تمثل وسائل التواصل الاجتماعي قفزة كبيرة للتفاعل المجتمعي والمشاركة بالمعلومات والرأي من خلال الشبكة العنكبوتية مما أتاح تقليل الحواجز التي تعيق الاتصال ونقل الأفكار وتبادل الآراء حول مواضيع معينة بكل يسر وسهولة كما تعد وسيلة فعالة للترويج ومع ذلك فلها العديد من الآثار السالبة والمخاطر التي تمس المعلومات الخاصة بالإضافة إلى إضاعة الوقت وانعكاس ذلك على العلاقات بين أفراد المجتمع والتأثير في الإنتاجية. ويرى البعض أن هذه الوسائل سحبت البساط من تحت منصة العلاقات الاجتماعية، ولم تعد الزيارات الأسرية بين الأهل والأصدقاء مباشرة كما في السابق وانشغل الناس بدلاً عنها بهذه المواقع وعالمها الافتراضي، لدرجة أن الصلات بينهم أصبحت معلبة وخالية من الدفء والمشاعر الجياشة. «البلاد» التقت عدد من المواطنين والمواطنات الذين رأوا أن هذه الوسائل اكتسحت ساحة التواصل وفرضت نفسها على دنيا الواقع بصورة مؤثرة مؤكدين في نفس الوقت أن العالم الافتراضي، ليس بديلاً للعلاقات الأسرية. وعن تجربتها الشخصية قالت ريم أحمدي، الموظفة في محل للعطور،:" قبل فترة وجدت نفسي محاصرة ومنعزلة في عالمي الخاص وأدمنت مواقع التواصل الاجتماعي لدرجة أن علاقتي بأسرتي أصبحت هامشية وهشة ولكن في النهاية فطنت إلى نفسي وبدأت أعود إلى رشدي بعد أن وجدت نفسي معزولة تماما عن أسرتي دون أن أشعر بهذا البعد والانعزال، وخلال تلك الفترة تعرفت على أشخاص جدد أضافوا لي الكثير وأصبحت أتفاعل اجتماعياً معهم ولكن اصبحت انطوائية للغاية". أما الطالبة الجامعية أمينة العبدالله،فلم تفلح محاولاتها في الابتعاد عن هذه البرامج وخصوصاً تطبيق الواتساب، لكنها تستخدمه بشكل معقول، فهي مؤمنة بمقولة "خير الأمور الوسط". وأوضحت مسؤولة العلاقات العامة بإحدى الشركات نوف البيشي إن استخدام هذه التطبيقات بات بديلاً عن صلة الرحم التي اعتدنا عليها في الماضي وهو التواصل المباشر، ومع هذا التقدم الذي يشهده العالم أصبح الواتس آب وباقي البرامج بالنسبة للبعض الطريقة الأسهل لصلة الرحم، وباتت الصور المعبرة في تلك البرامج هي التي تفسر طبيعة نوع الحوار. وأضافت: قد تُسبب هذه البرامج مشاكل اجتماعية، مثل عدم الرد على المتواصلين ولكن إلغاء البرامج ليس حلاً لعدة أسباب ومنها اندماج المجتمع مع تلك الأجهزة الذكية واستخدام الواتساب بشكل ايجابي يعد مطلباً من خلال نقاشات تعود بالفائدة. أما فريال باجبير الأخصائية الاجتماعية بمستشفى حراء بالمدينة المنورة فقالت :"تنوعت وسائل التقنية الحديثة في عالم الاتصال والتواصل، وهذا ماجعلت الأسر بعيدة عن بعضها، وقربت المسافات من البعض، ليُتيح فرصة التعارف ومعرفة الأخبار، وبما أن لهذه التقنية ايجابياتها فإن لها بعض السلبيات إذ تحولت هذه التقنية في الآونة الأخيرة الى وسيلة بديلة من التواصل الاجتماعي المباشر، ومصدراً للخلافات الأسرية أيضاً". دور رقابي من جهتها ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة سعاد بن عفيف أن هذه البرامج اختصرت على بعض الأسر الزيارات العائلية، والتواصل الواقعي وكان العالم الافتراضي بالنسبة لهم الحل الأمثل وتنصح بضرورة تنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأن يكون للوالدين دور رقابي وتوجيهي على الأبناء، كون مواقع التواصل الاجتماعي تجعل الطفل انعزاليا ويستصعب لغة التحاور مع الأشخاص، ويفقد مهارات التواصل. اختيار الكلمة من جهته أوضح المهندس وائل باداوود بأمانة جدة أن هذه البرامج أفقدت المعنى الحقيقي للعلاقات المباشرة، رغم فوائدها المهمة ومع هذا الازدحام وبعد المسافات بين بعض العوائل فإن هذه البرامج سدت ثغرة الاتصال