أرجع عضو مجلس إدارة نادي جدة الأدبي الشاعر أحمد قران الزهراني بطئ إيقاع العمل في نادي جدة إلى أنه محكوم بموافقة مجلس مكة الثقافي، الذي لا يمكن تنظيم فعالية أو ستضافة مثقف من دون موافقته، مناشدا الأمير خالد الفصيل بالتدخل. وأعترف الزهراني بالأثر الذي لعبته المرأة في تكوينه الشعري، وقال إن المبدع الذي يكتب في فضاء لا امرأة فيه كالذي ينثر الورد في صحراء لا كائنات فيها. ويرى في حواره مع «الحياة» أن تجربته الشعرية هي «نقطة تحول في التجربة الشعرية العربية»، بعد فراغه من ديوانه الأخير «لا تجرح الماء» (2009)، فيما لا يرى حرجاً من دعوة أي ناقد في تشريح نصوص «ضعيفة» ضمتها مجلة «عبقر» التي يترأس تحريرها، شرط «أن يقرأها قراءة نقدية»، ... فإلى تفاصيل الحوار: بداية ألا يراودك الشعور بجفاف منابعك الشعرية بعد فراغك من كتابة مجموعتك الأخيرة «لا تجرح الماء» الصادرة عن دار الكوكب - رياض الريس 2009 في بيروت؟ - يظل الشاعر مهموماً وفزعاً ومرتبكاً طوال حياته الشعرية يأخذه المد والجزر نحو رهبة التصحر الشعري. فالشاعر حينما يفرغ من نصه الشعري يقف بين منطقتي الفرح والخوف، الفرح بولادة نصه الشعري والخوف من رد فعل المتلقي حول النص، ومن الرهبة حين التفكير في كيفية تجاوز هذا النص. والشاعر دائماً مهموم قبل كتابة النص وبعد الانتهاء منه وبعد نشره، فكيف بالشاعر حين صدور مجموعة كاملة؟ لا شك في أنه يعيش حال قلق لا تختلف كثيراً عن حال المخاض، الخوف هو خدين الشعراء وإلا لن يتطور الشاعر إذا ركن إلى ما كتب لهذا يراودني الخوف بعد كل قصيدة وبعد كل مجموعة من أنني لن أكتب بعد ذلك شعراً بل قد يتعدى الأمر إلى أن أقرر ألا أكتب شعراً وأكتفي بما أنتجت سابقاً وهو شعور غير اختياري. تعد هذه التجربة هي الثالثة لك بعد «دماء الثلج» و«بياض» ما الذي أردت أن تصل إليه في هذه المجموعة؟ - التجارب الإبداعية لأي مبدع هي تجارب تراكمية لا يمكن الفصل بين مراحلها ولو أخذنا أمثلة على ذلك من الشعراء المعروفين، سنجد أن التجربة الأخيرة ليست كالتجربة الأولى هي الأكثر نضجاً خذ مثلاً: درويش، سعدي يوسف، أدونيس، المقالح، قاسم حداد، محمد علي شمس الدين، وديع سعادة، الدميني، والثبيتي في تجربتيه الأولى والثانية، وقس على ذلك تجاربهم اللاحقة، وقس على ذلك أيضاً بقية الشعراء، وأعتقد أنني وصلت في تجربة «لا تجرح الماء» إلى الحد الأعلى والأحدث في موجة قصيدة التفعيلة العربية، هذا الحد الذي يجعل المتلقي يحتار في نصوص بين كونها تفعيلة مموسقة أم نص نثري، وكثيراً في أمسيات شعرية داخلية وخارجية أسأل عن نصوصي وكأنها قصيدة نثر، على رغم أنها تفعيلة موزونة بشكل دقيق وصعب، إضافة إلى تراكيب الصور وترادف المعاني، وأنا لا أعني أنني أُفضِّلُ النص النثري على التفعيلة. وهل وصلت قصيدة التفعيلة الحديثة إلى الحدّ الذي يتوه القارئ في تمييزها؟ - نعم وهذا يدل على حبكتها وعمقها، اذ استطاعت أن تمزج بين روح الشعر وروح النثر في نصٍ واحد، وهو ما لم تستطعه الأجناس الأخرى، وعلى رغم أن الديوان لم يصدر إلا منذ أشهر قليلة إلا أنني وجدت ردود فعل إيجابية بشكل غير مسبوق، وأنا هنا أراهن على هذه التجربة التي اعتبرها مدرسة مستقلة في النص الشعري الحديث، ستتضح معالمها قريباً جداً، و«لا تجرح الماء» نقطة تحول في التجربة الشعرية العربية. فضاء لا امرأة فيه حضرت المرأة محرضاً رئيسياً في مجمل نصوص الديوان هل لعبت الأنثى دوراً في تكوينك الشعري؟ - المرأة هذا الكائن الأجمل بين الكائنات، محور ارتكاز الحياة، المحرك الرئيسي لكل عطاء وإبداع، العظماء من المبدعين في الفنون كافة كان المحرض والمحرك الأساسي لهم هو المرأة، ليوناردو دافينشي حينما رسم الموناليزا كان المحرض امرأة، والمساحة لا تتسع لسرد قصص المرأة مع المبدعين وتجليها في أعمالهم، لهذا أقول: المبدع الذي يكتب في فضاء لا امرأة فيه، كالذي ينثر الورد في صحراء لا كائنات فيها. يقول غاستون باشلار: «إن الحكم الشعري متروك لعناية القارئ» الى أي مدى ترى ذلك صحيحاً وكيف تجد تناول النقاد لتجربتك الشعرية؟ - الرهان الحقيقي على المتلقي، القارئ الحقيقي فطن ويستطيع أن يميز بين الشعر الحقيقي والشعر المفتعل،وأي مبدع يكتب بعيداً عن رهانات القارئ يظل يدور في حلقة مفرغة، فالقارئ هو المقياس الحقيقي للتجربة، ومن خلاله يقيس الشاعر مستوى نصه ومستوى تجربته، أما الناقد فهو الضوء الذي يحيط المبدع ، يقرأه ويفكك نصوصه، ويقيم التجربة: مالها وما عليها، وأنا هنا أتحدث عن الناقد الواعي بدوره والحيادي في كتابته، بعيداً عن المجاملات والشللية، والحقيقة أن مواقف النقاد من تجربتي مواقف إيجابية كثيراً سواء على المستوى المحلي أم العربي، فالدراسات النقدية العلمية المحكمة أو الانطباعية أثرت تجربتي وأثرت فيها. هناك نقاد من العراق ومصر وتونس والمغرب والجزائر واليمن والكويت ولبنان وسورية إضافة إلى السعودية تناولوا تجربتي الشعرية، كما تناولتها العديد من الرسائل العلمية «ماجستير ودكتوراه «داخلياً وخارجياً تجربتي الشعرية، وأصبحت تجربتي في متناول القارئ والناقد العربي والشاعر العربي، وهناك تواصل من القراء على بريدي الإلكتروني ممن يحصلون على «لا تجرح الماء» الذي وزع بشكل جيد في الكثير من منافذ البيع، وما الدعوات الكثيرة التي تصلني من ملتقيات شعرية عربية الا نتيجة تميز تجربتي الشعرية. وصف بعض النقاد النصوص الشعرية التي تنشر في مجلة «عبقر» التي تصدر عن نادي جدة الأدبي والتي ترأس تحريرها بالنصوص «المتواضعة» كيف ترد على ذلك؟ - الحديث عن مجلة عبقر حديث مبهج، هذه المجلة التي استطاعت أن تجد لها موقعاً كبيراً على مستوى الثقافة العربية، وهنا أؤكد للقارئ الكريم أن كمية الرسائل والاتصالات التي تسأل عن عبقر لا يمكن وصفها، إضافة إلى الاحتفاء الكبير من المبدعين العرب بهذه المجلة،وأنا أشرفُ كثيراً برئاسة تحريرها، وقد كنت في البداية، ومن خلال خبرتي الصحافية، قد أخذت الموضوع بشيء من الهدوء لكنني فوجئت برد الفعل والاستقبال الحافل لعبقر في عددها الرابع (وهو العدد الذي ترأست تحريرها فيه)، ولا أخفيك أنني أعدت حساباتي كثيراً بعد هذا العدد من خلال ردود الفعل ووصولها الى مدينة وجدة في أقصى المغرب العربي، ونجع حمادي في صعيد مصر والرقة في أقصى سورية وصنعاء في اليمن وغيرها من المدن البعيدة عن الضوء. وأخذت على نفسي مع زملائي في هيئة التحرير أو الأصدقاء