صدر قرار خادم الحرمين الشريفين بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء، بعد دخول بعض الخطباء في تناول موضوعات تخالف التعليمات الشرعية، مستثنياً الفتاوى الخاصة الفردية غير المعلنة في أمور العبادات، والمعاملات، والأحوال الشخصية، بشرط أن تكون خاصة بين السائل والمسؤول، على أن يمنع منعاً باتاً التطرق لأي موضوع يدخل في مشمول شواذ الآراء، ومفردات أهل العلم المرجوحة، وأقوالهم المهجورة. ويدرك الجميع الجهود المبذولة من قبل سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ في تنفيذ ما جاء في القرار، إذ إنّ كل المؤشرات تكشف عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لكيفية تطبيقه بحق كل من يخالف القرار. ولا شك في أنّ "الفتوى" أحد أهم الموضوعات التي نحتاج للحديث عنها باستمرار، سواء إن كان في شروطها، أو تشريعها، أو في المتغيرات التي طرأت عليها حديثاً، حيث تعددت المصادر، وأصبح كثير من الناس يبحثون عنها في أكثر من مجال، إذ تنبع أهمية "الفتوى" من منزلتها الكبيرة في الشريعة الإسلامية، إلاّ أنه في الوقت الحاضر ظهرت بعض المؤشرات التي خرجت بها عن مسارها الصحيح، وأصبح الناس يلجؤون إلى أشخاص غير مُلمين بعلوم الشريعة (الكتاب والسنة)، فأصبح الواعظ يُفتي، والداعية يُفتي، وإمام المسجد يُفتي، مما أحدث نوعاً من "العشوائية"، على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة كبار العلماء" في معالجة الخلل وإفتاء الناس. ولكي نضبط الفتوى داخل المجتمع، لا بد من الالتزام بما جاء به الأمر السامي الكريم، حيث أناط ذلك بسماحة المفتي، وقصرها على هيئة كبار العلماء ومن يرفع سماحة المفتي ممن يرى فيهم الكفاية، كذلك لا بد من تأهيل جيل من المفتين على مستوى عال من الكفاءة والمؤهل العلمي والنضج، إضافةً إلى أهمية توعية أفراد المجتمع لمعرفة أين يتجهون في المسائل، إلى جانب ضرورة تسهيل وصول المستفتي إلى المواقع الرسمية، لضمان عدم لجوئه إلى غير المختصين في الفتوى. منزلة عالية ----------------- في البداية تحدث الشيخ "سعد الخثلان" عن أهمية الفتوى ومكانتها في التشريع قائلاً: إن الفتوى لها مكانة عظيمة في دين الله عز وجل، وقد تولى الله منصب الافتاء بنفسه "يستفتونك قل الله يفتيكم"، ولاحظوا هنا أن الله تعالى نسب الإفتاء إليه جل وعلا، "قل الله يفتيكم"، وتكرر ذلك في القرآن في أكثر من موضع، مضيفاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفتي الناس، ثم بعد ذلك كان علماء الإسلام يفتون الناس فيما يحتاجون إليه في أمور دينهم، مبيناً أن الفتيا منزلتها عالية ورفيعة في الشريعة الإسلامية، لهذا عني العلماء بهذا الموضوع وصنفوا فيه مصنفات، ذاكراً أن معظم كتب أصول الفقه تفرد أبواباً خاصة في الفتوى كأداء المفتي والمستفتي وأحكام الفتوى والاجتهاد وما يتعلق بذلك من مسائل وأحكام، مشيراً إلى أن الأحكام الشرعية ثابتة لا تتغير؛ لأنها مستمدة من الكتاب والسنة، أمّا الفتوى فإنها تتغير بتغير الزمان والمكان، وكذلك الأحوال، وقد يُفتي الإنسان بتحريم أكل الميتة، لكن كونه مضطراً نلاحظ هنا أن هناك من أفتى بالجواز، لأن حال الأول لم يكن مضطراً، والثاني مضطراً. وأضاف: للفتوى ضوابط وشروط، وقد ذكر العلماء أن الإفتاء لا يتولاه إلاّ من بلغ رتبة الاجتهاد، والاجتهاد له شروط، حيث نجد بعض علماء الأصول يشددون الشروط، حتى أنه لو كانت على "أبو بكر" و"عمر" -رضي الله عنهما- ما انطبقت. استنباط وإدراك ----------------- وتداخل "أ.د. عبدالعزيز العسكر": إن قول "الله تعالى تولى منصب الافتاء بنفسه" ليس من الكلام السليم، والاستدلال بقوله تعالى: "يستفتونك"، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم تولى منصب الفتوى بناءً على ما حمله الله عز وجل من علم ومن وحي، مضيفاً أن الله تعالى له الحكم وله الأمر وله الخلق ويؤتي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء، مبيناً أن القول بأن الله تولى منصب الفتوى فيه شيء في النفس ما يتعلق بالله عز وجل؛ لأن الله تعالى لا يتولى مناصب، بل يؤتي الملك لمن يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ذاكراً أنه فيما يتعلق بمنصب الفتوى فقد ذكر الله في كتابه الكريم أن النبي صلى الله عليه وسلم يستفتي، وأن النبي هو أول المستفتين، وأنه صلى الله عليه وسلم علم أصحابه وأمته على ضبط الفتوى، وبالتالي فإن النبي عليه الصلاة والسلام أسس التخصص، وبيّن أن الناس يتفاوتون في قدراتهم وفي ملكاتهم في فهم النصوص واستنباطها وتنزيل النصوص على النوازل. وأشار إلى أنه ليس شرطاً أن يكون لدى المفتي علم فقط، بل لابد أن يكون عنده استنباط وادراك لواقع الحال، وادراك الواقع المستفتي، مبيناً أنه أحياناً يفتي إنسانا لأنه سأل قبل أن يعمل، ويفتي آخر لأنه وقع ويريد المخرج، مؤكداً على أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والحكم معروف في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ضبط الفتوى -------------- وأوضح الشيخ "سعد الخثلان" أنه ليس كل من طلب العلم يكون مؤهلاً للفتيا، وإنما تحتاج إلى شروط من أبرزها أن يكون لدى المفتي علم ورسوخ في علوم الشريعة من الكتاب والسنة، وأن يكون لديه معرفة بواقع الناس وبحال الناس، كذلك لابد من العلم بالشريعة والعلم بالواقع وتصور المسائل وفهمها جيداً، وأن يكون كذلك لديه المام بمقاصد الشريعة والنظر إلى المآلات، مؤكداً على أنه إذا تحققت لديه هذه الشروط يكون مؤهلاً للفتيا، مضيفاً أن أهل العلم قالوا انه اذا كان يفتي بمحضر من علماء زمانه وأقروه على ذلك يكون مؤهلاً لهذا المنصب، أمّا أن يتولى هذا المنصب من ليس بأهلاً لذلك، فهذا ينكره العلماء من قديم الزمان، مبيناً أن "أبو العباس بن تيمية" -رحمه الله- كان شديد الانكار على من يفتي من غير علم وقيل له في ذلك: "أحتسب على خبازين وعلى بايع الخضار ولا أحتسب على من يقول على الله بغير علم"، مُشدداً على أهمية ضبط الفتوى والعناية بها حتى لا يفتي إلاّ من كان مؤهلاً، مشيراً إلى أننا نلاحظ في واقع المجتمع كثيرا من العامة لا يميز بين من كان مؤهلاً للافتاء وعيّن من لم يكن كذلك، وربما أحيانا يأتي إلى المسجد رجل يلقي كلمة ربما كون واعظاً ولكن ليس مؤهلاً للافتاء، واذا فرغ من كلمته لحقه بعض الناس واستفتوه ربما في نوازل ومسائل كبيرة وقد يفتيهم، على الرغم أنه ليس مؤهلاً، مطالباً بتوعية المجتمع تجاه هذه القضية المهمة والكبيرة. شرف العلم -------------- وأكد "أ.