شهر رمضان هو موعد سنوي كَتب الخالق على المخلوق الذي يشهده بأن يصومه، ولأن الحكيم العليم سبحانه لم يترك شيئاً إلا وفصله في الكتاب فقد حدد لنا وقت الصوم بشهر وفصل لنا مواعيد يصعب خطأها لبدء الصوم ونهايته اليومية، ولأن الصوم هو علاقة سرية بين الخالق والمخلوق لا يستطيع معرفة صدقها إلا الله، سوف نتطرق طوال الشهر إن شاء الله للحدث الأهم في رمضان وهو نزول القرآن الذي أنهى به الخالق فترة الرسل لاشتماله على كل ما جاء به هؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام الذين أمرنا خالقنا بألاَّ نفرق بين أحد منهم لأنهم جميعاً عرضوا نفس المنهج والصراط المستقيم للبشرية الذي تممه، وضحه وفصله الخالق ثم حفظه في بيان للإنسان سماه سبحانه قرآناً. تفصيل الكتاب علمنا أن القرآن يُتلى، يُرتل ويُتدبر كي يصل الإنسان إلى أعماق معانيه التي شبهها الدكتور فاضل السمرائي بمحيط عميق كل من غاص فيه سوف يخرج منه بشيء ثمين، ومعنى التلاوة هو المتابعة، والترتيل من رتل الكلام إذا أتبع بعضه بعضا بتمهل فيه فأحسن تأليفه، التدبر هو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة، ولفعل ذلك تحتاج إلى اجتماع القلب والفكر حين القراءة لكي يُعقل المعنى فتتأثر النفس فينتج منها البكاء، الخشوع، القشعريرة ....الخ. في رأيي إن اجتماع القلب والعقل لترتيل وتدبر القرآن الذي ينتج بعض أو كل ما سبق قد يحدث بطريقتين من شخصين، الأول يعيشها عند آيات الوعيد وتزول بزوال رمضان أو حتى بعد الخروج مباشرة من المكان الذي حدثت فيه حالة الخوف أو الروحانية العابرة، الثاني يعرف أن هذا القرآن هو دليل الخالق الأساسي للبشرية ويعمل على تدبره وتطبيق أحكامه الواضحة في المنزل والعمل مع الأصدقاء أو الأعداء قدر المستطاع، في رأيي ماجعل الأول لا يؤثر القرآن في حياته ومعاملاته هو تناسيه أن ما يجيش في صدره مما يخفيه عن الناس قد أحصاه العالِم بما في الصدور سبحانه، ولهذا تكمن الحكاية في النفس التي قد تكون لوامة أو مشككة في ما ينتظرها يوم القيامة. لهذا قد لا يجدي التفاخر بختم المصحف كل يوم أو يومين في رمضان لأن هذا دليل على أن الفاعل لم يرتل أو يتدبر ما كان يطالع وإلا لما استطاع أن يختمه بسرعة سيارات السباق (فورملا ون) وعندما تعرف أن القرآن لم يكتمل نزوله خلال شهر رمضان وأن الراسخين في العلم يقضون العمر كله لتدبر القرآن ولا يصرحون بأنهم أحصوا كل كنهه، عندها يجدر بنا جعل رمضان وقتاً مكثفاً للتفكر بالقرآن أكثر من باقي شهور العام التي لابد أن يكون فيها أوقات لفهم دليلك الذي جاءك من عند خالقك مع الاستعانة بالتوضيحات النبوية الموثوقة والمطابقة لمنهج القرآن الذي تعهد الخالق بحفظه إلى يوم الدين. عضو الجمعية العالمية لأساتذة إدارة الأعمال – بريطانيا