لا يخفى على أحد أن العمل الحكومي أو الخاص يعتريه جزء كبير من الاهتمام بالجانب المادي وتأمين المستقبل الدنيوي وسد احتياج الأهل بضروريات الحياة ، وهذا ليس محرماً او محضوراً فالوظيفة تحميك بعد الله من مد يدك للغير (الأمن الوظيفي) . (ولا تنس نصيبك من الدنيا) . وعندما انتهت علاقتي بالوظيفة أيقنت وأدركت أن الراحة والجلوس لفترة بعد سنين طويلة من الدراسة والعمل أمر مطلوب للحفاظ على مابقي من صحتي وللتفرغ لوالدتي العزيزة ولأسرتي الكريمة ، جائني عرض عمل في مجال مختلف تماماً عما عملت فيه تلك السنين الطويلة ولم أكن أفكر ولو للحظة واحدة أنني سأسلك ذلك المجال ، لأنه مجال كبير في معناه كبير في محتواه كبير في كل شيء يخصه يحتاج لشخص تفكيره منصب على الناتج المعنوي وليس المادي على الجانب الإنساني وليس الشخصي هذا المجال علاقته بالآخرة قبل الدنيا وهدفه البذل قبل الأخذ والإنجاز فيه عظيم والتعثر فيه لا يوصل ليأس ولا يطيقه إلا أهل الهمم العالية وأفراده ذو علم وزهد وطريقتهم في العمل الجماعي تبهرك وحرصهم على النجاح عجيب وآمالهم تتعدى تفكيرك وطريقتهم في إنجاز المهام الصعبة تخصص وإدارتهم للأزمات حكمة وتحفيزهم لبعضهم البعض هبة من الله لا ضجر تلاحظه ولا صخب تسمعه ، بدأت مسيرتي معهم منذ قرابة العام ، وفي البداية كنت في أشد الخجل والحرج مما أشاهده من علم وكفاءة ، إلتقيت بشخصيات كانت ولا زالت نجوم في العلم والإدارة والتاريخ الطويل في خدمة الدين والوطن وولاة الأمر ، ولم أكن يوماً من الأيام طيلة حياتي العملية السابقة أقل أو أضعف فهماً أو درايةً بعملي وتخصصي وأهدافي ، ولكن هنا أيقنت أنه ينقصني الكثير من العلم الشرعي والإداري والتربوي والدعوي والخيري . ولأني ولله الحمد لا أيأس ولأنهم لا يبخلون بعلمهم وخبرتهم وقد وضعوا كل الثقة في حيث سلمت إحدى الإدارات التنفيذية المهمة فقد جعلت أتعلم من هؤلاء الكبار كل يوم دروساً كبيرة ًوعظيمة ، وحيث مرت قرابة السنة وأنا ولله الحمد الآن أحبو أسأل الله أن يمد في عمري حتى أستطيع على الأقل المشي بثقة في طريقهم ، فهنا العمل له طعم آخر ونكهته غير ، وأسلوبه غير ، هنا كل عمل تنجزه ترحله إلى الآخرة قبل الدنيا ، وهنا إحساس كل هدف تحققه لا يوازيه شيء ، وهنا فرحة النجاح كفرحك بأنك مسلم حين تفكر بالآخرة ، وهنا لافرق إلا بالتقوى هنا الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في منطقة عسير ، منارة إشعاع منذ 49 عام تخرج منها آلاف الطلاب والطالبات الذين اصبحوا نجوماً في كل المجالات التي تخدم الوطن والمواطن ، ولازال العطاء القرآني مستمراً . جهد كبير يبذل من مئات المعلمين والمعلمات والموجهين والموجهات والمشرفين والمشرفات ، وكذلك عدد كبير جدا من أطياف المجتع من المحتسبين لتستمر هذه الرسالة العظيمة وليكون كتاب الله عز وجل في قلوب النشء القادم ، هنا العمل في المجال الخيري في ضوء عمل مؤسسي وتقني منضبط ، وخاصة مجال تعليم كتاب الله مردوده النفسي الإيجابي على كل من يعمل فيه عظيم جداً وماأجمل أن يبذل الإنسان من ماله ووقته وجهده في هذا المجال فهو عز له في الدنيا والآخرة... وهنا أيقنت أن الله أراد بي ولي خيراً فيما تبقى من عمري بإذنه عز وجل .