- «يتعلمون للنصر»، هذا هو شعار مدرسة سان سير العسكرية للتعليم العالي العسكري والتي أنشأها القائد العسكري وإمبراطور الفرنسيين نابليون بونابرت في 1802، وكانت مدرسة تخصصية للعلوم العسكرية قبل أن يغير اسمها إلى «المدرسة الإمبراطورية الحربية». هذه المدرسة العسكرية الأقدم تاريخيا، تخرج منها في عام 1989 العميد ركن أحمد بن حسن محمد عسيري، بامتياز وحصد المرتبة الأولى على الدفعة. وإلى جانب كليات عسكرية شهيرة كسانت هيرس البريطانية وويست بوينت الأميركية، فإن سان سير الفرنسية تعتبر الأقدم والأكثر عراقة. العميد عسيري الذي يتحدث بطلاقة، الإنجليزية والفرنسية، كان مثار تساؤلات السعوديين، بعد اختياره كمتحدث رسمي لقيادة قوات تحالف «عاصفة الحزم» تلك التي انطلقت في السادس والعشرين من مارس (آذار) الماضي، تلبية لنداء الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه منصور هادي، الذي استغاث بدول الخليج العربي عبر رسالة وجهها إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، يطلب تدخلا عسكريا لوقف عدوان الحوثيين ومن ورائهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. فكان التحرك السعودي ضمن تحالف عربي - إسلامي ضم 10 دول، مع ارتفاع عدد الدول الراغبة في الانضمام لتحالف دعم الشرعية في اليمن. وبحسب صحيفة الشرق الأوسط بعد أقل من أسبوع من بدء العمليات العسكرية وظهور العميد عسيري اليومي في الإيجاز الصحافي ومواجهة سيل الأسئلة الصحافية باللغتين العربية والإنجليزية، كان سؤال لوكالة الأنباء الفرنسية، باللغة الفرنسية، أجابه عسيري باللغة نفسها. وتزايدت التساؤلات من هو العميد عسيري؟ الذي يتحدث الفرنسية والإنجليزية؟ لكن الأسئلة ظلت حائرة. براعته في الإجابة على أسئلة الصحافيين المحرجة، دقته في الإجابات، حضوره اللافت، كلها تزيد الشغف بين الصحافيين وغيرهم في الغوص في سيرة الرجل ومعرفة المزيد عنه. وللمستشار بمكتب وزير الدفاع السعودي، قصة نجاح طويلة. على الرغم من أنه عمل كمترجم باللغة الفرنسية إلى جانب عمله العسكري أثناء حرب الخليج الثانية والتي عرفت ب«عاصفة الصحراء»، فقد كان عسيري رجلا يعشق الظل، ويحصد الدرجات العلمية في مختلف المجالات، سواء تلك المرتبطة بعمله مباشرة أو غيرها، فهو يحمل شهادات في العلاقات الدولية والتاريخ والقيادة، وتدرج في العمل القيادي حتى تسنم مركزه الحالي مديرا لإدارة الاستشارات العسكرية في مكتب وزير الدفاع السعودي. وقبل بدء عملية عاصفة الحزم، نشرت وكالة الأنباء السعودية صورا لوزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان وهو يستقل طائرة مروحية عسكرية أثناء جولته التفقدية على القوات العسكرية جنوب السعودية وإلى جانبه عميد عسكري يحمل ملفات وأوراقا، وبعد أن ظهر في الإيجاز الصحافي اليومي، أعاد السعوديون نشر الصورة على نطاق واسع بعد أن تعرفوا على تلك الشخصية: العميد ركن أحمد بن حسن محمد عسيري. فمن هو؟ يشغل عسيري حاليا مدير إدارة الاستشارات العسكرية بمكتب وزير الدفاع، لكن تأهيله العلمي بدأ حين تخرج من كلية سان سير الفرنسية الشهيرة 1988 - 1989 وحصل على الترتيب الأول على الدفعة الأولى، وحصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة السعودية، وماجستير في دراسات الدفاع الوطني من فرنسا إلى جانب درجة ماجستير في العلوم الاستراتيجية. العميد عسيري ليس طالب علم فقط، بل عاشق له، فقبل كل ما مضى حصد على شهادة بكالوريوس في تخصص التاريخ من جامعة السوربون وبكالوريوس آخر في العلاقات الدولية من جامعة فرنسية، وهي تلك الفترة التي كانت متزامنة مع بدء دراساته العسكرية في العاصمة الفرنسية باريس. وإلى جانب درجات البكالوريوس والماجستير التي حصدها عسيري فقد حصل على عشرات الدورات ومنها