د. عياش السلمي" على أن المفتي يكتسب شرفه ليس من تعيينه في ذلك المنصب، وإنما يكتسبه من العلم، فالعلماء ورثة الأنبياء، "الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم"، وقال تعالى: "إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء"، مضيفاً أن من شروط المفتي العلم سواء في الكتاب أو السنة، مبيناً أن المفتي حينما يطلب منه الفتوى في مسألة نازلة أو قضية ما، لابد أن يمحض النصيحة، وألاّ يؤثر عليه أي مؤثر، وإذا فعل هذا سيكون آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، حاثاً الناس على الخير، حاملاً لهم على الطريق المستقيم، ذاكراً أن "الشاطبي" قال كلمة جميلة: "إن المفتي الحق الذي يستحق هذا المنصب هو من يحمل الناس على الوسط دائماً في دين الله، فلا يحملهم الشطط الذي قد ينقطع بهم، ولا يحملهم على التساهل الذي يجعلهم ينفلتون من ربقة الدين"، مؤكداً على أن ذلك كاف في ما هو معلوم عند الجميع من منزلة أهل العلم ومنزلة من يتولون الفتيا على وجه الخصوص. هيئات رسمية ---------------- وحول واقع الفتوى اليوم في المملكة، أكد "أ.د. عبدالعزيز العسكر" على أن واقع الفتوى في المملكة إلى حد ما جيد؛ نظراً لوجود هيئات رسمية معتبرة كهيئة كبار العلماء بلجنتها الدائمة، والتي تؤدي جهوداً جيدة ومشكورة في إفتاء الناس، وفي معالجة ما يحال إليها من ولي الأمر بموجب نظامها الأساسي، مضيفاً أنه يدرك المتابع لهيئة كبار العلماء ضخامة العمل الكبير الذي تؤديه، مبيناً أنه احتك ببعض أفراد هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة ويعرف كم من القضايا وكم من البحوث التي تصدرها الهيئة، ويسأل الله لهم الإعانة، مطالباً بتوسيع المسؤولين عن الفتوى تحت إشراف هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء، وهذا ما بدأت به دار الافتاء مشكورة في تعيين مفتين في مناطق المملكة وفي محافظاتها، وهذا ربما يأتي في الطريق، مما يخفف الضغط على اللجنة الدائمة للافتاء، متأسفاً على أنه لم يعد الناس يلتزمون بالجهات الرسمية، وقد صار الناس إذا رأوا إنساناً مفوهاً وخطيباً لسناً وواعظاً مؤثراً ظنوا أنه يملك العلم نواصيه، وهنا ينبغي التفريق، حتى يتبين للناس أن الفتوى لا تؤخذ من كل أحد، ولا تؤخذ كذلك من كل طالب علم، مُشدداً على أهمية وجود قدرة على الاستنباط، ولابد مع الفقه كذلك الاطلاع على العلوم الأخرى. موضوع متشعب ----------------------- وتحدث "د.عبدالعزيز بن نوح" قائلاً: إنّ هذا الموضوع متشعب وطويل، وقد صُنّف فيه مصنفات مستقلة في التراث وفي عصرنا الحاضر، ولا يمكن الإحاطة بجميع جوانبه في ندوة واحدة، مبيّناً أنّ الموضوع له جانبان رئيسان: الأول جانب أكاديمي تأصيلي علمي، والثاني متعلق بالسلوك والثمرة والنتائج، ولعلنا هنا نشير إلى شيءٍ من الجانب الأول ونتباحث في الجانب الثاني، ولعل مما يبين أهمية الفتوى وأهمية تأصيلها وبحثها جملة من الأمور: النصوص الشرعية المتضافرة في بيان خطورة القول على الله بغير علم، من ذلك (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، وقوله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله لا ينزع العلم انتزاعا من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا»، وما كان عليه السلف يدل على ذلك، قال ابن أبي ليلى: "أدركت عشرين ومئة من أصحاب رسول الله -أراه قال-: في المسجد، فما كان منهم محدِّث إلا ودّ أن أخاه كفاه الحديث، ولا مفتٍ إلا ودّ أن أخاه كفاه الفتيا"، وغير ذلك من النصوص والآثار والتي يطول المقام بذكرها. عامة وخاصة -------------- وعن الفرق بين الفتوى العامة والخاصة، قال الشيخ "سعد الخثلان": الفتوى العامة تكون في الشأن العام الذي يهم جميع المسلمين أو أكثرهم، أما الفتوى الخاصة تكون خاصة بالمستفتي، ومن أمثلتها أن يأتي الإنسان ويسأل عن مسألة متعلقة بالطلاق، أو عبادته كالصلاة والطهارة، مبيناً أن الأشياء العامة هي التي تأتي فيها الخطورة، مُشدداً على أن الفتوى العامة يجب أن يتم ضبطها، مبيناً أنه قد يؤثر الاختلاف سلبياً على العامة ويسبب لهم تشتتاً خطيراً، ذاكراً أنه صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بقصر الفتوى العامة على هيئة كبار العلماء، ومن يرفع فيهم سماحة المفتي ممن يرى فيهم الكفاية للمقام السامي، خاصةً من يرى فيهم القدرة على الفتوى العامة، مشيراً إلى أن الفتوى الخاصة هي أخص من العامة، حيث يأتي المستفتي وينظر إلى حالته المفتي، ويفتي بحسب حاله، وربما الفتوى الخاصة تختلف باختلاف المستفتي، فمثلاً عندما يأتي شخص مبتلى بالوسواس ويسأل عن مسألة متعلقة بالطهارة فيفتى بفتوى غير الشخص السوي؛ لأنه مبتلى بالوسواس وعنده تهيئات وعنده تشديد على نفسه، وينظر المفتي في حاله، ويفتيه بفتيا مختلفة عن غيره. اختلاف العلماء ------------------ وحول الاختلاف بين العلماء؟، أوضح "أ.