تستمر قوات بشار الأسد في ارتكاب المجازر في المناطق المأهولة بالمدنيين مع التركيز على حمص ودوما وحلب خصوصاً، حيث قتل في هذه النواحي الثلاث 27 مدنياً أمس في قصف لقوات النظام على مناطق عدة واقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في سوريا، ما يجعل اتفاق الهدنة المعمول به منذ نحو شهرين يترنح على وقع هذا التدهور الميداني الجديد. ودافع منسق المعارضة السورية رياض حجاب عن قرار الهيئة العليا للمفاوضات تعليق مشاركتها في محادثات السلام في جنيف، منتقداً مبعوث الأممالمتحدة الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا بسبب تزايد العنف في البلاد. ففي مدينة حلب ولليوم الثاني على التوالي من الغارات المكثفة لقوات النظام، قُتل 12 مدنياً في قصف جوي طال حي طريق الباب في الجزء الواقع تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في شرق مدينة حلب، وفق ما أفاد مصدر في الدفاع المدني. وأظهرت صور فيديو التقطها مراسل «فرانس برس» حجم الدمار الذي لحق بحي طريق الباب حيث بدت واجهات أبنية مدمرة بالكامل، وحيث عملت فرق الدفاع المدني على إجلاء السكان والجرحى وبينهم أطفال. ومدينة حلب مقسمة منذ العام 2012 بين أحياء شرقية تسيطر عليها الفصائل المقاتلة وأخرى غربية واقعة تحت سيطرة النظام. وتشهد منذ ذلك الحين معارك شبه يومية بين الطرفين، تراجعت حدتها بعد اتفاق وقف الأعمال القتالية. وقال محمد مشهدي (42 عاماً)، أحد أفراد الدفاع المدني في حلب، «أعتقد أن الهدنة انتهت مع أول قذيفة سقطت على المدينة». وأضاف «النظام يكثف من غاراته الجوية التي أصبحت يومية وبمعدل 20 غارة تقريباً». واعتبر أن «النظام لا يفهم لغة المفاوضات السياسية، إنما كل ما يتقنه هو القصف والقتل والتدمير فقط». واستهدفت الفصائل المقاتلة بدورها بالقذائف الجزء الغربي من المدينة. وأفادت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن «ثلاثة شهداء ارتقوا وأصيب 17 شخصاً بجروح متفاوتة جراء استهداف إرهابيي جبهة النصرة والمجموعات المسلحة المنضوية تحت زعامتها الأحياء السكنية في مدينة حلب». ويقتصر اتفاق الهدنة المعمول به منذ 27 شباط والذي يستثني تنظيم «داعش» وجبهة النصرة، عملياً على الجزء الأكبر من ريف دمشق، ومحافظة درعا جنوباً، وريف حمص الشمالي (وسط) وريف حماة (وسط) الشمالي، ومدينة حلب وبعض مناطق ريفها الغربي. وعلى جبهة أخرى، قتل بحسب المرصد السوري، «13 شخصاً بينهم طفلان وأصيب 22 آخرون جراء قصف مدفعي لقوات النظام» في حصيلة هي الأكبر منذ بدء الهدنة في مدينة دوما، معقل الفصائل المقاتلة في الغوطة الشرقيةلدمشق والمحاصرة منذ العام 2013. وتحدث المرصد عن اشتباكات بين الفصائل الإسلامية وقوات النظام في محيط بلدة بالا في الغوطة الشرقية. كذلك قتل شخصان في قصف جوي استهدف مدينة تلبيسة، أحد معقلي الفصائل المقاتلة، في ريف حمص (وسط) الشمالي، بحسب المرصد. وتدور منذ منتصف ليل الجمعة اشتباكات بين الفصائل المقاتلة وقوات النظام السوري في محيط المدينة. وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن «الهدنة انتهت، فهناك غارات واشتباكات على جبهات عدة من حلب الى دمشق». وأوضح «منذ بدء الهدنة كنت أجهز يومياً قائمة بالانتهاكات، أما اليوم فقد توقفت بسبب تزايد عدد الخروق». وأضاف «هذا ليس خرقاً، هذه حرب». وتأتي تلك التطورات غداة إعراب الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي تضغط بلاده من أجل إنجاح الهدنة والمفاوضات السياسية على حد سواء، عن «قلقه الشديد» إزاء احتمال انهيار اتفاق وقف الأعمال القتالية. وفي جنيف، حيث تواجه المفاوضات غير المباشرة رغم استمرارها مأزقاً، اعتبر موفد الأممالمتحدة الى سوريا ستافان دي ميستورا الجمعة أن «خطراً شديداً« يحيط باتفاق الهدنة. وتستمر هذه المفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة حتى الأربعاء رغم تعليق وفد المعارضة الأساسي مشاركته فيها. وفي ظل وضع ميداني وسياسي معقد، تشهد مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا توتراً أمنياً حيث تسري هدنة تم الاتفاق عليها الجمعة بعد اشتباكات استمرت يومين بين قوات النظام السوري ومقاتلين أكراد. ويعقد مسؤولون في الحكومة السورية وأكراد السبت اجتماعاً ثانياً لمواصلة محادثات حول الهدنة ستتركز وفق مصدر أمني، على «تبادل المقاتلين الأسرى من الجانبين وإعادة النقاط التابعة للحكومة التي تقدمت فيها القوات الكردية». وفي السياسة، دافع رياض حجاب منسق المعارضة السورية عن قرار الهيئة العليا للمفاوضات تعليق مشاركتها في محادثات السلام في جنيف وانتقد مبعوث الأممالمتحدة الخاص لسوريا ستافان دي ميستورا بسبب تزايد العنف. وكان حجاب يتحدث خلال زيارة يقوم بها وفد رفيع من مسؤولي الاتحاد الأوروبي لإقليم تركي يقع على الحدود مع سوريا. ويعكس انتقاد حجاب العلني لدي ميستورا الذي يُنظر له باعتباره محايداً في محاولاته للتوصل إلى اتفاق سلام في سوريا، مدى التوتر وهشاشة عملية السلام التي تقلصت على الرغم من إعلان المعارضة «تعليق» المحادثات ومغادرة كل أعضاء وفدها تقريباً لجنيف. وقال حجاب للصحافيين في غازي عنتاب حيث يزور مخيماً للاجئين بصحبة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، إنه على مدى عامين تولى فيهم دي ميستورا منصب مبعوث الأممالمتحدة الخاص لسوريا تزايدت أعمال القتل أو تضاعفت فضلاً عن تزايد عدد القرى والمناطق المحاصرة. وتعهد دي ميستورا بمواصلة محادثات السلام على الرغم من انهيار هدنة والفشل الذي قال حجاب إنه يجب أن يؤدي إلى إعادة تقويم من القوى الدولية والمؤشرات على أن الجانبين يستعدان لتصعيد الحرب الأهلية المستمرة منذ خمسة أعوام. ودعا بعض الديبلوماسيين دي ميستورا لممارسة الضغط لإنجاح المفاوضات. ودافع حجاب وهو رئيس وزراء سابق لسوريا عن قرار المعارضة بتعليق المحادثات، وقال إن المعارضة علقت مشاركتها في المفاوضات احتراما للدم السوري الذي أريق خلال عمليات القصف التي يشنها النظام وحلفاؤه واحتراما للسوريين الذين قتلوا جوعا بسبب الحصار واحتراما للسوريين الذين قتلوا تحت وطأة التعذيب.