جرت العادة على شكوى النساء من الاضطهاد وتعرضهن للعنف على يد الرجال، لا سيما الزوجات على يد أزواجهن، ولكن يبدو ان ذلك بات من مظاهر الماضي التي طواها النسيان أو قارب على نسيانها . فقد كشفت دراسة حديثة أعدها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ان حوالى % 40 من الزوجات يضربن ازواجهن، الأمر الذي اثار ضجة اجتماعية، واعلامية ضخمة، ودق ناقوس الخطر بشأن ممارسات غريبة اقتحمت حياة الاسرة العربية . وقد استفزت نتائج هذه الدراسة الكثير من الازواج والذين بدأوا بالتخوف من ارتفاع هذه النسبة فيما لو وصل وباء العنف الزوجي لمنازلهم . وهذا ما يؤكده لنا الزوج كامل علي الذي علق على هذه الدراسة بخوف : نسمع في الصحف والاذاعة والاعلام بشكل عام عن زوجات اعتدين على ازواجهن إما بالضرب أو القتل أو التعذيب، ولكن على حد علمي ان هذه الظاهرة قليلة جدا نظرا لما تتمتع به المرأة من انوثة وعطف وطيبة لا تدفعها بكل تلك العوامل الانثوية الى استخدام العنف بأي حال من الاحوال، لكن مع ارتفاع هذه النسبة بهذه الدراسة اصبحنا نأخذ حذرنا من غضب النساء فيما لو فكرنا باغضابهن وليس ضربهن . العنف نفسي واجتماعي أما الزوج عائض الحربي فيعتقد ان هناك اسباب نفسية واجتماعية عديدة وراء انتشار هذا العنف بشكل عام، فقد يكون لدى الزوجة بعض الاحباطات في الحياة ولا تريد مواجهتها فتقوم بعملية ابدال، تقوم من خلالها بتوجيه العنف الى الزوج، وقد تكون الزوجة تعاني من ظروف اجتماعية او امراض نفسية مثل الاكتئاب أو امراض الفصام فتعتقد مثلا بأن زوجها سيقتلها او سيضربها، وقد تكون شخصية المرأة مضادة للمجتمع او حادة، او لديها اندفاعات أو تبدل في المزاج ما يدفعها في النهاية الى اللجوء الى العنف ضد الزوج، والذي يكون درجة تقبله لهذا العنف اهانة لرجولته فيكون رد فعله عكسية بطبيعة الحال والنهاية معروفة . الزوج سبب العنف فيما يرى ابو احمد بأن الزوج المتعرض الى العنف من الناحية الاسرية قد يكون الزوج الذي لا يؤدي دوره كأب وكزوج تجاه اسرته والتي منها زوجته واطفاله، مما يؤدي الى عدم نجاحه في عدم تحمله لمسؤولياته في الاتجاهين، كذلك قد يقابل الزوج العنف بعنف مماثل واشد احيانا، ليحافظ على صورته امام ابنائه حتى ولو كان مقصرا، مما يؤدي الى حدوث مشاكل متعددة قد تنتهي الى الطلاق وتشتيت الاسرة، او ارتكاب جريمة عائلية . الزوجات في قفص الاتهام بكل هدوء وبمصداقية شديدة تقر بعض الزوجات بأنهن يضربن ازواجهن، لكن لكل زوجة ظروفها واسبابها الزوجية الخاصة ونستعرض هنا بعض تلك الاسباب دون رتوش . تقول احدى الزوجات : ان زوجي كثير البخل، ولا يترك لنا الفرصة لاختيار ثيابنا او طعامنا او حتى المنزل الذي نسكن فيه، فهو يرغب لنا بحياة هو يقررها دون الرجوع الينا ومعرفة رأينا في ذلك .وتضيف استمر هذا الحال حتى جاء يوم اضطررت فيه لضربه على وجهه عندما رفض شراء حليب للأطفال لابنه الرضيع بحجة التوفير وان هذا المبلغ الذي سيشتري به الحليب عبء على ميزانية البيت الضعيفة التي رسمها لنا طوال الشهر . زوجة أخرى تعلل ضربها لزوجها انه كان من باب الدفاع عن نفسها، وتشرح ذلك : حدث نقاش حاد بيني وبين زوجي بسبب غلاء الاسعار التي ارتفعت في كل المحلات والاسواق فطلبت منه زيادة مصروف البيت خاصة اننا على مشارف رمضان، فما كان منه إلا ان صرخ في وجهي ودفعني الى الخلف بعد ان اشتد