المباشر لمن لا يستطيع الزيارة لأسباب صحية أو لصعوبة المواصلات، كما أن انشغالات الحياة تعد أحد الأسباب الرئيسية أيضاً في التواصل عن طريق الوسائل الحديثة. وأضاف بقوله :" لكن هذه البرامج لم تمنع الأسر من الزيارات في المناسبات المهمة مثل الأعياد والمناسبات الاجتماعية، مستشهداً بعلم الاتصال ونظرياته التي تؤكد أن أخطر وسيلة تواصل هي "الوسيلة المكتوبة" كون المستقبل يقرأ الرسالة المرسلة من وجهة نظره أو بحالته الشعورية، مشيراً إلى أن اختيار الكلمة المناسبة مهم للغاية، وان مواقع التواصل أصبحت بمثابة "وجبات" يومية للناس فالشخص قبل أن يفرك عينيه من النعاس يفتح هاتفه الجوال للتواصل مع الآخرين. بديل التواصل المباشر وأبانت الكاتبة عبير السمكري أنه الرغم من ايجابيات تطبيق "الواتس آب" إلا أنه بات بديلاً عن التواصل المباشر وهنا تكمن المشكلة، وأصبح بالنسبة لهم إدماناً ويهتمون بالرسائل وتداولها أكثر من استقبالهم للضيوف، الأمر الذي أثر بشكل كبير على الزيارات الاجتماعية والأسرية، ونلاحظ هنا عدم تواصل رب الأسرة مع أبنائه وحتى وإن اجتمعوا بمائدة واحدة فالكل مشغول بالهاتف المحمول، وإذا ألغي "الواتساب" سيكون من الصعب جداً استيعاب الغائه والعودة الى التواصل المباشر. العلاقات الأسرية وترى المستشارة النفسية سوزان سنبل أن التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي أثرت بشكلٍ سلبي على العلاقات الأسرية والاجتماعية والإنسانية، كما أسهم الاستغراق في استخدام هذه الوسائل في انخفاض التفاعل الاجتماعي المباشر للفرد، حيث أصبحت التهاني والمباركات والتعازي تتم من خلال رسائل قصيرة بدلا من الزيارات، وأكد الدراسات ان وسائل التواصل الاجتماعي في العالم الافتراضي تؤدي إلى ما يسمى بالاغتراب النفسي بين الشباب ومجتمعهم، إلى جانب تأثيرها سلبا في المحيط العائلي. وأضافت:" حقيقة نحن أمام مشكلة تهدد الاستقرار الأسري، حيث نلاحظ انتشار استخدام الأجهزة الذكية حتى أثناء الاجتماع العائلي مما يضعف العلاقات بين أفراد العائلة الواحدة ناهيك عن المخرجات التي تنتج عن تبادل الرسائل السلبية التي تحمل في مضمونها المقارنات والغيرة، لافتة إلى أن أفراد العائلة الواحدة أصبحوا بعيدين عن بعضهم البعض بسبب العزلة الالكترونية لذا ينبغي على الأفراد في الاجتماعات العائلية أن يقوموا بأنشطة ممتعة وحوارات هادفة لإنعاش الوئام العائلي المفقود ومن الضروري غرس فضيلة التواصل العائلي وأهميته عند الصغار والتشديد على ضرورة السؤال عن الاهل شخصيا من خلال الزيارات والمكالمات وأنه من غير اللائق مثلا معايدة الكبير برسالة الكترونية. التطبيقات الذكية زادت العزلة المستشار النفسي الدكتور ماجد قنش آثر أن يقارن بين الماضي والحاضر بقوله:" في الماضي القريب كان أصل التواصل الاجتماعي بين أفراد العائلة الواحدة يتمثل في الزيارات واللقاءات الأسبوعية أو حتى الشهرية وأيضاً لقاء الأصدقاء بمعنى أن التواصل مستمر وفعال وبعد التطور التقني وصناعة الجوالات وما احتوته من مواقع التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، بدأ التواصل المباشر بين أفراد العائلة والأصدقاء يقل وبشكل ملحوظ.." وأضاف:" وصل الآن الغياب التواصلي النظري لأشهر والبعض لسنوات بحجة أننا في تواصل مستمر خلف شاشات الجوالات في مواقع التواصل الاجتماعي ومنها (الواتس اب) الذي حال حتى بين سماع أصوات بعضنا البعض وأصبحنا نتداول المناسبات ومنها لأفراد عائلتنا المقربين عبر الرسائل وكأننا نسينا أو تناسينا التواصل العائلي الذي أصبح مفقودا. إضافة إلى ذلك ما يسببه من آثار سالبة وشكوك بين الأزواج والاصدقاء .