✒في العتمةِ يتسيّدُ القمر، وفي الأزمات تُولدُ الموهبةُ من رَحِمِ الملهمين. هكذا كانتْ مُلهمتي حتىٰ بعدَ رحيلها. وهكذا كُنَّ هُنّ! أخشىٰ على مِدادي من الجفاف؛ فالأفكار والمشاعر تزاحمت حضورًا في نبضي وعقلي، فلا يسعفني أن أعطي كلّ ذاتِ حقٍ حقها! مهما تعدّدت معللاّت النجاح، ومهما بلغتَ في العلم والعمل هرم التفرّد، يظلُّ لأمك سهمُ سبقٍ وسبب فيما أنت بالغهُ. الصورة رُسمتْ ملامحها منذُ أن أصبحت تلك الفتاةُ الحالمة أُمًّا، واكتمل الوضوح حينما طال عمرُ الأزمة ليكون التعلُّم عن بُعد هو الضوء الذي يقاوم غشاوةَ العُتمة ليكشف عن المُلهمات. أطربتنا تمتماتُ الأمهات مع أبناءهن خلف الشاشات؛ كأنها رُقية وتحصين لدفع الأذى والحفظ من كل طاريء يؤلم؛ هذه الأصوات الخفيّة لم تُثرْ غضبَ المعلم بقدر ما أثارتْ شعورَ الحُبِّ. تظل الأمُّ مدرسةَ الحُبِّ الأولى، وجامعة الشعور والاهتمام والخوف. في هذه الفترة كانت كلُّ الأمهاتِ كطائر رحمةٍ حطّ بجناحيه على صغارهِ حرصًا وحماية. هُنَّ الدارسات وهنَّ المدرسة! هُنَّ المعلمات ودفترُ المعلومات! هنّ المتهيأت ؛ وكم اختزلنَ بصمتٍ همَّ الاختبارات. حتى النجاح هُنَّ الناجحات ولكن احتفينَ بالأبناء وأهدين لهم بلا منّةٍ كل النجاحات! الأم ليست مُلهمة؛ بل مصدر إلهام! ومحضنُ اهتمامٍ ..وصمّامُ أمان! وحصنٌ من مشاعر! لا يشيخ قلبها ولا يفتر! هي الكلُّ الذي لا يتجزأ، والجزء الذي يجمعُ الكل! من قال أنَّ الحياةَ هواء وغذاء ؛ فقد أخفق في تعريف الحياة الحقيقية! الحياةُ روحٌ وراحة، وقيمة وقيَم، وعطاء يرافقه صدق الشعور، وعلمٌ أثرهُ البناء، واهتمامٌ يتبعهُ انسجام! الحياة ظهرٌ والأمُّ عموُدها الفقري! لا استقامةَ للحياةِ إلا من أُم ومع أُم وبالأُم! من يدعو لك في الأسحار والنهار بإلحاح؟! من يسهرُ منتظرًا موعدَ اختبارك حتى الصباح؟! من يخلصُ لك النصحَ بلا شيءٍ يرجوه منك؟! فقط يتمنى لك الفلاح والصلاح؟! إنها الأم..الأمُّ فقط..! أوصى بك اللهُ ما أوصت بك الصُحفُ والشعرُ يدنو بخوفٍ ثم ينصرفُ ما قلتُ والله يا أمي بقافيةٍ إلا وكان مقاماً فوقَ ما أصفُ والأمُ مدرسةٌ قالوا وقلتُ بها كل المدارسِ ساحاتٌ لها تقفُ الأم أُمّة ! هي وطنك حين تضيقُ بِكَ حدودُ الأماكن! وهي شعبُكَ حين يغادرك البشر! هي الطبيبُ الذي يداويك ويمرض معك! هي المعلِّمُ الذي يعلِّمُك ويتعلّمُّ معك! هي المنبّهُ والتنبيهُ والمرّبي والتربية! مخبأ أسرارك وسرُّ إصرارك..جنتك وجنانُك..! أمي .. لا ترددْ هذا الاسم؛ بل تغنّى بِهِ وأروهِ وارتوِ به! فهناك من اشتاق لأن ينادي أمَّهُ ؛ (يا أمي ) أمي غادرت هذا العالم قبل 10 سنوات! رحلتْ وظلّتْ كلماتها مصدرَ إلهامي الأول! لم تكُنْ كلمات بل مؤلّفات،اختصرتها لي في حروف نصحٍ وتشجيع وتوجيه حتى تحولّتْ معاركي في الحياة إلى انتصارات! بعد فضل الله الفضل لها! كمْ وكمْ ! وليست كلُّ كمٍّ توفي حقها وحق كلّ الأمهات. تحية لكلّ أمهات العالم مبدأها (حَمَلَتْهُ أُمّهُ) وثناياها (أمّك ثمّ أمّك ثمّ أمّك) ومنتهاها أمكَ وطن..! فإياك وهجره أو عقوقه أو إنكار فضله أو جحوده.