القاعدة بأن من يحرِّم ما أحلّ الله كمن يحللّ ما حرّم الله . وليس هناك أدنى شك بأن من يقوم بالتحليل والتحريم بدون نصِّ شرعي من الكتاب أو السُّنة فهو يرتكب إثما مضاعفا بقدر من أخذوا بحكمه وطبقوه في حياتهم على أنه الصواب ! ولذلك كان الصحابة رضوان الله عليهم يهربون من الفتوى خوفا من مثل ذلك ، وهم الأقرب إلى رسول الله – عليه الصلاة والسلام – وهم الأعلم بالنصوص والأفهم بالأحكام . لكن المشكلة الكبيرة أن بيننا من يسابق لتقديم الفتوى في العصر الراهن ، وهو ليس أهلا لها فيطلق الكلام على عواهنه بأن هذا حلال وهذا حرام بلا علم ولا دراية ولا فقه ولا فهم ، إنما يستمدون أحكامهم مما وجدوا عليه من سبقهم أو اتباعا لما كتبه أحدهم فيُصرِّون بأن هذا الأصل وما عداه هو الباطل . وهي قضية الأتْباع – بفتح الألف المهموزة وتسكين التاء – والأتِّباع بتشديد التاء المكسورة – حيث تتوارث الأجيال خطأ من كان قبلهم !! وكأنما يقولون (هذا ما وجدنا عليه آباءنا ). وهنا يتضايق ويضجّ بعض من لا يملكون الدليل على أي تصحيح لقناعتهم بصحة ما ألفوه في حياتهم على أنه الصواب حتى وإن كان مخالفا للشرع . مسألة قيادة النساء للسيارات واضحة من الناحية الشرعية تماما .. ولا تحتاج إلى نقاش . ولعل السماح لهن بذلك وتوقيته يخضع لما يقره الحاكم بما يرى فيه من المصلحة العامة . حيث أن السماح لهن لا يعني الفرض بل هو متروك لمن ترغب وفق حاجتها ومتطلبات حياتها . فهناك الأرامل والمطلقات والمنقطعات وزوجات وأمهات المرضى اللاتي هُن بأمسّ الحاجة ، وهناك الموظفات والعاملات والأخريات اللاتي لا يستطعن دفع أجور السائقين . والسيارة وكما يعلم الجميع تعدّ وسيلة هامة لخدمة الفرد والأسرة . قيادة المرأة أمر لا يتعارض مع الشرع ولا يخل بالقيم ولا بالأخلاق عندما يكون المجتمع فاضلا متمسكا بعرى دينه ، يحضر فيه العقل ويسود الوعي والمنطق ، وإذا كان بعض المتحمسين يخشون عليها من غير المحترمين فيجب ألا تحمّل المرأة عيب التربية وخلل الرجولة عند أولئك . ومن المفترض أن يكون التحرك الجمعي لبناء القيم وغرس المثل وتهذيب الأخلاق بشكل سليم من خلال القنوات الأسرية والتربوية والثقافية والاجتماعية وغيرها. ومن المهم أن يصبح الجميع – نعم الجميع – عونا للمرأة وسندا لها برقي تعاملهم وسمو أخلاقهم ، عند ذاك لن تكون هناك إشكالية تواجه المرأة تدفعنا للخوف عليها . ولمزيد من الاطمئنان على أوضاعها في كل الأحوال نتمنى تطبيق العقوبات المغلّظة على كل يتجاوز حدوده بمضايقتهن والإساءة لهن أو الاعتداء عليهن. والأمر الأكثر أهمية ألاّ تدفعنا العاطفة والحماس لتسهيل إجراءات استخراج رخصة القيادة لهن ، وألا تصرف إلا لمن تجيد القيادة وتفهم أصولها وتعرف أنظمة المرور تماما ، خوفا عليهن وحماية لمن حولهن ، وبالله التوفيق.