شوكت علي شاهين عبد الحميد لا أنسى فضل الأم عليّ، وعلينا تكريمها في حياتها أو نتذكرها في مماتها، إنها ذكرى تحضر في خاطرنا ليس في هذه الأيام ولكن في كل لحظة إذا كنا أوفياء لها، مهما كبرت كنت عند أمي صغيرًا، وأشيب وأنا لديها طفل، هي الوحيدة التي نزفت من أجلي دموعها ولبنها ودمها، نسيني الناس إلا أمي، بعد عني الكل إلا أمي، تغيَّر عليَّ العالم إلا أمي، الله الله يا أمي: كم غسلتِ خدودكِ بالدموع حينما سافرتُ بعيدا عنك ! وكم عفتِ المنام يوم غبتُ ! وكم ودَّعتِ الرُّقاد يوم مرضتُ ! الله الله يا أمي : إذا جئتُ من السفر وقفتِ بالباب تنظرين والعيون تدمع فرحاً، وإذا خرجتُ من البيت وقفتِ تودعينني بقلب يقطر أسى، الله الله يا أمي: حملتِني بين الضلوع أيام الآلام والأوجاع، ودعتني مع آهاتك وزفراتك، وضممتِني بقبلاتك وبسماتك، الله الله يا أمي: لا تنامين أبداً حتى يزور النوم جفني، ولا ترتاحين أبداً حتى يحل السرور علي، إذا ابتسمتُ ضحكتِ ولا تدرين ما السبب، وإذا تكدّرتُ بكيتِ ولا تعلمين ما الخبر، تحذريني قبل أن أخطئ، وتعفين عني قبل أن أتوب، وتسامحينني قبل أن أعتذر، يا أمي: يا ليتني أغسلُ بدموع الوفاء قدميكِ يا أمي: ليت الموت يتخطاكِ إليَّ، وليت البأس الذي قصدك يقع عليَّ عندما كنت أقابل إحسانك يا أمي وأنا كلي خجل وحياء، وأنا أتذكرك، يا أمي أنتِ الوحيدة في العالم التي وقفتِ معي يوم خذلني الأصدقاء، وخانني الأوفياء، وغدر بي الأصفياء، ووقفتِ معي بقلبك الحنون، بدموعكِ الساخنة، بآهاتكِ الحارة، بزفراتكِ الملتهبة، تضمينني، تقبلينني، تضمّدينني، يا أمي كنت أنظر إليك وكلي رهبة، وأنا أنظر السنوات قد أضعفت كيانكِ، وحشتيني يا أمي ولا أنسى رأسي التي نبتت بقبلاتكِ، ونجاحي تم بدعائك، أرى جميلك يطوّقني عندما كنت أجلس أمامك خادماً صغيراً فأنا مهما كبرت فأنا كنت طفلكِ الصغير، وابنكِ المدلّل، أنتِ أم وأنا ابن، وأنتِ سيّدة وأنا خادم، وأنتِ مدرسة وأنا تلميذ، وأنتِ شجرة وأنا ثمرة، وأنتِ كنتِ كل شيء في حياتي، ربِّ اغفر لها.