النقاش بيننا، فما كان مني إلا ان دفعته بكل قوتي الى الوراء، ثم هجمت عليه واخذت اضربه بكلتا يدي ضربا وصفعا ورفسا، لقد جعلني افقد صوابي بسبب عنفه عليَّ وكل ذلك لأني طلبت منه زيادة مصروف المنزل الذي لم يعد يفي بكل طلباتنا . أما الزوجة التي رمزت لنفسها بأم هاني قالت عن تجربتها مع زوجها : لقد تزوجته دون ارادتي بسبب اختلاف السن ومستوى الثقافة، ولأنه اكبر مني كثيرا وانا ما زلت في ريعان الشباب، كان دائما يهينني امام عائلته بغبائي وقلة تربيتي ويبدأ بعد ذلك بالسب والشتم على أهلي وعليَّ حتى جاء يوم طفح الكيل بي وطلبت منه غاضبة بالتوقف عن شتم أهلي وكان ذلك في اليوم الذي كنا نزور فيه أهله وامام ردة فعلي الغاضبة قام واحضر عصاة واخذ يضربني بقوة، ولم يستطع اهله ابعاده عني، لكني استطعت الهروب منه وامسكت بكرسي وبدأت انهال عليه بالضرب حتى فقد وعيه . نتائج الدراسة الدراسة التي ذكرناها آنفاً إشارت الى ان ممارسة الزوجات للعنف ضد ازواجهن يرجع لاسباب عديدة اهمها ضعف الزوج او تهوره وعصبيته الزائدة موضحة بان هذا العنف يزداد مع نهاية كل شهر بعد ضياع المرتب . وتؤكد الدراسة بان نسبة ضرب الازواج ترتفع بنسبة % 50 بين الطبقة الامية وتنخفض الى % 15 بين الازواج الحاصلين على مؤهل متوسط واوضحت بأن % 65 من الزوجات اللاتي شملتهن هذه الدراسة هن من مرتكبات جرائم العنف ضد ازواجهن الشديدة وتحويل حياتهن الى جحيم لا يطاق . بينما ارجعت النسبة الباقية منهن % 35 الى اسباب العنف من جانبهن الى قوة شخصية الزوج ومحاولة من جانبه للضغط على الزوجة بهدف تهميش دورها بما يؤدي في النهاية الى حدوث هذا الصلاح بينهما فيفضى بها الامر الى الاعتداء عليه بالضرب . كما يرجع العنف من قبل الزوجات ايضا الى صفة التردد لدى الازواج والتي تؤدي بدورها الى افتعال المشاكل من قبل الزوجات كذلك تؤدي عصبية الزوج الزائدة الى وقوع الكثير من الكوارث والشيء الطريف ما ذهبت اليه الدراسة من ان النساء يشعرن بالراحة النفسية عقب ضرب ازواجهن . خبراء الاجتماع : عنف لاسترداد كرامتها من وجهة نظر خبراء الاجتماع للامر اسباب عديدة ووفق الكلام د . بشار عز الدين استاد علم الاجتماع يقول مفسراً : هناك اسباب عديدة وكثيرة لا يمكن حصرها تدفع المرأة او الزوجة الى استخدام العنف مع زوجها تختلف من مستوى اجتماعي وثقافي وبيئي الى آخر فأحيانا تشعر الزوجة عن ايصال صوتها او الاعتراف بكيانها وقيمتها سواء كان ذلك في مجتمعها او في بيتها ومع زوجها ما يؤدي بها الى استخدام العنف ..وكذلك تلعب التنشئة الاجتماعية منذ الصغر دوراً كبيراً في هذا العنف خصوصاً اذا كانت الزوجة قوية الشخصية واكثر ثقة بالنفس من زوجها . وتعد الخيانة ايضا احد الاسباب التي تدفع الزوجة للعنف فهي تشعر في هذا الوقت ان كرامتها قد اهينت وتريد ان يعيد كرامتها الى نفسها فتلجأ الى العنف ظناً منها انه الوسيلة الوحيدة التي يمكن ان تحقق لها ذلك وهو ما يمكن ان نسميه بالعنف المضاد او قد يكون الزوج ضعيف الشخصية في الاساس فتستغل الزوجة هذه الصفة فيه ما قد يؤدي بها الى عدم احترامه واهانته او استخدام العنف معه . وسائل الاعلام والعنف ومن العوامل الاخرى المهمة والمحركة لعنف الزوجة ضد زوجها ايضا هي ما تقدمه وسائل الاعلام من عرض النماذج النسائية السيئة في كثير من برامجها ومسلسلاتها حيث يكون لها اثر فعال على توجيه العنف