"اتفقت العادات، واختلفت التكاليف"، هكذا يوصف الزواج في منطقة الباحة بين الماضي والحاضر، فمن العناء إلى الراحة ومن البساطة إلى التكاليف ومن زيجات تحصى بالعدد إلى آلاف حفلات الزواج. ولعل المتابع لحفلات الزواج بالباحة يدرك حجم الفارق الكبير بين ما كانت عليه تلك الحفلات قديماً وحديثاً، ففي الوقت الحاضر لا تكاد تخلو قصور الأفراح والقاعات والاستراحات من حفلات الزواج الفردية والجماعية طيلة أيام فصل الصيف، بينما كانت الحفلات قديماً تقام في المنازل وفي الأراضي الفضاء في كل قرية، وكانت أعدادها محدودة جداً. ويقول في هذا الصدد أحد أبناء منطقة الباحة عبدالله الغامدي "كان الزواج في الماضي مشقة وتعب وبذل جهد وذلك بإقامة الصيوان والمخيم ومد الزل، أما الآن فقصور الأفراح والقاعات أصبحت مهيأة لإقامة الزواج وأعطت الكثير من الراحة لأهل العريس والعروس"، مشيراً إلى أن الزواج من المناسبات المميزة في المنطقة؛ إذ يتم وفق خطط يضعها العريس وأسرة العروس، ويحضره جميع المدعوين تلبية لدعوات أصحاب الزواج، إضافة إلى توافد الكثير ممن لهم علاقة أو قرابة بالعريس من خارج المنطقة. وهناك بعض الطقوس لأهالي منطقة الباحة التي يتمسكون بها في الزواجات ويتناقلونها من جيل إلى آخر، مثل مراسم الزواج التي تتم بدءاً بالخطوبة /المصاهرة/ وانتهاءً بليلة الدخلة /يوم الزفاف/، إلى جانب وقت الفرح الذي يبدأ من صلاة العصر إلى صلاة العشاء في العديد من قرى المنطقة، ويزيد وقته في قرى أخرى حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً. ويستذكر هنا غرم الله بن محمد الزهراني /71/ عاماً ما كان يتميز به الزواج قديماً من بساطة وعفوية، حيث كان عبارة عن مشاركة بسيطة من الأقارب والأهل، وكان الفرح يعم أرجاء القرية لعدة أيام، مشيراً إلى أن الزواجات في هذه الأيام أصبحت تكاليفها عالية، وأصبح الفرح بها منحصراً في ليلة الزفاف فقط. وعن مظاهر الزواج يشير سعيد بن يحيى الزهراني إلى أنها تبدأ من بعد صلاة العصر حيث يتجهز أهل العريس وأقاربه وجماعته لاستقبال الضيوف وأهل العروس، مفيداً أن مراسم الاستقبال تتنوع حسب ما تم الإعداد للزواج فقد يكون هناك استقبال بأداء العرضة للرجال ورفع القصائد بالتراحيب للضيوف، وقد يكون الاستقبال مقتصراً على استقبال الضيوف الذين يكون في مقدمتهم العريس وأعيان القرية؛ إذ يتوجهون إلى مجلس الضيافة ويباشر شيخ القبيلة أو معرف القرية أو أحد أعيانها بتأدية علوم الديار "العلم" فيما يقوم الطرف الآخر بالرد على علوم الضيوف ثم يتناولون بعد ذلك وجبه تسمى "اللطف" مكونة من سمن وموز وعسل وخبز بلدي وتمر ويتناولون القهوة والشاي. أما عند النساء فتقول نجمة الزهراني "إن عادات الزواج بمنطقة الباحة تبدأ باستقبال أهل العريس لأهل العروس من بعد صلاة العصر، حيث يتقدمن كبار السن من النساء لاستقبال العروس وذلك باطلاق الزغاريد وضرب الدفوف إعلاناً بقدوم العروس، ثم يصطف الجميع لأداء "اللعب" باستخدام الدف وإلقاء بعض القصائد الترحيبية من الطرفين". وعن الوجبات التي تقدم للنساء تقول زهرة الغامدي "في الماضي كان يتم دعوة الجميع إلى سفرة الضيافة" اللطف " التي تقدم فيها الخبزة والعسل والسمن، فيما يتم في والوقت الحاضر تقديم الحلوى مع الأكلات الشعبية والقهوة والرطب والمعجنات والعصائر "، مشيرةً إلى أنه برغم تغير مراسم الفرح في الوقت الحالي إلا أن كبيرات السن في العديد من قرى المنطقة لا يزلن متمسكات بالزى والملابس القديمة مثل الثوب المكلف والتحلي بالفضة. وتقول نورة أحمد الزهراني واصفة مراحل زفت العروس في الوقت الحاضر " عندما يحل المساء تزف العروس في أبهى حلتها أمام الحاضرات ويصاحب ذلك بعض مراسم الزفة من الموضات الحديثة التي انتشرت بين النساء من باب التنافس في زفة العروس، إلى جانب قيام العروس في ليلة زفافها بتقديم الهدايا لأقاربها وأقارب العريس وذلك تعبيرا عن فرحتها بالزواج "، فيما تؤكد عائشة الزهراني أن كثيرا من زيجات الوقت الحاضر أصبحت تعتمد على الطقاقات في أحياء الحفل عند النساء بعد أن كان مقصوراً على الدفوف والزغاريد واللعب، فضلاً عن تعدد الموديلات وتنوعها في اللبس التي تعتمد على الفساتين والذهب والإكسسوارات. ومن الفروقات بين الزواج في الماضي والحاضر نجد أن مهر العروس في الماضي يتراوح ما بين خمسة آلاف ريال إلى عشرة آلاف ريال، أما في الوقت الحاضر فيتراوح من 35 ألف ريال إلى ما يقارب مئة ألف ريال، فيما كانت تقتصر وجبة العشاء في الماضي على ذبح عدد قليل من الأغنام أو البقر، بينما في الوقت الحالي يتم ذبح العشرات من الأغنام إلى جانب الجمال، علاوة على تقديم الفواكه وأنواع الحلوى والإيدامات والسنبوسة وغيرها. ومن أبرز ما تشهده الزواجات في الوقت الحاضر هي تلك الزيجات الجماعية التي تساهم بشكل كبير في الحد من النفقات العالية للزواج؛ إذ تتبنى الجمعية الخيرية لتيسير الزواج بالمنطقة سنوياً تزويج مالا يقل عن 60 عريساً وعروسة، فضلاً عن لجان التنمية الاجتماعية في بعض القرى التي تقوم بتنظيم العديد من الزواجات الجماعية التي يساهم فيها المتزوجون بمبالغ رمزية لا تتجاوز العشرة آلاف ريال، فيما تتكفل تلك اللجان والموسرين من أهالي القرية بباقي تكاليف الزواج.