د. عياض السلمي" أن منه ما هو سائق، ومنه ما هو شاذ مردود على صاحبه، والخلاف السائق هو الذي يكون له مستند من كتاب أو سنّة أو قياس صحيح على شيء جاء في الكتاب والسنّة، أو عمل بقول صحابي في واقعة تشبه الواقعة التي وقعت تماماً من غير أن يكون هناك تغير في الوضع الراهن؛ لأن الوقائع التي عرضت للصحابة وأفتوا فيها تقع واقعة شبيهة لها من جهة ولكن تخالفها من جهة أخرى، مضيفاً أن بعض الناس لا يدركون وجه الخلاف، ويظن أن هذا الخلاف لا أثر له ويفتي فيها، فمثلاً فتاوى سيدنا عمر -رضي الله عنه- في تفاصيل كثيرة عن أمور الخلافة وفي أمور الفيء ليس بالضرورة أن تكون الوقائع الموجودة الآن تنطبق عليها تلك الفتوى، مبيناً أن ما خالف النصوص الصريحة من الكتاب أو السنّة أو القياس الجلي الواضح أو الاجماع هذا خلاف غير سائق، حتى لو نُقل، فآفة الأخبار من نقلتها أحياناً، ذاكراً أنه لو نُقل عن عالم وإمام وقالوا إن "سفيان الثوري" يقول: "كذا"، وفلان يقول: "كذا"، و"مالك" يقول: "كذا"، فأنت لو تتبعت اسناد هذا النقل فكيف تجده؟، تجده نقلاً لا سند له وإنما غاية ما يصلون به إلى أحد تلاميذ الإمام أو تلميذ تلميذ الإمام، مشيراً إلى أنه لم يتصل بسند مثلما اتصلت الأحاديث الصحيحة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، مؤكداً على أن كثيرا من هذه الخلافات لا حقيقة لها، أو هي خلافات شاذة لا دليل لها. قياس ومصلحة ------------------ وأشار "أ.د. عياض السلمي" إلى أن الاختلاف الصحيح السائق المقبول الذي له دليله من الكتاب أو السنّة أو الاجتهاد، وهو القياس والمصلحة الصحيحة، هذا مقبول ولا ينبغي أن نضيق به ذرعاً، وليس فيه ضرر على الأمة ولا على المجتمع، وإنما يأتي الخطأ من فهم الناس عندما يفتي المفتي في مسألة بقول، ويفتي آخر بقول آخر، مضيفاً أن المشكلة الآن تكمن في الانتشار حيث كان العالم في الماضي يفتي المستفتي ويأخذ بفتواه وينصرف، ولكن الآن الفتوى أصبحت على الهواء مباشرة حيث تصل إلى ملايين الناس، ذاكراً أنه ينبغي أن تكون الفتوى أخص من ذلك، فيما عدا العبادات التي يشترك فيها الناس ولا تختلف باختلاف البلدان والعادات، فهذه أمور يمكن أن يتسامح فيها، لكنْ هناك أمور أخرى نجد فيها اختلافاً كبيراً بين الناس، لذلك كان الصحابة يمتنعون عن الجواب عن أمر لم يقع. وعن مقولة: "الاختلاف رحمة"، أكد على أنه ورد عن "عمر بن عبدالعزيز" -رضي الله عنه أنه كان يقول: "ما أحب أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا، وأحب إليّ أن يختلفوا"، لماذا؟، يقول: "لأنني إذا ذهب مجتهد إلى قول أحد منهم كان له سلف، ولكن لو اتفقوا على قول واحد قد يكون هذا القول فيه مشقة"، ذاكراً أنه ليس هناك حديث يقول إن "الاختلاف رحمة". التعامل مع الخلاف --------------------- وتداخل "د. عبدالعزيز بن نوح" قائلاً: ينبغي أن يُعلم أن الحديث عن أهمية الفتوى وخطورتها وعظم شأنها وضوابطها وما يشترط للمنشغل بها، ينبغي ألا يقودنا ذلك للتضييق على فقه الخلاف ولتجاهل تراثنا الفقهي العظيم والذي بني في مجمله على أسس وقواعد وضوابط متينة بذل فيه علماؤنا جهوداً جبارة وأفنوا أعمارهم في بنائه وتدوينه وفهمه، وينبغي أن نسعى في بناء ثقافة فقه الخلاف المعتبر والمبني على الأدلة الشرعية لا الخلاف الشاذ والضعيف والمهجور، وأن يشاع بين الناس احترام هذه الثقافة وتعليمهم إياها، مع مراعاة القواعد والضوابط في ذلك ومنها معرفة قواعد الفتوى العامة والخاصة وضابط ذلك، ونبني بذلك توازناً علمياً فقهياً قائماً على الوسطية والاعتدال ومراعاة أحوال الناس. تصدر الفتوى ---------------- وأوضح "د. عبدالعزيز بن نوح" أنّ هناك شروطا تكلم عنها أهل العلم طويلاً في مواصفات وشروط من يصدر الفتوى ومن المهم أن يضاف إلى تلك المواصفات والعلوم بعض العلوم المرتبطة بطبيعة العصر، ومن ذلك: علم الخلاف، وهو العلم الذي يعنى بدراسة الأحكام الشرعية المختلف فيها بين الأئمة اختلافاً معتبراً بتقرير الحجج الشرعية وقوادح الأدلة والترجيح والموازنة بين الأقوال وفهم المراد منها، ولهذا قال بعض السلف:" أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علماً بالاختلاف"، إلى جانب الاطلاع على العلوم والمبادئ المتعلقة بدراسة الإنسان وواقعه من الناحية الاجتماعية والنفسية والتربوية والتاريخية من أجل فهم المؤثرات المتعلقة بالناس وتصور مشكلاتهم وبالتالي بناء الأحكام الشرعية من أدلتها حول هذه الظروف ومناسبتها. عالم إسلامي ---------------- وقال الزميل "عماد العباد": إن الفتوى في المملكة تحظى بثقل كبير في العالم الإسلامي، ويستمع إليها المسلمون، خاصةً في آسيا وأفريقيا وغيرها، إلاّ أن مؤسسات الإفتاء في المملكة مازالت تتعرض لاتهامات بالتقصير في الحضور لبعض القضايا المهمة جداً، مثل ما أُثير حول "بوكو حرام" في أفريقيا، ومثل ما أُثير كذلك عن تصرفات بعض الجماعات الاسلامية في آسيا وغيرها، متسائلاً: أين نشأ هذا التقصير تجاه تلك الأحداث؟، وأين دور فتوى المؤسسات الدينية؟. وعلّق الشيخ "سعد الخثلان" قائلاً: لا يتولى قضايا النوازل المتعلقة بالعالم الاسلامي أفراد، بل تتولاها المؤسسات، والحمد لله المؤسسات العالمية موجودة، ومثلاً لدينا مجمع الفقه الاسلامي في رابطة العالم الاسلامي، ومجمع الفقه الاسلامي الدولي في منظمة التعاون الاسلامي، وهناك مجمع الفقه الاسلامي في المملكة الذي سبق أن عقد فيه ندوة، مضيفاً أن بعض المؤسسات العلمية لها اجتهادات جماعية للإجابة على النوازل والقضايا، ولها كذلك جهود بحثية مثل مركز التميز، الذي "أ.