منذ القرون الأولى فالعلماء يجمعون خطبهم المنبرية التي يلقونها في الجمع والأعياد في كتب، تداولها في العصور المتأخرة أئمة ووعاظ حظهم من العلم قليل، حتى ان كتاب الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن اسماعيل الفارقي، الشهير بابن نباته، والمتوفى سنة 374ه متداول بين هؤلاء حتى اليوم، وقد كثرت هذه الكتب وتداولها الخطباء في مدننا وقرانا، يعتمد عليها الخطباء وينسون واقع الحياة في عصرهم وزمانهم، فللامام محمد بن عبدالوهاب يرحمه الله كتاب خطب يتداوله كثير من الائمة في بلادنا وخاصة في قرى نجد، وللشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي يرحمه الله خطب بعنوان الفواكه الشهية في الخطب المنبرية، وأخيرا للشيخ صالح الفوزان كتاب (الخطب المنبرية للمناسبات العصرية) ومن عرف البدايات في هذا الوطن لابد وانه سمع من خطيب دعاء لحاكم كان قبل عقود أو مئات السنين، بسبب عدم ادراك الخطيب للواقع، وسمع من آخر معالجة قضية لم يعد لها وجود، ولكن الغريب في بلادنا ان لنا خطب منبرية دائمة، تكاد أن تكون نسخة واحدة تتكرر، فلكل شهر خطبة يحذر فيها من مناسبة فيه، ففي شهر المحرم تجد جل خطباء مساجدنا يذكر الناس في إحدى خطبه بعظم مخالفتهم للشرع من وجهة نظره ان احتفوا بأول السنة الهجرية، أو ان احتفلوا بذكرى الهجرة النبوية، وان جاء شهر صفر عمد الى تبنيهم ألا شوم في صفر، رغم ان هذا انما كان في الجاهلية، ولم يعد يأبه الناس لشؤوم مرتبط بشهر أو يوم، وإذا اقبل شهر ربيع الأول تذكر خطباؤنا ان بعضا منا يتذكر بفرح مولد سيد الخلق وخاتم النبيين وأمام المرسلين سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم فنهوهم ذلك وشددوا عليهم، فالأمر في نظرهم بدعة تهدم الدين ان يحتفى بالمولد الكريم، وإذا اقبل رجب حذروا الناس من تخصيصه بصيام أو عبادة صلاة، ونهوهم عن تذكر معجزة الاسراء والمعراج أو الاحتفاء بها، وإذا أقبل شهر شعبان حذروا الناس من قيام ليلة منتصفه، فهي البدعة التي تصرف الناس عن صحيح العقيدة، ولن ينسى خطباؤنا الأفاضل ان ينهوا الناس عن استخدام ألفاظ يرون انها بدعة، فعليهم ألا يصفوا مكة بالمكرمة، والا يصفوا المدينة بالمنورة، ولا بأس أن يعيدوا القول بين الحين والآخر عن أبوي الرسول عليه الصلاة والسلام، وانهما ماتا بزعمهم على الكفر، ومن كان كذلك فمصيره جهنم، أعاذنا الله منها وأعاذهما، ويمضي العام وكله مناسبات لما ينهى عنه، وما يبقى من خطبه فهو ذم لليبرالية والعلمانية والقومية والوطنية والعصرانية، وكل هذا في نظرهم رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه، وتعجب حين تدرك ان ما ينهون ويحذرون منه، رغم تطاول الزمان يفعله الناس، ولا يمكنك إلا أن تقول: أما ان ما يقوله هؤلاء ليس حقا، وإما أنهم لا يمتلكون أسلوباً علمياً يقنعون به الناس، وفي كلا الحالين يصبح الأمر عبثاً لا طائل تحته، فهلا أدركوا هذا، هو ما نرجوه والله ولي التوفيق. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6207043