ليس هناك – من وجهة نظري طبعاً – أدنى خطورة من تبني فرد أو مجموعة من الأفراد لمواقف فكرية متطرفة ، فالتطرف كما يوحي المعنى اللفظي لها – لا اصطلاحي طبعاً – أن ترى الأمور وتقرأ الأحداث من زاوية مغايرة تختلف عن الزاوية التي يرى من خلالها الآخرون ذات الأمور وذات الأحداث ، فمن حقك أن تتخذ الطرف الذي تقتنع به ومن حق غيرك أن يتخذ الطرف الآخر الذي يقتنع به ، والمسافة الفاصلة بين الطرفين هي منطقة الأخذ والرد ، والمساحة الطبيعية للنقاش والتحاور، والتي من دونها لا يمكن أن يطفو أي مفهوم وسيط يجمع ما بين النيقيضين معاً ، والمتأمل لحركة التجاذبات الفكرية على مدى التأريخ البشري لا بد وأن يدرك أن ديناميكية التحديث الحياتية ليست سوى نتاج لاختبارات المفاهيم الوسيطة .. السلالة الطبيعية لتلاقح المفاهيم القديمة وهكذا حتى يومنا الحاضر . إنما الخطورة في أن يتجاوز هذا التطرف منطقة اختلاف الرؤية إلى منطقة فرض الرؤية بالقوة ، بمعنى ( إما أن تتبنى هذا الموقف تحديداً أو الموت) هنا مكمن العلة ورأس البلاء الذي من صلبه يتوالد الصراع إلي سلسلة من الخوف والدمار والدم ، وشيء حتمي أن اللغة الوحيدة التي تجمع فيما بين أطراف هذه الصراعات الشرسة هو العنف ، ذلك الكابوس المفجع الذي يكبر مع كل ساعة تمضي منه ، ويستفحل مع كل قطرة دم يستبيحها بأنيابه ومخالبه، وأحمق من يظن أن شرارة الاحتراب الداخلي حينما تندلع في كومة من القش أنها قد تخبو مرة أخرى من تلقاء نفسها وكأن شيئاً لم يكن ، بل ستلتهم الحياة برمتها ولن تبقِ خلفها سوى شياط جلود الأحباب والأقارب والأبرياء ، هكذا هو شأن الحروب الأهلية منذ عرف الإنسان رذيلة قتل أخيه الإنسان . ومن هنا واستناداً على ما ذكرناه يحق لمن لم يزل متوجساً من عاصفة الحزم وتداعياتها على اليمن أن يعود بذاكرته للوراء قليلاً ثم يسأل نفسه .. أي الأطراف السياسية في اليمن حمل السلاح في وجه بقية الأطراف ؟ ولماذا حمله ؟ وأي حوار ينشده وهو يضع بندقيته على صدر شعبه ؟ إنه بهذه الأعمال قد أسقط عن رأسه عمامة الوطنية .. وعن كتفه عباءة الشعبوية.. وعن يديه غصن السلام ، واستبدلهم بخوذة العنجهية وعباءة الاستكبار وبندقية الحرب ، فما ظنكم بالله بمن وجد نفسه أمام هذا الإرهاب اليومي أن يصنع غير أن يستجير بنخوة الجار وشهامة ابناء العمومة ليضعوا حداً لهذا التهور الزرادشتي في اليمن ، يقول المناضل ضد عنصرية البيض في أمريكا الأفروأمريكي مارتن لوثر كينغ: " التراجيديا الكبرى ليست الاضطهاد والعنف الذي يرتكبه الأشرار، بل صمت الأخيار على ذلك " ، وإنها والله لكارثة لو أن السعودية وبقية الحلفاء الأخيار سكتوا عما يدور في اليمن ، تخيلوا .. مجرد تخيل أن ذلك حدث .. أي وضع مؤسف كان سيكون عليه اليمن في هذه الساعة ؟. @ad_alshihri [email protected]