د. عياض السلمي"، حيث لهم جهود مقدرة في القضايا المعاصرة، مبيناً أن الجهات التي تراعي الاجتهادات الجماعية موجودة، إلاّ أنها قد تحتاج تفعيل دورها لأداء دور أكبر في المجتمع. تواصل مباشر ------------------ وطرح الزميل "نايف الوعيل" سؤالاً قال فيه: أرى ألاّ يتم إغفال دور المواطن البسيط الذي لا يفهم اللغة المعقدة التي يتحدث بها بعض المشايخ؛ لأنه يريد شيئاً يمس حياته، ولعلكم تعلمون أن المواطن لا يستطيع أن يُفرق بين الواعظ والمفتي، وفي نظره أن إمام المسجد يعد هو المفتي بالنسبة له السؤال: ما دور هيئة كبار العلماء في النزول الى الشارع الحقيقي، خاصةً أننا رأينا مؤخراً تجربة هيئة كبار العلماء في البنك الأهلي ووجدت صدى جيدا؟ وأجاب الشيخ "سعد الخثلان" قائلاً: ما يتعلق بنزول العلماء الى الشارع وإلى ظروف الناس ومعاشهم، فهذا موجود وقائم، وهيئة كبار العلماء فيها أعضاء مفرغون للإفتاء فقط، وهم أعضاء الهيئة الدائمة للإفتاء فقط، وهم أعضاء الهيئة الدائمة للإفتاء في دار الإفتاء، وهم يمثلون أعضاء اللجنة الدائمة، مضيفاً أن من يرغب في فتوى فلا مانع من الذهاب إليهم، وبامكانه تلقي فتوى شفهية أو محررة، إضافةً إلى وجود أعضاء هيئة كبار العلماء غير المفرغين، حيث إن لديهم تواصلا مباشر مع المجتمع عبر برامج الافتاء، إلى جانب أن هناك علماء كبارا بخلاف هيئة أعضاء كبار العلماء يسهمون في هذا الجانب، ويتواصلون مع الناس، مشيراً إلى أن هناك دروساً للمشايخ كثيرة وقائمة، ووزارة الشؤون الاسلامية والأوقاف والإرشاد لها مناشط كثيرة في جميع مناطق المملكة، مؤكداً على أن التواصل بين المشايخ والعلماء وبين أفراد المجتمع قائم وموجود. اختيار المفتي ---------------- وطرح الزميل "د. أحمد الجميعة" سؤالاً عن كيفية اختيار المفتي، حيث إنه من الممكن أن يكون لدى المستفتي رغبه للذهاب إلى الجهاد، أو إلى أماكن الفتن والصراع، ويدرك أن هذا المفتي لن يفتيه بجواز ذلك، فيذهب إلى من يفتيه بالجواز. وأوضح "أ.د. عبدالعزيز العسكر" أن هذا ليس من مسؤولية المفتي، وليس من مسؤولية جهات مؤسسات الفتوى، وإنما هي مشكلة تتعلق بالمستفتي نفسه، وهي مشكلة أقرب ما تكون إلى المشكلات النفسية والتربوية. وقال: نلاحظ ذلك عندما يسأل بعض الأشخاص وهم في الأساس يريدون جواباً معيناً، لهذا نرى أنهم يصيغون السؤال بطريقة تؤدي إلى هذا الجواب، لهذا تعجبني فطنة بعض العلماء الذين كانوا يظهرون في برامج الفتاوى قديماً مثل الشيخ "عبدالعزيز بن باز" -رحمه الله- والشيخ "صالح اللحيدان"، وغيرهما، كانوا يتنبهون إلى بعض الأسئلة، ولا يجيبون بالطريقة التي يريدها المستفتي، مبيناً أن الأمر يعود إلى توفر شروط المفتي في الشخص الذي يريد أن يجيب على أسئلة المستفتين، كأن يكون على علم واطلاع وادراك، حتى لا يأتي الجواب حسب ما يريده المستفتي. مواقع الكترونية -------------------- ووجه الزميل "محمد المخلفي" سؤالاً قال فيه: مما لا يخفى على أحد أنه أصبح من السهل الحصول على المعلومة من خلال "الانترنت"، مما أتاح المجال لبعض الناس البحث عن الفتوى عبر المواقع الالكترونية، حيث أصبحنا نجد مواقع تروّج بعبارات رنانة، السؤال: كيف يميز المواطن العادي بين هذه المواقع؟، وكيف يحصل على ما يحتاج من فتوى من خلال مواقع التواصل دون تكبد المشاق للذهاب إلى هيئة الافتاء، خاصةً لو أدركنا أن مجتمعنا الحالي أصبح يميل للسرعة، من خلال الاعتماد على "الانترنت" والهاتف الذكي؟. وعلّق "أ.د. عياض السلمي" معتبراً أنّ ذلك ليس من مهمة العلماء، وإنما من مهام الاعلام بالدرجة الأولى، من خلال تحذير الناس من الانخداع بالعناوين الرنانة، مع إرشادهم إلى كبار أهل العلم الموجودين، وأن يوضح للمجتمع أن هؤلاء هم المرجعية في ذلك المجال، متأسفاً على أن هناك تقصيراً من وسائل الاعلام، مُشدداً على أهمية ألاّ يكون المسلم غراً سهل الانقياد، ذاكراً أنه قديماً كان يقال للعالم: "أنك بلغت"، لكنه يقول: "ليس بعد حتى يشهد لي سبعون عاماً أنني بلغت مرحلة الفتوى، وإلاّ لن أُفتي"، مشيراً إلى أنهم كانوا في الماضي يضعون قاعدة لمعرفة العامي بأن هذا مفتي، وذلك بأن نسأله عما تعرفه فإن أجاب فيه بالصواب اسأله عما لا تعرف. وتداخل "د. عبدالعزيز بن نوح" قائلاً: بل الإشكالية علمية وليست إعلامية، وذلك أنّ من يتصدر للفتيا في أي وسيلة إعلامية ويرتقي أعواد الشاشات –إن صح التعبير-، فعليه أن يعلم أن لهذا المرتقى تبعات وأن لهذا التصدر ضريبته، وأن دور الاعلام هنا هو نقل هذه الاستفتاءات والإجابات والمسائل الشرعية للناس، فإذا أصبح هناك تفاعل أو انتشار أو ردود أفعال من المتلقي فالشأن هنا شأن الفتوى ومن أصدرها لا الوسيلة الإعلامية ما دام أنّ الوسيلة الإعلامية قامت بدورها الحيادي والقائم على الأمانة في النقل والعرض، فينبغي أن لا يتصدى للفتيا إلاّ من كان مؤهلاً لذلك تأهيلاً شرعياً تاماً، وأن يعد للأمر عدته، فإذا قام الإعلام بدوره كما تمليه الأمانه العلمية والمهنية والشرعية وحصل لغط ٌبعد ذلك، فالنظر والنقد والنقاش لا بد أن يتوجه حقيقة إلى فحوى الفتوى المعروضة، وتأصيلها الشرعي ومبناها العلمي، فالملامة تتوجه لمصدر الفتوى لا لناقلها. وعلّق "أ. د. عبدالعزيز العسكر": يجب على الجهات الرسمية المنوط بها الفتوى أن تنشط في الانترنت وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وبأن تقرب نفسها إلى الناس في العالم الافتراضي، وأن تضع مواقع سهلة الوصول للدخول إليها، على أن تضم علماء يجيبون على مدار الساعة، مبيناً أن وزارة الشؤون الاسلامية نجحت هذا العام بوضع الخط الساخن في كل ما يتصل حيث تعطي الجواب لكل سائل. اتجاهات فكرية ---------------- وحول الاتجاهات الفكرية الموجودة وعلاقتها بالفتوى، أكد "أ. د. عبدالعزيز العسكر" على أن الفتوى لم تلعب دوراً في ذلك، لكنها استخدمت لأجل نصرة اتجاه معين، حتى