يقترب العام الميلادي من نهايته، ويبدأ في مدن وقرى أسبانيا نصب الزينات في الشوارع المؤدية إلى مراكز المدن والقرى، وإلى المجمعات التجارية العديدة التي لا تضاهيها في العدد إلا مجمعات جده والرياض، وتزهو واجهات المتاجر بما تعرضه من أقفاص وسبتات الهدايا المنزلية التي اعتاد الأسبان تقديمها بمناسبة عشاء ليلة الميلاد ( الكريسماس) وهي تحوي أنواعا فاخرة من اللحوم المقددة والمشروبات الفاخرة والفواكه الطازجة وكميات من الحلويات والسكاكر، إضافة إلى عرضها لتشكيلات واسعة من ألعاب الأطفال التي دخلت الإلكترونيات في تشكيلتها ، والملابس على مختلف موديلاتها وخاصة الرسمية منها كالتاكسيدو (أي البلاك تاي) للرجال، والسواريه (فساتين السهرة للسيدات). وكعادة رشا في الاستعداد المبكر ، فقد باشرت بإعداد القوائم واقترحت الهدية المناسبة لكل قريب وصديق وتوصلت للمبلغ الذي على والديها تأمينه لها لتغطية قيمة هذه المشتريات، فصدمت بقول والدتها لها: " شدي الحزام" وعودي إلي من بعد . فقصدتني لمعرفة ما ذا يعني شد الحزام في قاموسنا العربي، فهي كما تصفها والدتها"جلد على عظم" ولو شدت الحزام لانقطع وسطها. أفدتها بأن شد الحزام يعني ترشيد الإنفاق والاكتفاء بالضروري والرمزي من الهدايا تقديرا للظروف الاقتصادية التي تمر بها جميع دول العالم بسبب انهيار النظام المالي العالمي الناجم عن جشع واستهتار المتحكمين بدورة المال العالمي في نيويورك مما أدى إلى إفلاس العديد من البنوك التي كانت تمول المشاريع وتوفر فرص العمل للشباب في كل دول العالم ، ورحمة بوالدها الذي قضى سوق الأسهم على كل مدخراته وهدد منزلكم بالحجز إذا لم يعد اللون الأخضر للوحة سوق الأسهم . تساءلت رشا كيف سيكون وضع السوق المحلي المتخم بالمعروضات إذا شد الجميع أحزمتهم واكتفوا بصرف ما يوازي عشر أو ربع ما تعودوا صرفه في مثل هذه المناسبات؟ وكيف تستعيد المصانع قيمة ما زودت به المخازن التجارية من بضائع ؟ ومن أين تسدد المعارض رواتب موظفيها وإيجار مبانيها؟ وكيف ستمر الأعياد على الأطفال وقد تعودوا الكرم من بابا نويل فيؤمن لهم ما حلموا به من لعب وأجهزة تسلية يرميها لهم تحت شجرة الصنوبر المزدانة بالكرستال الملون واللمبات الكهربائية ؟ وهل سنجد الخروف المشوي واللحوم المقددة والديك الرومي وتشكيلة من الأسماك وفواكه البحر بجانب البائيلا والمقبلات العديدة على مائدة عشاء ليلة عيد الميلاد؟ أم سنكتفي بالسندويتشات ولفائف الشاورما والفلافل التي ألفنا على تناولها في نهاية الأسبوع الأخير من كل شهر؟ أكاد لا أصدق ما حصل. أجبتها بأننا نعيش عصر العولمة الذي تداخلت فيه مصالح الأمم والشعوب مع بعضها البعض فأصبحنا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر البدن بالسهر والحمى ، وقد تعرضت بنوك إمبراطورية الاقتصاد الأكبر في العالم للفساد والخراب فعم الضرر اقتصاد بقية دول العالم، ولا أمل في تجاوز هذه المحنة إلا بالتعاون بين الدول الغنية باقتصادها وتلك الغنية بمواردها على إصلاح النظام المالي العالمي لوضع أسس العون والمساعدة للاقتصاد الأمريكي ليسترجع عافيته بالتدريج و لا يذهب عوننا له هباء منثورا. وإلى أن يتم ذلك ، وإلى أن تظهر علامات الصحة والعافية على الاقتصاد الأمريكي أولا ومن ثم في بقية دول العالم ، يتوجب على الحكومات التي تعاني أسواقها من الكساد أن تدعم المشترين بالسيولة اللازمة لتحريك الأسواق وتصريف المعروض من البضائع، وأذكر أن اليابان مرت بتجربة كساد مماثل في نهاية القرن العشرين الماضي ، واقترب العام المالي على نهايته والبضائع مكدسة في المتاجر وربات البيوت ترفض النزول الأسواق لشراء ما هو غير ضروري و لازم، فقامت الحكومة اليابانية بتقديم شيكات هدية من الدولة لثلث عدد السكان بالقرعة بقيمة تقارب السبعمائة دولار للشيك الواحد قابلة للصرف في المخازن التجارية فقط وخلال ما تبقى من العام الميلادي،قبل بها بعض ربات البيوت فاستخدموها في شراء ما يلزمهم لموسم الأعياد من المخازن الكبرى واعتذر الأخريات من باب الكرامة والإباء. تساءلت رشا عما إذا كانت حكومات الدول الأوربية ستأخذ إجراء مماثلا لتحريك الأسواق ، وتساءلت معها عما إذا كانت تلك الدول لها أخلاقيات اليابان في دعم الاقتصاد.