الخير يعم والشر يعم، وزلزال الرهن العقاري الذي أصاب الولاياتالمتحدةالأمريكية ، وأدى إلى إفلاس العديد من كبرى بنوكها التي كانت إلى الأمس القريب تتحكم في اقتصاديات العالم، وما حل بشريحة كبيرة من المواطنين الأمريكان من متاعب ومضايقات من أهمها مصادرة مساكنهم لعجزهم عن دفع الأقساط، وركود الاقتصاد العالمي بجمود حركة البيع والشراء وخاصة في الأسابيع الأخيرة من السنة الميلادية ، أصاب بحممه المدمرة والحارقة جميع بلدان العالم . وهنا في أسبانيا ،ومن أجل توفير السيولة النقدية ، علقت يافطات التخفيضات الموسمية في المجمعات التجارية والمخازن الكبرى ، ومثل هذه التخفيضات كانت تعلن في مطلع يناير من العام الجديد . وانتشر الخوف من التوسع في التسريح بين العمال وموظفي القطاع الخاص. ومع هذا ، لا يزال الأسبان ينتشرون في الشوارع والمجمعات التجارية – كعادتهم قبل الأزمة الاقتصادية – ولساعات متأخرة من الليل، يسهرون ويسمرون، يمتعون نظرهم بما تعرضه واجهات المعارض والمحلات التجارية من بضائع، من باب العلم بالشيء و لا الجهل به، حتى المطاعم أصابها زلزال الرهن العقاري فتقلص عدد زبائنها الذين تحولوا إلى الوجبات السريعة. هذا ما نقلته لي رشا من أخبار السوق والتسوق، وهي تتساءل كيف يكون عليه الحال في العام القادم والعام الذي بعده،بعد أن أعلن سيد البيض الأبيض ، ومعه من بيدهم أمر العباد في بلاد الله الواسعة، أن الزلزال لن يخمد العام القادم ، ولا العام الذي بعده. حدثها والدها عن أيام الحرب الأهلية الأسبانية وما تلاها من سنوات عجاف كان الفقر خلالها سيد الموقف، وأن الكثير من أهالي الأندلس عبروا البحر إلى الساحل المغربي بحثا عن فرصة عمل ، ووقتها ، كان بعض المغاربة يطلقون عليهم وصف " أبو رقعة " لكثرة الرقع في بناطيلهم وقمصانهم، والدها يذكر ذلك جيدا حيث كان والده من بينهم، قضى سنوات عديدة ما بين مدينتي طنجة و تطوان يحسده عليها الكثير من أهله وصحبه الذين لم تتوفر لهم فرصة العمل في المغرب، واليوم – كما يقول والدها - يعاني أهل المغرب والعديد من شعوب العالم الثالث من ضيق ذات اليد ، ويخاطر العديد من شبابهم بحياته وهو يعبر البحر خلسة إلى الشمال بحثا عن فرصة عمل. في قناعته أن الدنيا دولاب ، يوم لك ويوم عليك، وما الأزمة التي يعيشها العالم المترف - وأسبانيا من بينهم - إلا تذكرة لمن يتذكر فتنفعه الذكرى، ويقول أن بالقرب من بلداننا شعوب جار عليها الزمن من بعد عز، وللجار حق على الجار، وعلينا نحن الأوربيون أن نعيد حوار الشمال والجنوب ، لنرد لأهل الجنوب بعضا مما قدموه لنا على مدى العديد من القرون، ولنحافظ على المودة فيما بيننا وبينهم ، ومن يدري ما يخبئ الغد لنا ولهم ؟ تنقل لي رشا شكوى الصديق الياباني من زلزال الرهن العقاري الذي أصاب مصانع السيارات اليابانية وصناعات أخرى بضرر جسيم ، وتسبب أيضا في تأجيل عديد من البلدان المتمكنة ماليا لمشاريع إنمائية كان يؤمل منها الخير الكثير لليابان ولدول صناعية أخرى . فوفقا للتحليل الاقتصادي لصحيفة الجابان تايمز ، انتقلت تأثيرات الأزمة المالية العالمية إلى شركات البناء والإعمار والمقاولات في الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا "بما يجبر هذه الشركات وبشكل متزايد على تأجيل أو تقليص مشاريع تطوير المنتجعات والبنية الأساسية هناك ،وبما قد يؤدي إلى تدهور الاقتصاديات هناك قريباً" ،واستناداً إلى صحيفة نيهون كيزاي شيمبون المتخصصة بالشؤون الاقتصادية فإن إمكانيات التمويل لشركات الإعمار والبناء والمؤسسات المالية في تلك المناطق تعاني بشكل كبير نتيجة أزمة السيولة في الأسواق بما يجبرها على إعادة النظر بمشاريعها وتقييمها من جديد، وأن عددا من شركات البناء المرتبطة بالدولة في دبي بدأت بمراجعة مشاريعها ثانية وبينها شركة أعمار المختصة ببناء ناطحات السحاب والتي أعلنت مؤخراً عن تخفيض في عدد موظفيها وعمالها ، وأن عددا من المشاريع الصناعية تلقت صدمة بسبب الأزمة المالية مثل مشروع مصنع إنتاج الألمونيوم في المملكة العربية السعودية من قبل شركة ريو تينتو الاسترالية ومن المتوقع تأجيله لمدة عامين، وفي سنغافورة وماليزيا وفيتنام تلاقي مشاريع مماثلة نفس المصير حسب الصحيفة اليابانية التي نقلت عن مسؤول من بنك اليابان للتعاون الدولي قوله بأن عدد كبير من المصارف الأوروبية والأمريكية التي تستثمر في مشاريع عديدة في البنية الأساسية في تلك الدول "طلبت من اليابان الاستحواذ على تلك المشاريع". وتنهي رشا حديثها بقول والدتها : أنه في ظروف عالمية كهذه ،على الجميع شد الحزام وترشيد الإنفاق، وأن نتذكر مستقبلا أن في أموالنا حق للسائل والمحروم ، تناسيناه لسنوات عديدة وجاء الزلزال العقاب، فليغفر الله لنا ، ويرشد أولي أمرنا إلى وضع سياسة مالية واقتصادية فيها الكثير من الرحمة والعدل والإنصاف.