وصل الأمر إلى تكفير بعض الاتجاهات التي لا تنطبق عليها شروط شرعية في التكفير، رغبةً في نصرة جهة إلى جهة، أو بمعنى أصح تزكية جهة إلى جهة في انتخابات سياسية أو بلدية أو غيرها في بعض المجالات، مثلما أشار الشيخ "سعد الخثلان" إلى إسقاط بعض الرموز من كبار العلماء أو بعض الموثوقين من أجل صرف الناس عنهم إلى من هو دونهم ممن لهم مقاصد لا تخفى على الجميع، متأسفاً على ان الفتوى استخدمت لدعم بعض التوجهات الفكرية التي أضرت بالمجتمع وبالشباب على وجه الخصوص، بل وزجّت بهم في مناطق القتال والفتن وجعلتهم يرتكبون حماقات تمثلت في الخروج على ولي الأمر. أثر سلبي -------------- وقال الزميل "محمد المرزوقي": إن لهذه القضية ثلاثة محاور هي: الفتوى، وسائل جماهيرية، مجتمع متدين، السؤال: هل هناك تصدّ على الجانبين الأكاديمي والسلوكي التأثيري لشخص يثبت أنه أصدر بياناً سواء من خلال المواقع أو من خلال فتوى مع أنه غير مؤهل ولا علاقة له بهيئة كبار العلماء؟ وعلّق الشيخ "سعد الخثلان" قائلاً: لا شك أن سماحة المفتي يعمل بهذا الدور، ويوجه بعض أعضاء الهيئة وبعض المشايخ في الرد على من يصدر منهم فتاوى أو كلاماً غير مناسب، وهذا موجود وينشر في الصحف، بل وتصدر بيانات إمّا من الهيئة أو بيانات بأسماء أشخاص من أصحاب الفضيلة المشايخ في التصدي لهذه الفتاوى، مضيفاً أنه بعد صدور الأمر الملكي بتنظيم الفتوى وضبطها وقصرها على أعضاء هيئة كبار العلماء، ومن يرفع بأسمائهم سماحة المفتي، مشيراً إلى أن من يتصدى للفتوى وهو ليس مؤهلاً تكون فتواه غير صحيحة، وسيكون لها أثر سلبي، وفي هذه الحالة يُرفع باسمه إلى الجهات المختصة كي تأخذ بيده إذا لم يتعهد بعدم إثارة مثل هذه الفتاوى التي تتناول الشأن العام. تويتر وواتساب ---------------- وطرح الزميل "علي الزهيان" سؤالاً قال فيه: ظهور بعض المشايخ على "تويتر" وطرحهم آراءهم الشخصية، خاصةً في قضايا رياضية ما رأيكم في ذلك؟، وما رأيكم في فتاوي "الواتساب" التي يتم تناقلها لسهولتها ولموافقتها أهواء البعض؟ وأجاب الشيخ "سعد الخثلان": إن الفتاوى لا يجوز أخذها عبر "الانترنت"، وقد قال السلف: "إن العلم دين وانظروا عمن تأخذون دينكم"، وقد ذكر أحد الأخوة أنه يفتح "الانترنت" ويبحث عن فتوى ويأخذها مباشرة، وهذا عمل غير صحيح، مُشدداً على أنه لا يجوز أن يفتح الشخص "الانترنت" ويأخذ الفتوى مباشرة، وإنما يحق له أن يستفيد فقط من بعض المواقع الموثوقة، مشيراً إلى أنه كفتوى شخصية لابد للشخص أن يتصل بالمفتي حتى يعرف واقعه، ذاكراً أن الفتاوى التي تُطلق على "تويتر" أو "الواتساب" تحتاج إلى ضبط؛ لأنها ربما تكون في شأن عام ويتناقلها الناس وتنتشر انتشاراً كبيراً، مُشيداً بالتجربة الرائدة لوزارة الشؤون الإسلامية في الحج، حيث خصصت الخط الساخن الموحد، الذي يتعاقب عليه مجموعة من المشايخ وعلى مدار الساعة أيام الحج، حيث أتاح لأي شخص يريد فتوى الاتصال بأرقام محددة، متمنياً تعميم هذا العمل على مدار العام. أحداث الأحساء -------------------- وحول الأحداث المؤسفة في الأحساء، والتي ممكن أن تُربط بالإرهاب والفتوى، أكد "أ.د. عبدالعزيز العسكر" على أن هذا العمل لا يفعله إلاّ أصحاب الهوى، وأصحاب الفتنة وأصحاب التوجه الخارجي الذين اعتنقوا فكرة التكفير، فهم يخضعون الفتوى لخدمة توجهاتهم، ويعتبرون الاختلاف المذهبي رنّة يتيح لهم أن يطعنوا في فئة من الناس وفي فئة من الطائفة، مضيفاً أن حماية هؤلاء منوطة بالدولة وبالمجتمع ككل، ولعلنا نعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقع وثيقة العهد في المدينةالمنورة وكانت فيها اليهود، ثم ظهر المنافقون في عهده، ومع ذلك حظوا بالحماية، باعتبار أنهم مسلمون، وحتي لا يتحدث الناس أن محمداً قتل أصحابه، مؤكداً على أن الإسلام يحمي الجميع، والبلد المسلم إذا لم يأمن الناس فيه، فأين يأمنون؟. جرأة المنتسبين للدعوة والعلم على الفتوى -------------------------------------------------- تأسف "أ.د. عبدالعزيز العسكر" على جرأة بعض المنتسبين للدعوة والعلم والوعظ على الفتوى، مما ينبغي الحذر. وقال: ما شجع الناس على الجرأة وجود القنوات الفضائية ووجود الإذاعات التي فيها جانب سلبي وإيجابي، مبيناً أن الإيجابي أن المجتمع متدين ويطلب العلم الشرعي ويسأل عن أمور دينه، لذلك الفتوى لها مكانة في مجتمعاتنا نحن المسلمين. وأضاف أنه في مجتمع المملكة المتدين تُطلب الفتوى ويروج سوقها، لهذا يجدها بعض الناس مكاناً للانتشار وللشهرة، وهذا الذي نخشاه ونحذره. وأشار إلى أهمية تدخل أهل العلم الشرعي وأعضاء هيئة كبار العلماء والمنوط بهم الفتوى والعمل على تنبيه الناس، عبر ضبط الفتوى، وألا تؤخذ إلاّ من أهلها، مبيناً أن واقع الفتوى اليوم فيه شيء من الفوضى، وفيه شيء من التوسع، وفيه تسور لهذا المقام الرفيع، بل وفيه جرأة من بعض المنتسبين للدعوة والوعظ على الفتوى وهذا ما يجعلنا نتخوف. وحّدوا جهات الإفتاء في مسألة الطلاق ------------------------------------------ شدّد الشيخ "سعد الخثلان" على أن الفتاوى التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة للتثبت ويترتب عليها أمور كبيرة وخطيرة هي فتاوى الطلاق، مبيناً أنه ينبغي أن توحد جهات الافتاء فيها، وألاّ تتاح الفرصة لكل مفتٍ، حتى وإن كان مؤهلاً. وقال: هذه المسائل تحتاج قبل الفتيا إلى دراسة لواقع القضية؛ لأنه يتعلق بها مصير أسرة، وهذا المستفتي عن الطلاق يحتاج أولاً أن يُعرف قصده ماذا أراد؟، ويُعرف لفظه، ويعرف كذلك حالته النفسية ودرجة غضبه؛ لأن في الغالب الطلاق يقع بغضب، موضحاً أنه ينبغي معرفة حالة المرأة هل هي في حالة طهر؟، وما السياق الذي اطلق فيه هذه الكلمة؟