كل منا له جيران وكلما كانت الحقوق حاضرة ومحفوظة كان الخير في النفوس، وقديما قالوا (الجار قبل الدار) كما قالوا (على قدر الجار يكون ثمن الدار) وفي زمن مضى كانت حقوق الجار عظيمة تنسج معاني التكافل والتراحم وهكذا كانت الحارة زمان والمجتمع الواحد كالجسد الواحد. والحمدلله أن أنعم علي بجيران أكرم بهم وأنعم، فالخير فيهم وقد استقوا انبل الفضائل وانصعها من والدهم رحمه الله رحمة واسعة وتزودوا بالتقوى التي تزينت بها اخلاق والدهم في المعاملة وحسن الجوار والمشاركة والسؤال وتفقد الاحوال والمودة والمعروف، انهم ابناء الشيخ حسن بن ابراهيم العمري - رحمه الله - وقد احببته انسانا نبيل الخلق وكان شخصية من شخصيات المجتمع لاخلاقه قبل ان يكون مسؤولا اداريا في المحكمة الشرعية الكبرى بجدة لسنوات طويلة ولطالما افاضا على احبائه وجيرانه بحسن اخلاقه ومواقفه وكان ايضا جاري في الصلاة بالمسجد واشهد انه كان خير رفيق وخير جار وخير صاحب. مما اذكره لطيب السيرة والذكر اخي الشيخ حسن العمري رحمه الله - خلقه الجميل ونقاء مظهره ومخبره ونفسه النقية نقاء الثلج، وحديثه الذي لم يذكر احدا فيه بسوء، بل كان قلبه خاشعا ولسانه ذاكرا وفي معاملته وكلامه ومواقفه كحامل المسك. فقد كان يبادر بالسلام ويرد التحية بأحسن منها، ولقاؤه مدعاة للسرور لطيب معشره وحضوره ومجلسه. ومن ذكرياتي معه التي كانت تحلو لنا بين يوم وآخر اننا بعد صلاة العصر في شهر رمضان المبارك وعندما تكون حرارة جدة ربيعية كنا نمشي على طريق مكة القديم حيث سوق شعبي به شتى الخضروات الطازجة والرياحين من نعناع وورد، ويأخذنا الحديث عن نعم الله علينا وعلى بلادنا حتى نصل الى منازلنا وقد غمر النفس انشراحا وراحة بال لنلتقي مجددا في صلاة الجماعة مغربا وعشاء والتراويح، فقد كان يرحمه الله ممن يسارعون الخطى الى المسجد، ولا أنسى مآثره في مواقف كثيرة كان فيها نعم الأخ ونعم الجار.قبل أيام فوجئت بهدية من طيب العود تفضل بها أبناؤه ففاضت عيني بالدمع وأنا أتذكر والدهم رحمه الله، وكيف أنعم الله عليهم بأخلاق والدهم والبر له، عندما أحبوا من كان يحبهم ويحبونه وقد غرس فيهم هذه الفضائل جزاهم الله خير الجزاء وبارك فيهم على هذا البر بوالدهم والمحبة لجيرانهم. انني أتذكر ذلك فأرثي لحال حقوق الجار اليوم التي تغيرت في النفوس إلا من رحم ربي.. وحياتنا اليوم والأجيال الجديدة تفتقد مثل هذه الروح ولذلك انتشرت العزلة وسيطرت على حياة الكثيرين، ففقدوا الشعور بجيرانهم وللأسف فإن البعض يشعر بحقوق الجار وكأنها عبء على حياتهم وخصوصيتهم ولهذا لا نستغرب انتشار آفات اجتماعية وضعفت روح التربية من المجتمع وروح التكافل بين الجيران بل ان البعض يتوارى عن جاره أو يبادله السلام على أكثر تقدير دون مصافحة. لقد عظَّم الاسلام حق الجار، وظل جبريل عليه السلام يوصي نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشرع سيأتي بتوريث الجار: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت انه سيورثه". وقد أوصى الحق تبارك وتعالى في كتابه الكريم بالبر بالوالدين وبالاحسان الى الجار: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب". ولننظر كيف حض النبي صلى الله عليه وسلم على الاحسان الى الجار: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره". وعند مسلم: "فليحسن الى جاره" فما أعظم بر الوالدين في حياتهما وبعد وفاتهما وما أعظم حق الجار أيها الأحبة.. اللهم أهدي نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها. * حكمة: قال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين احسانا" الآية. 026930973