الإشاعة مرض اجتماعي وليد تراكمات نفسية عايشها الأفراد، فأصبحت ورماً ذاتياً يصيب الشخصية برجات وهزات أشبه بزلازل الأرض.. كثير من الأحداث الطبيعية والاجتماعية والسياسية تمر على المجتمعات، فيتصدى لها أصحاب الإشاعة، فيضيفون إلى الحدث أحداثاً، ويلفون أي قضية بلفائف من كذب، مصورة بشكل متقن ومثير، ما يجعل تصديقها أمراً وارداً وطبيعياً. مختلق الإشاعة يعاني عقدة نقص كامنة في الروح، ويريد من إطلاق الإشاعة، إثبات الذات وتأكيد أنه موجود وحاضر بقوة، وقادر على أن يؤثر في أفكار الآخرين، بل ويغير قناعاتهم ويعبث بمشاعرهم، والإحساس بالسعادة لدى هؤلاء الأشخاص، لا يتم ولا ينضج إلا عند الشعور بأن ما تم إطلاقه من فقاعات، أصبحت بالونات ملونة وزاهية يتلقفها الناس بدهشة ولهفة.. وفي عصر الإعلام الإلكتروني، وجد المروجون ضالتهم الكبرى، فصارت الإشاعة اليوم تتفشى في الأوساط الاجتماعية مثل النار في الهشيم، وفي سرعة التيار الكهربائي، تصعق وتُحدِق وتغرق وتسرق وتمرق وتمزق وتحرق وتفتق ثوب النسيج الاجتماعي، وتغير وتطير أجنحة الأبابيل على رؤوس المخدوعين، والمسلوبين، والمنهوبين، والمغلوبين، وقد تحدث من وراء الإشاعة ثورات اجتماعية وأسرية وسياسية أيضاً، لأن أصحاب الإشاعة لديهم قدرات هائلة على رسم الصورة وتلوين المشهد الكاذب، ما يسلب لب السامع أو المشاهد أو القارئ. هؤلاء متخصصون ومتفننون في صناعة الكذبة، ومعتنقون خيالها الخلاب إلى درجة الإدمان.. هؤلاء يجدون اللذة، في انتشار الكذبة ولا يهمهم، الأضرار الفادحة التي قد تصيب الأفراد المعنيين أو المجتمع، لأنهم أشخاص ناقمون، جامدون، فارون من عدالة الضمير، هاربون من تأنيب الذات، خارجون على نص القيم الإنسانية العالية. أصحاب الإشاعة يملكون من لباقة الحديث وسعة الخيال ما يجعلهم ينسجون الحكاية ويخيطون الوشاية بدراية ووعي، لأنهم يبحثون عن خلاص من عقدهم النفسية، ويفتشون عن متنفس لاحتقانات وتراكمات صخور رسوبية أجج اصطدامها زلازل عنيفة في ذواتهم، الأمر الذي يدفعهم إلى التعويض من خلال اندفاعهم وسعيهم بقوة لأجل تحطيم مشاعر الآخرين والاستيلاء على أفكارهم وكأنهم يريدون أن يقولوا: ها نحن قادرون على اصطياد الأسماك في بحار الآخرين، ها نحن نمتلك القدرة على إثبات الذات من خلال السطو على ذوات الآخرين، ها نحن أقوياء ولسنا ضعفاء عندما يصدق الآخرون أكاذيبنا ويحسبونها حقائق واقعة، بل وتشكل جزءاً مهماً من شخصيتهم.