، كل هذه الأمور تحتاج إلى دراسة وتثبت من واقع القضية. وأضاف أن مسائل الطلاق يجب ألاّ يفتى فيها لوسائل الإعلام، ولا يفتى فيها عبر الهاتف ولا عبر واسطة، ولا يفتي فيها كل شخص، وإنما ينبغي حصرها في نطاق ضيق مثل "دار الافتاء" أو "المحاكم الشرعية"، حتى تدرس هذه الحالة دراسة كافية وتثبت من واقعها. وأشار إلى أنه سمع في إحدى الإذاعات أحد المفتين تسأله امرأة وتذكر له أن زوجها طلقها فقال لها: "وقع الطلاق"، ثم ذكرت كلمتين فعاد وقال: "لم يقع الطلاق"، متسائلاً: كيف يفتيها بهذه الطريقة؟، ذاكراً أنه ينبغي لهذا المفتي أن يقول للمرأة يجب أن يأتي زوجك إلى دار الافتاء أو إلى المحكمة الشرعية لتثبيت الحالة ودراستها ثم تصدر الفتوى. وأوضح أن من وقع منه الطلاق ربما يجد شيئاً من التعب والعناء، لكن في هذا الملحظ تربوي، ليكون درساً له حتى لا يتسرع في إيقاع الطلاق، متطلعاً إلى حصر فتاوى الطلاق في جهة معينة وألاّ يتولاها أي شخص؛ لأن فتح المجال ربما يسبب اضطراباً وإشكالات عديدة أو تضارباً في الفتوى. وعلّق "أ.د. عياض السلمي: قائلاً: الفتوى الآن أصبحت في الفضائيات وعلى الهواء مباشرة، وأنا لا أعتبر ذلك فتوى خاصة حتى لو كانت في الطهارة والصلاة، فعندما أعلنها للملأ وتتلقفها وسائل الإعلام في شتى بقاع الأرض، ويسمعها ملايين الناس كيف تصبح بعد ذلك خاصة؟، موضحاً أن الوسيلة أصبحت عاملاً مهماً، والجانب الإعلامي مُلم، حيث يدخل على الفتوى من جهة الإعلام أكثر مما يدخل عليها من جهة العلم. ننتظر إعداد جيل جديد من المفتين الشباب ------------------------------------------------ قال الزميل "نايف الوعيل": نملك صروحاً كبيرة جداً مثل هيئة كبار العلماء ومركز التميز البحثي وجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية والمعهد العالي للقضاء، السؤال: ألا يوجد لتلك الصروح دور حقيقي كورش عمل لإعداد جيل جديد من المفتين الشباب، بدلاً من ظهور شخص يفرض نفسه مفتياً؟. وعلّق الشيخ "سعد الخثلان" بقوله: فيما يختص بإعداد جيل مفتٍ، أعتقد أنه أمر في غاية الأهمية، وهذا الدور تؤديه الكليات الشرعية، مضيفاً أن لدينا في المملكة (12) كلية شريعة، ومن المفترض أن يكون الخريج لديه إلمام بكثير من العلوم الشرعية، وربما يصبح طلاب الدراسات العليا مؤهلين لأداء دور الفتوى، موضحاً أن هذا ليس كافياً، بل لابد من الرعاية والعناية عبر إعداد طلاب علم من فئة الشباب، والعمل على تأهيلهم تأهيلاً علمياً. وتداخل "أ.د.عبدالعزيز العسكر" قائلاً: لدينا (12) كلية شريعة، لكن كما لدينا قسم للأنظمة وقسم للقضاء وأقسام للقانون موجودة في بعض كليات الشريعة، يجب أن يوجد قسم يعتني بالافتاء. وأضاف: لابد من وجود أقسام أو تخصصات معينة في الدراسات العليا، تُعنى بإعداد المُفتين، وأن يتم اختيار الطلاب على درجة عالية من التميز، وبالتالي يمكن أن نُعد جيلاً قادراً على الفتيا. وأشار إلى أن هناك مشكلة عند اختيار المفتين للمناطق والمحافظات من طلبة العلم، حيث هناك فئة فيهم يرفضون قبول وظيفة المفتي تورعاً، مؤكداً على أن هذه مشكلة مازالت تواجههم، إلاّ أنه ينبغي أن يُعاد النظر في الكليات الشرعية، عبر الاهتمام بتخصص الدراسات العليا، ولا بأس من وضع تخصص لإعداد المفتين، مؤكداً على أن هناك تقصيراً بشكل عام بالعناية بإعداد المفتي. وعلّق "د.عبدالعزيز بن نوح": هناك تقصير عظيم في الكليات الشرعية بشكل عام بالتعامل مع هذا الملف، وليس في هذه الفترة، وإنما منذ فترات طويلة، داعياً إلى الاهتمام بالكليات الشرعية، حتى تؤدي واجبها تجاه الفتوى. وأضاف: من المهم إعداد عقليات شرعية تهيأ لأن تكون جاهزة للتعامل مع الناس في استفتاءاتهم ومعرفة العام والخاص، وأن يكون لديهم تأصيل شرعي عظيم، ليس بإيجاد أقسام للفتوى، بل أن تكون المناهج بشكل عام متوجهة الى تخريج طلبة يحملون هذا الفكر الطيب والعلمي السلفي الرصين، القائم على معرفة آداب المفتي والمستفتي. «الفتاوى التحريضية» تحقق أهداف المنتفعين -------------------------------------------------------- أوضح "أ.د. عبدالعزيز العسكر" أن الفتاوى التحريضية لم تكن معروفة عند أهل العلم المحققين، مبيناً أن تلك الفتاوى جاءت ممن تسلقوا سور الفتوى، وممن ينطلق نحو اتجاهات سياسية وفكرية وثقافية، حيث يتخذ الفتوى طريقاً للوصول إلى تحقيق أهدافه. وقال: الفتوى التحريضية اليوم كثيرة وأثرها خطير على المجتمع، وهي غالباً ما تكون في الشأن العام الذي يخص المجتمع، ذاكراً أن الآية الكريمة تقول: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به"، هذه الآية واضحة جداً؛ لأن الأمر يتعلق بالأمن والخوف، وليس المقصود فقط الأمن والخوف فيما يتعلق بالأمن العام وبالأمن العسكري والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي، فالقضايا العامة التي تمس أكبر عدد من الناس تعد من الشأن العام الذي ينبغي أن يرجع فيه إلى أهل الفتوى المنوط بهم المهمة، والذين يمثلون المؤسسات الرسمية، والذين يناقشون هذه القضايا قبل أن يفتوا فيه ويدرسونها حتى تبرأ بهم الذمة. وأضاف: الفتاوى التحريضية اليوم خطيرة جداً، وضررها كبير، وينبغي أن نقف منها موقفاً حازماً على مستوى المجتمع، وعلى مستوى الأفراد والإنتاج. وأشار إلى أن الفتاوى التحريضية فرصة لتفريغ المجتمع، وتأليب بعضهم على بعض، وتحريك الطائفية والقبلية، بل وتكريس العنصرية والتمايز الطبقي. وأوضح أن الفتاوى التحريضية دائماً تأتي ضد مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع، بل وضد هيئة كبار العلماء وضد القيادة السياسية، وكذلك ضد جامعة، أو صحيفة، أو وزارة، ذاكراً أنها لا تخدم دين ولا مجتمع، بل هي مركب من مراكب الشيطان. وعلّق الشيخ "سعد الخثلان" قائلاً: إن وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحاضر أصبحت تسهم في نشر الفتاوى التحريضية، وعلى سبيل المثال "تويتر"، ما أن تكون هناك فتوى تحريضية إلاّ وتنشر على نطاق واسع، وربما وضع "هاشتاق" بهذه الفتوى، بحيث يدخل فيها كل من "هب ودب"، لتنتشر انتشاراً واسعاً في وقت وجيز. وأضاف: الفتاوى التحريضية قد تكون بحسن قصد، وأحياناً بسوء قصد، بحسن قصد ربما أن هذا المفتي يفتي بدافع الغيرة، لكنه لم ينظر إلى مآلات هذه الفتوى، ولم ينظر إلى مقاصد الشريعة، بل ولم ينظر إلى أمور متعلقة بالآثار التي تترتب عليها. وأشار إلى أن الفتوى التي تصدر بسوء قصد تهدف إلى إسقاط بعض الرموز، أو إسقاط بعض العلماء والأشخاص، لذلك نجد أن من يفتي يسهم هو شخصياً بنشرها، وهو الذي يضع "الهاشتاق"، من أجل تحقيق تلك الأهداف التي يسعى إليها، مُشدداً على أهمية مواجهة الفتاوى التحريضية، وأن يكون لأهل العلم المفتين المعتبرين دور في إبطالها، والرد عليها، وبيان أنها غير صحيحة، ولها مآلات ومفاسد. وتداخل "د. عبدالعزيز بن نوح" قائلاً: كثيراً من الأحداث المؤسفة والفتن العظيمة وما تحتويه من سفك للدماء وهتك للأعراض وإشاعة الفوضى في قديم العصر وحديثه والتي يتدثر أصحابها برداء الدين ونصرته إنما انطلقت شرارة هذه الأحداث والانتهاكات وأُضرمت نارها بفتاوى مضللة، انطلقت ممن لا خلاق له لا في الدين ولا في الشريعة، يُصدِّرهم أصحاب الأهواء من أجل تحقيق أهدافهم وضلالاتهم، ولذلك ليس بمستغرب أن نجد كثيراً من الفتاوى المضللة في هذا الزمن إنما ينطلق أصحابها من أهواء شخصية ضالة وآراء حزبية ضيقة، ومن المعلوم أن بلادنا عانت في فترات سابقة من آثار لتلك الفتاوى المضللة المشبوهة والتي يتلقفها أصحاب الأهواء والزيغ، واكتوت بنارها بتلك الأحداث الإرهابية والتي مرت في بلادنا، وما حادثة الأحساء والتي وقعت في الأيام الماضية والتي اعتدي فيها على الدماء المعصومة وروِّع الآمنون في بلادنا إلاّ ثمرة لتلك الفتاوى المضللة ممن لا خلاق له والتي يتلقفها هؤلاء المعتدون ليجدوا فيها تبريراً وستاراً لأهدافهم ومآربهم الخبيثة، مع أسباب أخرى من مؤامرات لجهات مشبوهة تسعى جاهدة لزعزعة أمن ونسيج بلادنا، ولكن الله لا يصلح عمل المفسدين، وبلادنا ستظل شامخة عزيزة بتكاتف شعبها مع ولاة أمرهم، وبتصدي علماءها الراسخون لتلك الأهواء والفتن بالتأصيل الشرعي المتين المستنير بنور الوحي وتراث سلف الأمة، وللدعم غير المحدود والذي تجده مؤسساتنا الشرعية الرسمية والموثوقة من ولاة أمر هذه البلاد المباركة. فرق كبير بين المُفتي والواعظ..! ---------------------------------------- أكد "أ.د.عياض السلمي" أن هناك فرقا كبيرا بين المفتي والواعظ، فالمفتي مطلوب منه أن يكون فقيهاً عالماً مطلعاً على علوم كثيرة عدها العلماء ثمانية، إذ لابد أن يحيط بها جميعاً، مضيفاً أنه لابد أن يكون عازماً بالواقع الذي يريد أن يفتي فيه؛ لأن لدينا أمرين؛ الأول هو علم حكم الله، أي علم الحكم الشرعي، والثاني علم الواقعة نفسها، بحيث ينزل الحكم الشرعي على الواقعة التي أمامه. وقال: ليس كلّ من حفظ الفقه أو حفظ القرآن أو حفظ الحديث يكون مفتياً، إذ لابد أن يكون قادراً على تنزيل الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب والسنة على الواقعة، مبيناً أنها قد لا تنطبق عليها شروط الحكم، وقد يكون فيها مانع يمنع من إيقاع الحكم، وقد يكون سبب الحكم لم يتحقق له، فهذه ثلاثة أمور لابد منها ويعرفها العلماء ويسمونها تحقيق المناط، وكل حكم لابد من تحقيق مناط يرجع إلى أهل العلم في الدرجة الأولى الذين لهم القدرة على معرفة أن هذه الواقعة استكملت، وهل وجد المقتفي؟، وهل انعدمت الموانع من إيقاع الحكم؟ وأضاف أنه إذا توافرت هذه الشروط أوقع الحكم الشرعي الذي قد يكون منصوصاً في الكتاب أو السنة، ذاكراً أن هناك من يُعرف بالاجتهاد على طرقه المنصوصة؛ إما حافظاً القرآن، أو حافظاً للفقه الفروعي، أو حافظاً للأحاديث، فهذا ليس مفتياً ولا ينبغي أن يتصدى للفتوى إذا لم يحصل على بقية العلوم. وأشار إلى أن الوعظ يتولاه من ليس لديه علم بالكتاب والسنة ولا بالفقه ولا بأصوله وقواعده وكيفية استنباط الأحكام، فينزل الأشياء في غير منزلتها، وليس كل من سمي فقيهاً في عصرنا يصلح لأن يكون مفتياً؛ لأن اسم الفقه أصبح يطلق على من درس الفقه، أو من عرف شيئاً من الفقه، وليس على الفقيه الذي بلغ الغاية في الفقه. وشدّد على أنه ينبغي ألاّ يُطلق الفقيه على حافظ الفروع ولا على حافظ الحديث ولا على حافظ القرآن من غير أن يكون عنده آلة للفهم والموازنة، وعدم ضرب الأحاديث بعضها ببعض، والأدلة بعضها ببعض أو التناقض؛ لأن الذي يفتي وليس لديه ميزان تتناقض فتواه، مبيناً أنه اليوم تكون على صنعة، وغداً تكون لها صنعة أخرى مع عدم وجود الموجب لهذا التناقض. كثرة السؤال ليست محبذة في الشريعة ------------------------------------------- أوضح "د.عبدالعزيز بن نوح" أنّ هنا مسألة مهمة ينبغي أن توضح وأن تحرر وهي أن كثرة الأسئلة والاستفتاءات عن دقائق المسائل وتفريعاتها وفرضياتها في حياة الإنسان والتنطع والمبالغة في ذلك كل ذلك ليس مشروعاً، وبالنظر إلى النصوص الشرعية وفي حال السلف الصالح نجد النهي عن كثرة السؤال والتنطع في ذلك والمبالغة، فالله -عز وجل- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)، وقد غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- حين أكثروا سؤاله، فقد روى البخاري في كتاب الفتن عن قتادة أن أنساً حدثهم قال: سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أحفوه بالمسألة أي أضجروه وأحرجوه بكثرة المساءلة، فصعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم المنبر فقال: "لا تسألوني عن شيءٍ إلاّ بينت لكم"، فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي، يعني خوفاً من غضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال أنس: ثم أنشأ عمر يقول: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، نعوذ بالله من سوء الفتن، فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الآية. وقال إنّه لما نزل قول الله تعالىولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، فقال: أكل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، فقال في الثالثة: أكل عام يا رسول الله؟ قال: "لا. ولو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم"، وصح عنه -عليه الصلاة والسلام- قوله: "ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه"، وعن سلمان رضي الله عنه قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أشياء فقال: "الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما قد عفا عنه، فلا تتكلفوا "، وقد فقه أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه المسألة فكانوا يتهيبون من سؤاله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الشيخان عن أنس -رضي الله عنه- قال: "كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، وكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع". وأضاف أنّه قد يعترض معترض بقول -الله عز وجل-: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "، فنقول إنّ هذه الآية تأتي في سياق تقرير المعتقد والإيمان بالرسل وأهل الذكر هنا هم أهل الكتاب من الذين أرسل إليهم الرسل، ولأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيستفاد من هذه الآية سؤال أهل الاختصاص كل في تخصصه، ومنهم أهل العلم الشرعي فيسأل المسلم عن ما يفيده من أمور دينه والذي يقوِّم به حياته وأما التنطع فلا للأدلة السابقة، ونقول هنا إنه يجب على المسلم أن يكون لديه علم بأصول دينه ومما لا يسع المسلم جهله من أمور العبادات والتوحيد ويسأل عما يجهله من ذلك حتى يقيم دينه وفرضه ونوافله، أما أن يكون ديدنه السؤال في كل صغيرة وكبيرة والتنطع في ذلك فهذا مما لا يشرع في الدين، والتعمق والتفصيل يكون لأهل التخصص في الفن لمقاصد مشروعة، والشريعة قائمة على التوازن والوسطية والاعتدال وهذه سمة من سماتها الظاهرة والبينة. أحداث العالم كشفت عن «فتاوى مسيَّسة».. احذروا! -------------------------------------------------------------- طرح الزميل "د.أحمد الجميعة" سؤالاً يتعلق ب"الفتوى المسيسة"، حيث مازال يطرح هذا الصمطلح عبر وسائل الاعلام بشكل كبير، لاسيما مع تنامي الأحداث الموجودة في المنطقة، مضيفاً أن بعض الفتاوى تصدر لتخدم أهدافاً سياسية سواء مع أو ضد. وأكد الشيخ "سعد الخثلان" على أن الفتاوى المسيسة، أو غير المسيسة، أو المضللة موجودة منذ قديم الزمان، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن ذلك وقال: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسُئلوا فافتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". وقال: قد يكون هناك من يتخذ رؤوساً جهالاً، أو قد لا يكونوا جهالاً لكن ليس لديهم الورع، وعندهم رقة في الديانة، فيأتون بفتاوى مضللة أو فتاوى مسيسة لأهداف معينة تحقق لهم أغراضاً محددة. وأضاف أن هذا المفتي يعلم في قرارة نفسه أن هذا ليس هو الحكم الشرعي، وإنما لإرضاء بعض الناس للهوى ونحو ذلك. وأشار إلى أن مثل هذه الفتاوى لها خطورتها ومن يصدر مثل هذه الفتاوى يتحمل مسؤوليتها أولاً أمام الله عز وجل بل ويتحمل آثارها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من تبعه"، ذاكراً أن كل من أفتى من غير علم، وأفتى الناس عن هوى، فإنه يتحمل الآثام والأوزار المترتبة على ذلك. ما هو المطلوب تجاه «الفتوى»؟ ------------------------------------ * الشيخ "سعد الخثلان": - الاهتمام بتأهيل جيل من المفتين على مستوى عالٍ من الكفاءة والتأهيل العلمي والنضج ومعرفة مقاصد الشريعة. - الاهتمام بالأمر الملكي الخاص بضبط الفتوى، حيث أناط ذلك بسماحة المفتي، وقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء، ومن يرفع سماحة المفتي ممن يرى فيهم الكفاية. * أ.د."عياض السلمي": - زيادة توعية المجتمع؛ لأنها تفيد في هذا الجانب، وتجعل الناس يعرفون إلى من يتجهون إذا أرادوا أن يستفتوا. * أ.د.عبدالعزيز العسكر: - لابد من توسع الجهات الرسمية المعنية بالفتوى والعلم الشرعي في تعيين مفتين في مناطق المملكة ومحافظاتها ومدنها الكبيرة؛ لقطع الطريق على المتسلقين على الفتوى. - الاهتمام بالجهات المنوط بها الفتوى بتطوير التقنية لديها، وتيسير وصول المستفتي إلى المواقع الرسمية. - تفريغ طلبة العلم لهذه المواقع. * د.عبدالعزيز بن نوح: - العناية بالأمر الملكي الصادر في هذا الشأن ووضع اللوائح الخاصة به. - التوازن والتفريق بين ضبط الفتوى وأهميته، وبين إحياء التراث الفقهي العظيم لهذه الأمة وممارسة ضوابط الخلاف الفقهي وآدابه وذلك بالتفريق ما بين الخاص والعام وتحقيق فقه المقاصد وتفعيل المجامع الفقهية المتخصصة, والارتقاء بالآليات التقنية والإعلامية لجهات الفتوى الرسمية لتعزيز ما تقوم به من دور عظيم منوط بها ولمزيد من التواصل مع الأعداد المتزايدة من المستفتين والمواضيع المتنوعة، ولقطع الطريق على الفتاوى المضللة. - أداء الكليات الشرعية دورها في تأصيل علم الفتوى وضوابطه وآدابه وتضمين مناهجها وخططها لهذه العلوم، لتهيئة جيل من طلبة العلم يكون مؤصلاً تأصيلاً علمياً رصيناً للتعامل مع مثل هذه المواضيع المهمة.