثرا واضحا على مستقبلك ربما.
النص حلم مؤجل دائما لا يمكن تفسيره بشكل دقيق وفق صرامة قاتمة وإلا لمضى وتركك وحيدة كمن تنتظر على مقعد رحلة فائتة. ومن هنا أجمع حمائم نصي من الماضي لأطلقها في فضاء رحب من النبوءة والترقب مرددا:يطير الحمام / يحط الحمام، فيما أمارس دور المشاهد المستمتع بامتياز. باختصار أن همزة الوصل في أول سطر الكتابة بين زمنين.
٭ تتفن في غرس كتلة من المعنى المفخخ في قليل من الكلمات التي ربما توقف عندها المتلقي طويلا. ماالطاقة التي تتطلبها من جهدك نصوص مكثفة إلى هذا الحد بطاقة المعنى ومؤثرة جدا؟ وكيف ترد على بعض من لم يزالوا على يقين بأن القصائد قليلة الكلمات من سمات الشاعر العاجز عن الامساك بخيط القصيدة؟
- لا يخصني أبدا ما يمكن أن يقال عن نصي من سلب أو إيجاب، فحين أتلقى أي ردة فعل أتعامل معها بهدوء وبساطة ولا أتحسس منها مطلقا، ذلك أنها رأي يحتمل الصواب ويحتمل الخطأ ويمثل وجهة نظر صاحبه منطلقا من خبراته وتجاربه التي ليس بالضرورة أن تتقاطع مع خبراتي وتجاربي ومن ثم نصي الذي هو نتاج ذلك، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى أعتقد أن الإيجاز سمة من سمات البلاغة والفصاحة، فمن استطاع الإيجاز يستطيع الإطالة، لكن من يستطيع الإطالة بالتأكيد لا يستطيع الإيجاز.
وكما قلتُ لك في سؤال سابق:إنني أمثل عصري الذي لا يحتمل لبس ملابس فضفاضة لا تناسبه، وإن كانت جزءا من ذاكرة زاخرة.
٭ قسمت مجموعة إلى ثلاثة أقسام، إلى أي حد تعتقد أن تقسيما إلى هذا الحد يخدمك شعريا وقرائيا؟ وماوجهة نظرك في ذلك؟
- حين بدأتُ العمل على الديوان اعتمدتُ في تقسيم النصوص على معيارين هما:/زمن كتابة النص. /الرؤية النقدية للنصوص عموما.
عندها وقفتُ حائرا وتفحصتُ الأمر جيدا وقررتُ تحييد الزمن لصالح الرؤية التي أحملها تجاه النصوص معتمدا على حدسي وشعوري تجاهها ومن هنا أترك لمن يقرؤني بعمق تشكيل رؤيته للعمل وما إذا كان التقسيم قد خدم العمل أم لا، مبتعدا عن تقديم تقرير مفصل عن ذلك لأني آسر الناقد به، ولستُ مخولا بذلك ولا محبا له.
بوسع الناقد أن يبحث عن ذلك، وليس بوسعي تقديم تبرير يحمل نصي ويؤسس له.
لن أفعل ذلك ياهدى ولن أقع في الفخ.
٭ بتأمل النسق العام الذي أخرجت به مجموعتك يوحي بتمكنك شعريا وإبداعيا وذهنيا من لعب دور المبدع والمتلقي والناقد والناشر بحيث اتبعت منهجية عالية المستوى في تنوير قارئك وأضأت له كافة السبل، وقلما يمتلك شعراء كبار هذه القدرة، التي تبعث في نفس ومخيلة المتلقي ثقة بك وباقتدارك الابداعي وجهدك واجتهادك في التسهيل عليه وهو أمر إيجابي يحسب في مصلحتك، كيف تصف قدرتك وخبرتك وماالعوامل التي ساعدتك في ذلك؟وبمن استعنت حتى صففت بهذه الدقة المذهلة مجموعتك؟
- يبهجني هذا الرأي. بالنسبة لتعدد الأدوار فذلك تعدد منطقي بالنسبة لي، فبعد كتابة النص ينتهي دور الشاعر في داخلي وينزوي قليلا تاركا الدور للناقد/المتلقي داخلي لتشذيب النص وأقول تشذيب لأخرج من إعادة إنتاج النص التي لا تعجبني أبدا.
فالنص كائن حي - من وجهة نظري - لا يمكن إعادة خلقه وتشكيله خصوصا حين يكون نصا شعريا تحديدا كونه خاضعا للعاطفة بالدرجة الأولى، ولذا أحافظ على الدفقة الأولى له، ولا أشوه خلقه، ولن أترك للسليكون دربا سالكا داخل نصي أبدا.
بعد ذلك أمارس دور المتلقي على نصي فمتى شعرتُ بملل في مقطع منه حتما لن يكون له مكانا شاغرا في النص.
أعرف أن صرامة كهذه تخسرني على صعيد الكم لكنها تعززني على صعيد الكيف، وهذا ما يهمني.
وهذا كله لم يكن لولا اعتمادي على حدسي وحدسي فقط.
فقد قام حدسي وأنا بكل ذلك، رغم ما لحق بالعمل من تشويه كلانا بريء منه، ويتحمله آنف الذكر في إجابتي على سؤالك الأول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.