لدى الزوجة فتمارسه ضد الزوج فيما بعد ذلك بشكل غير مباشر حيث لا تنتبه الزوجة انها تمارس العنف من خلال بعض التصرفات والحركات التي تكون في الواقع تقليداً لشخصيات شاهدتها على الشاشة السينمائية او التلفاز . دوافع عاطفية واخرى نفسية خبراء ا لبحوث الجنائية واساتذة علم الاجتماع والنفس اختلفوا في تفسير الدوافع التي ادت الى تزايد عنف الزوجات فبعضهم ارجعها الى خلل نفسي او اجتماعي وفريق فسرها باستعداد فطري داخلي له علاقة بالفضائيات وفريق ثالث ارجعها الى الغيرة والمشاكل العاطفية والزوجية وآخرون يرون انها نتجة لضغوط اجتماعية وعائلية الاحساس بالظلم والاهانة على يد زوجها . ويشير د .جبر محمد جبر استاذ علم النفس الى وجود عدة اسباب تكمن وراء عنف الزوجة ضد زوجها ابرزها التغيرات الاجتماعية التي مرت بها الاسرة العربية خلال السنوات الماضية والتي بدأت مع التحولات الاقتصادية السريعة والمتلاحقة التي معظم العواصم العربية ما ادى الى ظهور ضغوط اقتصادية عديدة لم يعان ويلاتها احد سوى الاسرة العربية وخاصة المرأة لكونها المسؤول الاول عن ميزانية المنزل والمحددة الاولى لنواحي الانفاق . فالزوج عادة هو الذي يعطي والمرأة هي التي تنفق ومن ثم اصبحت هي اكثر احساسا بهذه الضغوط الاقتصادية من الرجل . المادة ابرز اسباب عنف المرأة ويضيف د .حبر محمد ان طغيان المادة على متيم المجتمع الاصلية ادى الى حدوث تغير في ا لعلاقات الزوجية فبعد ان كانت تقوم على المودة والرحمة اصبحت تقوم على المصلحة قبل اي شيء آخر واصبح التعارض في المصالح بين الازواج والزوجات واضحاً ومؤثراً في علاقاتها مما أدى الى ولازال الى تصدع هذه العلاقة ومن ثم ظهور العنف بكل انواعه واشكاله سواء العنف اللفظي او المادي او ما يسمى بالعنف المعنوي المتمثل في القطيعة والصمت والخصام من جانب المرأة . لذا انه من الاهمية الحرص على تنشئة الفتاة التي سوف تصبح زوجة في المستقبل تنشئة اجتماعية صحيحة لأن الأم لم تعد تحرص على توعية ابنتها بمفردات دورها كزوجة وأم وهذا بالطبع يؤدي الى خلق العديد من المشاكل الزوجية فيما بعد ويترتب عليه المزيد من العنف الاسري بين الزوجة والزوج كذا لا بد من وجود تكافؤ بين الزوجين في كل شيء لأن من اهم هذه المشكلات التي ادت الى تعدد حالات عنف الزوجة ضد زوجها هي مشكلة اجبار الفتاة في سن صغيرة على الزواج من زوج يكبرها بعشرين عاما مما يؤثر على توافقها الزوجي ومن ثم فإن أي عامل يمكن ان ينتقص من التكافؤ بين الزوجين من شأنه ان يؤدي لتزايد العنف بينهما . العمل والاختلاص أسباب أخرى من جانب اخر تؤكد د .نادية العجمي استاذة علم الاجتماع وجود دوافع كثيرة وراء تزايد حوادث عنف الزوجات ضد ازواجهن اهمها خروج المرأة من المنزل واختلاطها وتعرضها للكثير من الضغوط النفسية وبالتالي اصبحت عرضة للانحراف ايا كان شكله . وهناك العديد من الدراسات التي تفسر عنف الزوجة عموما بأنه نتيجة عوامل نفسية او نتيجة للصراع الذي يحدث بين مكونات الشخصية وهناك مدارس تفسر الاجرام كالمدرسة الاجتماعية التي ترجع اسبابه لدى النساء الى النشأة الاجتماعية غير الصالحة للاطفال الى جانب عوامل الطلاق والهجرة وقلة الرعاية الأسرية للاطفال والمشاحنات العنيفة الدائمة بين الزوجين . المرأة وافد جديد على العنف والجريمة هذا ما اكدته استاذة الطب النفسي د .