في الشعر دائماً ما يحتار أحدنا هل القصيدة من صنع الخيال أم من واقع الحقيقة ..إلاّ أن الحال يختلف تماماً في النثر المكتوب على شكل مقالة أدبية عميقة ...فلا خيار لدينا إلا أن نؤمن بأنه الالتصاق بالواقع بل والمجادلة في تفاصيل هي في يومٍ ما مرّت بأحدنا على الأقل أو بنا أجمعين ؛ ....الأنيقة التي عرفناها من خلال الشاشة الفضية الإعلامية القديرة ريما كركي وضعتنا أمام لوحة رائعة تحركها أجنحة الكلمات وتجملها دقة التصوير والتصوّر في المطار و الذي لا مفر من الحزن أو الفرح في ساحته . ......... المطار...ساحة اللقاء والوداع..أرض الدموع باختلافها...مكان يتشابه فيه الناس..تلتقي فيه العيون..تبرق فيه دمعة أمل بلقاءٍ آخر, هو نسخة وهمية عما قد يشبه"الموت المؤقت"..فالأحبة راحلون إلى أرض أخرى..بعيدة..قد لا نراهم ثانية...قد ينسونا...قد يتغيرون...كل الجنسيات قد تجتمع في هذه البقعة الواحدة...البعض يحاسب ويعاتب ويخاصم ويسامح حتى اللحظة الأخيرة،والبعض الآخر يصاب بحالة خرس تامة...ينسى كل ماأعده من وصايا ووعود..تغرق يداه وشفتاه في وجوه أحبائه..يحاول لمسهم بأي طريقة،كمن يخزَن من دفئهم لأيام قارسة آتية , كذلك في اللقاء..نسأل كل ثانية"إذا وصلت الطائرة؟!"كأن من ننتظره يظهر علينا من دنيا أخرى حين نراه قادماً باسماَ،راكضاً نحونا كأنه نجا من حالة خفنا أن تكون ثابتة. يصل، نحضنه،نحاول التأكد من أننا نعيش واقعاً ملموساً،نكثر من القبلات والاحتضان،نبكي،نضحك،تضيع ملامحنا...فهي لحظة العودة،عودة النبض إلى الروح...فرصة لكسب وقت إضافي "نشبع"فيه من بعضنا...نبَرد فيه شوقنا الجائع المتلهف.. المطار..أرض تحتضن دقات القلوب وقلقها...أرض الأسئلة التي جواب لها...أرض الوعود التي يتصارع عليها الأمل واليأس،الخوف والتحدي...دنيا من كلمات اختنقت في صدورنا...صرخات صامتة مدوية أعلى من صدى"النداء الأخير للمسافر على متن الطائرة"... * * * * * * * المطار...هي لم تعتد بعد مواجهة هذا المكان....يرعبها صوت"النداء الأخير"...."يعصرها" تكراره...."النداء الأخير" للمسافر المتأخر الذي لايريد مفارقةحبيبته...كالطفل الصغير الخائف...والرافض لكل النداءات الأخرى... برد شديد ينتابها،كلما دخلت هذا المكان...قلبها يهرب...يداها ترتعشان...تتعرقان من الصقيع...ترتجف...تنظر إلى ساعتها كل ثانية..تطمئن إلى أنه لا يزال هناك لحظات للتنفَس...وقت قليل لتسرق الهواء والشمس من عينيه..قبل أن يرحل...ليعود الخوف رفيق أيامها....خوف من "المجهول المعلوم"...من انتظار لن ينتهي هذه المرَة..... للإعلامية القديرة / ريما كركي