دورة ضباط الأركان في فرنسا ودورة تأسيسية في اللغة الإنجليزية ودورة تأسيسية لصواريخ هوك ودورة تشغيل وصيانة ودورة معلمي خرائط ثم دورة قادة سرايا هوك من فرنسا. وتدرج عسيري في جميع الدرجات العلمية في جامعات عريقة وكليات عسكرية في فرنسا، وحين تتعلق المسألة بالحرب، فبراعة الإجابات لعسيري تعود لخلفيته التأهيلية فقد حضر عددا من دورات الحرب منها دورة حرب إلكترونية ودورة متقدمة في الدفاع الجوي، وبعد ذلك دورة معلمي حرب حضرها في كلية حرب الجيش الأميركي، والأهم من ذلك كله، درجته العلمية التي حصدها من كلية سان سير كأول الدفعة الأولى، وهي أشهر وأعرق كليات العسكرة والحرب في العالم، حيث يدرس الطالب فيها 3 سنوات يتعلم فيها علوما أكاديمية إلى جانب التدريب العسكري والبدني اللازم، وبعد ذلك التدريب على القيادة. يذكر أن الكلية خرجت عددا من أشهر القادة العسكريين في العالم ومنهم الجنرال شارل ديغول رئيس فرنسا المتوفى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 1970، ووزير الحرب الإكوادوري كارلوس جويريرو، وقبلهم أمير موناكو لويس الثاني. وللأزمات رجالها، وهكذا كان عسيري، المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي حصد دورة في إدارة الأزمات والتفاوض من جمهورية مصر العربية. ولم يتوقف العميد ركن أحمد عن مواصلة تنويع المعرفة في مختلف المجالات، فقد جمع بين التخصص في القيادة والإدارة والتاريخ والعلاقات الدولية وعلوم الحرب. وسمات القائد تظهر على عسيري، إلى جانب الفترة التي قضاها في الجمهورية الفرنسية متدرجا في عدة مراحل دراسية لتعليم القادة، وهو ما تترجم عمليا في سلسلة مراكز قيادية تولاها. انعكس تعليمه المتقدم في أرقى الجامعات والكليات العسكرية والأكاديمية في فرنسا على أدائه العملي، فقد عمل عسيري قائدا في مراكز قيادية في وزارة الدفاع والقطاعات العسكرية أكثر من مرة، مرة مثلا في فصيل تشغيل هوك وأخرى على فصيل صيانة وتموين، ثم عمل مساعدا لقائد سرية هوك وقائد جناح التكتيك بمعهد قوات الدفاع الجوي وقائد جناح الصواريخ بمعهد قوات الدفاع الجوي، كما عمل ضابط ارتباط بالقوات المشتركة لدى القوات الفرنسية خلال عمليتي درع وعاصفة الصحراء ومترجما لقائد القوات المشتركة ومسرح العمليات. وكان عسيري عضوا في اللجنة الرئيسية لإنشاء كلية الحرب، وعمل ضابطا معلما في جناح الحرب بكلية القيادة والأركان السعودية، ثم الركن الخاص لنائب وزير الدفاع، قبل أن يصبح مديرا لإدارة الاستشارات العسكرية بمكتب وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان. ومن حرب تحرير الكويت الشهيرة ب«عاصفة الصحراء» وحتى «عاصفة الحزم»، وما بين العاصفتين، كان العميد ركن عسيري يتدرج تعليما وتأهيلا، بل لم يتأخر عن حصد الأنواط الاستحقاقية بدءا من ميدالية تحرير الكويت وحتى نوط الابتكار، ونوط الإتقان والميدالية الذهبية للدفاع الوطني الفرنسية كما حصد وسام استحقاق من درجة فارس من مملكة المغرب والوسام الوطني من درجة فارس من جمهورية النيجر، ووسام الأسد الوطني من درجة فارس من جمهورية السنغال. وإلى جانب ذلك حصل العسيري على وسام تحرير الكويت وأنواط أخرى منها نوط المعركة ونوط الذكرى المئوية ونوط المعلم مرتين، وفي عمله العسكري حصد نوط الخدمة العسكرية عدة مرات. عسيري الشخصية القيادية المتسلح بالهدوء والعلم والمعرفة وعلوم الحرب والقيادة، في كل مرة يواجه فيها عاصفة الأسئلة من الصحافيين المتعطشين لمعرفة كل التفاصيل الدقيقة عن سير الحرب.. يتجاوب معها ويجيبها بحزم ودقة. العميد عسيري.. بات الآن يصنع عناوين الأخبار كل يوم.. ومحط أنظار الجميع الذين باتوا ينتظرون موعد إيجازه العسكري بشغف بالغ.. لمعرفة أخبار المعارك.. والتمعن في تلك الشخصية الفذة التي تبهر الجميع.