من المنتشر في جميع المجتمعات تقريباً أن الرجل هو الأقوى وأنه يتشاجر أمام زوجته ويدفعه غضبه إلى استعمال العنف، ولكن الغريب هو انقلاب الأمور وانتشار عنف الزوجة على زوجها في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، فقد سجلت نسب معينة في مصر وأمريكا ودول الخليج. ويعد من آخر الحالات التي حدثت مؤخراً وتؤكد على ارتفاع مؤشر الظاهرة، ما قامت به سيدة سعودية من فج رأس زوجها الأسبوع الماضي بأحد المولات الشهيرة في مدينة الأحساء بعد أن اكتشفت بالصدفة خيانته لها حيث كانت تنتظره بالسيارة وقرأت رسائل جواله فما كان من الزوجة إلا قيامها بالدخول إلى المحل والإمساك بعصا كانت مرمية بجانب البوابة وضربت الزوج بها، مما أثار استغراب الزبائن فكانت في صورة أشبه بالمصارعة الحرة، وفرّ الزوج بعدها مسرعاً وهو متلطخ بالدم. وبعيداً عن المملكة يبدو أن ظاهرة ضرب الأزواج عالمية، ففي الهند كانت نسبة الأزواج "المضروبين" 11% وفي بريطانيا 17% وفي أمريكا 23%، وتبين أن النسب الأعلى تكون في الأحياء الراقية والطبقات الاجتماعية الأعلى، أما الأحياء الشعبية فالنسبة تصل إلى 13% فقط. وقد رصد علماء النفس أنماطًا عديدة من الضرب النسائي ودوافع تلك الأنماط وأولها ضرب المزاح، حيث تميل بعض الزوجات إلى المزاح باليد مع الزوج في سبيل إلغاء الحواجز بين الاثنين ويعطى شعوراً بالألفة الزائدة، وهناك الضرب الدفاعي الذي تقوم به المرأة بالرد على عدوان زوجها وهي في هذه الحالة لا تقوم بالعدوان إلا دفاعاً عن نفسها، ولكن لا تبدأ هي أبداً بالعدوان. أما الضرب الانتقامي فهو نتيجة قهر مستمر أو استبداد بالرأي أو قسوة زائدة من جانب الزوج أو حالة غيرة شديدة أشعلت النار في قلب زوجته، وفي هذه الحالة لا تستجيب الزوجة مباشرة وإنما تتحمل حتى يتراكم بداخلها مخزون كبير من العدوان والرغبة في الانتقام والقصاص, إلى أن تأتي اللحظة التي ينطلق فيها العدوان من داخل المرأة . وهناك ضرب الزوجة المسترجلة للزوج السلبي، وفيه تكون المرأة أكثر قوة وأكثر سيطرة, والرجل ضعيف وسلبي ومنسحب, وبالتالي تجد المرأة أنها تملك دفة القيادة وبالتالي تملك التوجيه والإصلاح لأي اعوجاج، فإذا حدث منه خطأ فهي لا تجد غضاضة في أن تقومه وتربيه, وهو يتقبل ذلك أو لا يتقبله ولكنه لا يستطيع الاستغناء عنها وعن حمايتها له, ولهذا يتكرر سلوك الضرب من الزوجة لزوجها دون حدوث انفصال أو طلاق لأن العلاقة هنا تحمل مصالح متبادلة واحتياجات متوازنة رغم أنها غير مقبولة اجتماعياً, وأخيراً هناك ضرب المرأة المريضة نفسياً وهذه حالة خاصة تكون مدفوعة بأفكار ومشاعر مرضية تدفع المرأة لضرب زوجها (أو غيره), ويحدث هذا في حالات الفصام أو الهوس أو الإدمان أو اضطراب الشخصية. ومن ناحية أخرى يفسر بعض المختصين وعلماء الاجتماع أسباب قدوم المرأة على هذه التصرفات العدوانية بأنه نتيجة للاستقلال الاقتصادي لبعض النساء الذى أعطاهن شعوراً بالندية والمنافسة للرجل فهي تشعر أنها تعمل مثله (وربما أكثر) وتكسب مثله (وربما أكثر)، ولذلك ترفض منه أي وصاية وترفض أن يكون له ميزة أو تفوق عليها، كما أنه يمكن أن يكون نتيجة سفر الزوج إلى الخارج لفترات طويلة حيث يترك لزوجته مسئولية البيت بالكامل فتكتسب بعد فترة صفات القوة والصرامة لكي تستطيع الحفاظ على تماسك الأسرة وتسيطر على نزاعات الأبناء ومشكلاتهم، وأما الزوج فيكتفي بدور الممول لهذه الأسرة ويأخذ بالتالي مساحة أقل في وجدان زوجته وأبنائه ويصبح أكثر عرضة للهجوم وانتهاك المكانة. ويفسر البعض الآخر سبب ضرب الزوجة لزوجها أنه نتيجة وسائل الإعلام خاصة المرئية التي تشارك في تفاقم الظاهرة حيث تعرض العديد من البرامج وأعمال الدراما والأفلام التي تصوّر الزوجة على أنها كائن (مسكين) يتعرض للظلم من الأزواج الذين يمارسون القهر ضد النساء اللاتي يحرمن من حقوقهن نتيجة اضطهاد الرجال وقسوتهم، وتحث الزوجات على المطالبة بحقوقهن المسلوبة، حتى لو اقتضى ذلك ضرب الزوجة لزوجها دفاعاً عن نفسها. ويؤكد المختصون على أن تفكير الزوجة بالرد على زوجها الضربة بالضربة بغض النظر عن كونه ضرباً جائراً أو غير ذلك، فالنتيجة أنه سيرد لها الصاع عشرة، فتزيد المسافة وتبتعد الحلول التي كانت بمتناول اليد، وأشاروا أن ذلك الفعل يتنافى مع بنيتها الضعيفة وخلقتها اللطيفة والرابط المقدس الذي يربطها بزوجها، فهي ليست تدافع دفاعاً عارضاً مع غريب بشارع أو طريق ينتهي بوقته.