الذين وقفوا معي من خلال موضوعاتهم التحريرية في المجلة، أخذنا على أنفسنا عهداً بأن تكون «عبقر» نافذة يطل من خلالها المبدعون العرب على كل مستوياتهم واتجاهاتهم وتجاربهم دون تحيز أو تمييز لتجربة دون أخرى أو مدرسة شعرية دون أخرى، ونحتكم في النشر إلى جودة النص وليس إلى الأسماء. أما من يرى أن هناك نصوصاً ضعيفة فعليه أن يقرأ النصوص قراءة نقدية، ونحن على استعداد لنشر قراءته في عبقر. هل تعتقد بان الشعر لا يزال ديوان العرب؟ وكيف تقرأ الساحة الشعرية السعودية؟ - الساحة الشعرية السعودية ودون انحياز؛ وليس بسبب كوني أحد أبنائها، ساحة تضج بالتجارب الناضجة، ولن أجانب الحقيقة إن قلت إن بوصلة الشعر العربي تتجه نحو التجربة الشعرية السعودية، لن أقول إنها لن تقل عن التجارب العربية، بل سأقول إنها تجاوزت معظم التجارب الشعرية العربية وأصبحت في موقع الصدارة والأسماء الشعرية السعودية لها أثرها وتأثيرها في المشهد الشعري العربي، إن اتساع رقعة البلد، وتنوع المشارب فيها وتعدد الاتجاهات الفكرية ومخرجات التعليم الداخلي والخارجي والاحتكاك المباشر بالمبدعين العرب والعالميين والاطلاع الدائم على المنتج الثقافي العالمي كل ذلك جعل تجربتنا متنوعة وثرية ومتعددة في نطاق بلد واحد، أما الشعر فكان وسيظل ديوان العرب، حتى وإن كانت مبيعات الأجناس الأخرى أكثر من مبيعات الشعر إلا أن الشعر، وعلى رغم أنه خفت قليلاً في المرحلة السابقة؛ إلا أنه بدأ يسترد عافيته، العرب أمة مسكونة بالحب والجمال والشجن وهو ما يتحقق في الشعر ولا يتحقق في الفنون الأخرى، بمثل الزخم الذي في الشعر إضافة إلى أن الشعر فن إنساني بالدرجة الأولى يحمل كثيراً من القيم الإنسانية التي قد لا تحملها بقية الفنون. إلى أين تريد أن تصل بمشروعك الشعري؟ وما جديدك؟ - كغيري من الشعراء أريد لهذا المشروع أن يكون فريداً ومميزاً بل أن يكون مدرسة للجيل الجديد، صدقني مثلما كان (مشروع) السياب ونازك ودرويش ونزار وأودنيس وأمل دنقل سيكون (مشروع) «أحمد قران»؛ لأنني حينما أكتب الشعر لا أكتبه عبثاً ولا آخذ قلمي وورقتي وأكتب، وإنما يأتي الوحي الشعري فتكون القصيدة قد كتبت ذاتها وهذا الفارق بين من يكتب النص ومن يكتبه النص، كما أشرت سابقاً، سيصبح مشروعي الشعري علامة فارقة في التجربة الشعرية العربية. وأنا الآن أعمل على انجاز رسالة الدكتوراه ولدي كتابان قيد الإعداد أحدهما يتحدث عن الثقافة الجديدة - الثقافة والمجتمع المدني وحقوق الإنسان - والثاني يتناول ظواهر الشعر العربي- والبحث العلمي ولاشك يؤثر في مكامن الإبداع في الذاكرة. مجلس مكة الأدبي يرى عدد من المثقفين أن نادي جدة الأدبي لا يزال يعيش في ظل الرئيس السابق عبدالفتاح أبومدين، وعلى ما بناه من قبل، في رأيك هل هذا صحيح؟ - اعتقد أن السؤال مخاتل؛ فالأديب عبدالفتاح أبو مدين جعل للنادي الأدبي الثقافي في جدة اسماً كبيراً على مستوى الوطن العربي، ولا يمكن أن يذكر نادي جدة دون ذكر مرحلة عبدالفتاح أبو مدين، علاقتهما علاقة اقتران ربما أمد بعيد، كيف لا وقد قاد النادي لاكثر من 20 عاماً، وفتح نافذة الحداثة في المشهد الثقافي السعودي وصدرت على عهده خمس دوريات تصل الى آخر نقطة في الوطن العربي. لا شك ان النادي في الفترة الحالية قدم منجزات لا بأس بها ولعل أهمها القاعة الكبرى وإعادة عبقر وإصدارات جديدة، لكن أغلب المنجز الذي تحقق في هذه الفترة هو امتداد لفترة عبدالفتاح أبو مدين، ولا أعلم لماذا يؤول الأمر الى غير مساره. هل المحافظة على منجزات سابقة تعتبر انحساراً في دائرة الماضي؟ أعتقد أن الاستمرارية في منجز سابق يعد منجزاً. والنادي مؤسسة ثقافية وليست مؤسسة فردية، ولعلني أكون صريحاً إلى المدى الذي ربما يدخلني في متاهات أخرى، كانت آمالنا في نادي جدة الأدبي كبيرة وطموحة لكن الذي لا يعرفه الآخرون هو أن مجلس مكة الثقافي قيّد حركتنا وأطرنا بأطر لا تنتمي إلى الثقافة، حيث الإجراءات البيروقراطية التي لا تتوافق مع ديناميكية الثقافة، فمثلاً يجب علينا الرفع الى مقام المجلس بالاسماء التي نرغب في استضافتها قبل مدة طويلة، وإذا اعتذر الضيف لا نستطيع استبداله بضيف آخر بل تلغى الفعالية. وهنا أناشد الأمير خالد الفيصل ليس بصفته أميراً لمنطقة مكةالمكرمة ورئيس مجلس مكة الثقافي فحسب، بل بصفته رئيس مؤسسة الفكر العربي والمثقف والشاعر، بأن يلغي فكرة الرجوع الى مجلس مكة الثقافي في كل ما يتعلق بالأنشطة التي يعتزم تنظيمها النادي، ويكتفي المجلس بابلاغه بالفعالية، وحقيقة لقد اثر علينا القرار خلال الموسمين الماضيين. نحن فعلاً لم نقدم كل ما كنا نأمله ونطمح اليه، لاسباب من أهمها ضعف الموازنة والتي تأخذ دوريات النادي جزءاً كبيراً منها، اضافة الى السبب السابق، وكنا نطمح الى تنظيم معرض جدة الدولي للكتاب، ولكن للأسف لم نحصل على تصريح بإقامته إلى الآن. لكن ألا يريد مجلس إدارة النادي الحالي أن تكون له بصمة حقيقية ولافتة في تاريخ النادي قبل أن يودع موقعه بعد عام؟ - نتمنى أن نقدم بصمة حقيقية تتمثل في تنظيم معرض الكتاب وإقامة مهرجان للشعر العربي ومهرجان للرواية العربية، ومهرجان للنقد، وأن تقام في القاعة الجديدة التي ربما ننتهي منها خلال ثمانية اشهر من الآن ان شاء الله. سمعنا عن تبني وزارة الثقافة والإعلام لمشروع «انطولوجيا الأدب السعودي» وقد كلفت أنت شخصياً بتكوين لجنة علمية والإشراف على هذا المشروع، إلى أين وصلتم في هذا؟ - هو مشروع كبير اشتغلنا عليه لمدة تزيد عن عام ونصف العام، وقد اشتمل على «الرواية والسيرة الذاتية والشعر والقصة والمسرح» وتم تكوين لجنة علمية متخصصة كل باحث متخصص في مجال من المجالات تخصصاً دقيقاً، والمشروع عرض على وزير الثقافة والإعلام وقد تبناه، وأمر مشكوراً بطباعته طباعة تليق بالمشهد الثقافي السعودي، وقد كان للجنة العلمية دورٌ كبيرٌ في الانتهاء من هذا المشروع، الذي تشرفت بالإشراف عليه مع الأستاذ الدكتور أبو بكر باقادر الذي سيقود فريق عمل لترجمته إلى الفرنسية والإنكليزية وسيطبع ويوزع داخلياً وخارجياً؛ ليعكس المشهد الأدبي السعودي. وهل شمل الأدباء السعوديين كافة؟ - عملنا على أن يكون شاملاً لكنه في النهاية مختارات من الأدب السعودي «انطولوجيا الأدب السعودي»، وحاولنا الوصول إلى الأسماء الأدبية في كل المجالات وتمت تغطية الجزء الأكبر من الساحة الأدبية، وسيصدر قريباً في طبعته العربية ثم الإنكليزية والفرنسية.