سميحة نصر حيث قالت في وصف المرأة بأنها وافد جديد لسوق الجريمة وخاصة جرائم العنف ضد الزواج كما ان الضغوط المجتمعية التي تعانيها المرأة هي التي جعلتها تنجرف بشكل او بآخر للعنف واستخدام ابشع اساليبه واكثرها ضراوة وهي القتل فمعظم الدراسات الاجتماعية عن العنف والعدوان كانت تؤكد حتى وقت قريب الفرضية القائلة بأن العنف ظاهرة ذكورية وأن الاناث هن ضحايا لهذا العنف ولكن العلوم الاجتماعية بدأت تغير من نظرتها لهذه الفرضية مؤخرا لاسيما بعد ان برزت جرائم العنف الخاصة بالمرأة بروزا كبيرا داخل المعدلات العامة للجرائم . ولذلك اصبحت فكرة عمومية العنف وانسحابه على الرجل والمرأة على حد سواء احد القناعات العلمية المعاصرة ولكن هذا لا ينفي اختلاف العوامل الدافعة الى عنف المرأة فقد يفسر لهذا العنف على انه رد فعل تجاه مظاهر الايذاء التي تتعرض لها الاناث في مراحل الطفولة والشباب المبكر كذلك قد يفسر على انه رد فعل للضغوط التي تمارس على المرأة من جراء تشتت ادوارها وتعددها لذلك فإن ارتكاب النساء لجرائم القتل كأحد اهم اشكال العنف ضد الزوج خلال السنوات العشر الاخيرة اصبح يتم بشكل عنيف ومباشر باستخدام الالات الحادة والأسلحة النارية والاسلحة البيضاء بعد ان كانت تلجأ في الماضي الى تخدير الزوج او بث السم في طعامه او شرابه . ظاهر العنف في التكوين الأنثوي أما فيما يتعلق بارتباط ظاهرة العنف بالتكوين العضوي للنساء فتقول خبيرة الطب النفسي د .سميحة ان وجود علاقة بين فترة الطمث وارتكاب النساء لجرائم القتل العمد او العنف ضد الزوج يرجع لما يحدثه الطمث من تغير هرموني في جسم المرأة يترتب عليه زيادة حساسيتها وبالتالي توتر وسرعة استشارتها .وهناك اشكالات عديدة للعنف الذي تمارسه المرأة ضد الرجل وهو ما يتعلق بالجانب الجنسي كأن تتبع المرأة اسلوب الهجر الجنسي لزوجها وعدم تلبية طلباته الشخصية والاجتماعية وهذا يندرج تحت عنوان العنف النفسي الذي يشعر فيه الرجل بأنه مضطهد امام تقيده بسلوك المرأة وفق شروط شخصية او اجتماعية فهذا شكل من اشكال العنف الحاد والقوي فمثلا عندما تهدد الزوجة زوجها بهجر المنزل وترك الاطفال فإن هذا سيكون ثقلا من العنف الجسدي في حال تعرض له من قبل زوجته . حلول للحيلولة ضد العنف الانثوي ان خلق ثقافة مجتمعية جديدة في اكثر الحلول المنطقية التي يشير اليها اغلب اطباء الاجتماع النفسي لدرء ازدياد رقعة العنف النسائي على الازواج وأن هذه الثقافة كما يقولون لها علاقة بمؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تبدأ منذ الطفولة وحتى مراحل التعليم العليا " الأسرة - المؤسسات التعليمية - الاعلام " والحل عموما يتمثل في ان تعتمد تلك المؤسسات على تأسيس ثقافة انسانية تقوم بشكل اساسي على مبدأ المصارحة والحوار بين الزوجين حتى فيما يتعلق في الحديث عن سلبيات بعضهما فيجب تحقيق مبدأ المساواة بين الحقوق والواجبات الشخصية والاجتماعية والثقافية والنفسية فما زالت مناهجنا التعليمية تكرس الثقافة الذكورية التي تميز بين الذكر والانثى لذا علينا اولا ان نبدأ بإنشاء ثقافة الحوار والمساواة والمصارحة وتطبيق سياسة المكاشفة بين الزوجين فليس من العيب ان نتحدث في ندوات علنية عن ظاهرة العنف النسائي ضد الرجل وبحث اسبابها والاستطراد في استكشاف حلولها ويجب في هذا الحوار اشراك كل من الرجل والمرأة ليأخذ طابعه الثقافي البناء والحوار الصريح بين الجنسين .