تعزّز دول الخليج مضطرة قدراتها الدفاعيّة الرادعة استعدادًا لاحتمال اندلاع حرب لا تتمناها، ولا ترى مصلحة فيها، كما يرى محللون. إلا أنّ التصعيد المستمر بين إيرانوالولاياتالمتحدة يضاعف المخاوف من وقوع حرب، ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات. إيران... تهديد ووعيد يقول المحلل العسكري رياض قهوجي "لا أحد في دول الخليج يريد الحرب، والجميع يستعد لاحتمال وقوعها. هذا هو الجو". وتصاعدت المخاوف من اندلاع نزاع في الخليج مع اقتناع الغرب بأنّ إيران باتت على وشك امتلاك القدرة على تصنيع أسلحة نووية. فيما صعّدت إيران لهجتها، وهددت مرارًا بإغلاق مضيق هرمز، الذي تسيطر على ضفته الشمالية، وهو مضيق يمرّ من خلاله 35 % من النفط المنقول بحرًا في العالم. ويذكر قهوجي، الذي يدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (أنيغما) لوكالة فرانس برس أن دول الخليج ستدخل الحرب مع إيران إذا ما ضربت هذه الأخيرة أهدافًا على أراضيها ردًا على ضربة أميركية أو إسرائيلية، لاسيما القواعد الأميركية في البحرين والكويت وقطر والإمارات. الثوري الإيراني حدد أهدافه ونقلت صحيفة الحياة أخيرًا عن موقع "مشرق" القريب من الحرس الثوري الإيراني أن هذا الأخير حدد أهدافًا في منطقة الخليج والمناطق المجاورة لها. وتملك الولاياتالمتحدة قواعد في أفغانستان وتركيا والكويت والبحرين، حيث مقر الأسطول الأميركي الخامس، وقطر حيث مقر القيادة الأميركية الوسطى، إضافة إلى وجود عسكري في الإمارات والعراق. وبحسب الموقع، فإن الصواريخ الإيرانية "تستطيع الوصول" إلى كل هذه القواعد. تفوق خليجي نوعي يقابله إيراني عددي وفي موازين القوى التقنية البحتة، يجمع الخبراء على امتلاك دول مجلس التعاون الخليجي تفوقًا نوعيًا على إيران، بينما تملك الأخيرة تفوقًا عدديًا، إضافة إلى قدرتها المفترضة على تحريك مجموعات مرتبطة بها داخل دول الخليج. مبادرات للتهدئة ودعا رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني دول الخليج إلى المساهمة في حل الأزمة بين إيران والغرب. ولطالما سعت قطر في السابق إلى التقارب الخليجي الإيراني، إلا أن تباعدهما بات كبيرًا بسبب الأزمة السورية. وقال الشيخ حمد في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الكويتية "أعتقد أن أفضل طريقة هي مشاركتنا كدول خليجية في أي عملية تهدف إلى حل المشكلة بين الغرب وإيران (...) فمن مصلحتنا جميعًا عدم وجود صراعات في المنطقة". وأكد الشيخ حمد أن الخليجيين "قلقون بالطبع" من تصاعد السجال الإيراني الأميركي. وقال "جرّبنا طبيعة الصراع العسكري، ونعلم جميعًا بأنه لا يوجد فائز في تلك الصراعات، خاصة بالنسبة إلى البلدان المحيطة بالخليج". الحرب ليست خيارًا خليجيًا في كل الأحوال، لا تبدو دول الخليج شريكة في اتخاذ قرار الحرب مع إيران، وهو قرار ستكون أكبر المتضررين منه. ويقول المحلل السياسي الكويتي سامي الفرج إن "هناك ساعة تدق، ونحن لا نستطيع في الخليج أن نتحكم بهذه الساعة"، في إشارة إلى احتمال توجيه ضربة أميركية أو إسرائيلية لإيران. وشدد على أن "الضرر الأكبر سيكون على دول الخليج، فنحن في مرمى الصواريخ الإيرانية". ويرى كل من قهوجي والفرج أن نقطة الضعف الكبرى للدول الخليجية هي كون الجزء الأساسي من نشاطها النفطي والاقتصادي والبشري، إضافة إلى المنشآت الاستراتيجية المهمة على ساحل الخليج، في مرمى القذائف الصاروخية الإيرانية، التي لا تشملها الأنظمة الدفاعية الرئيسة للخليجيين، أي الباتريوت والثاد. صفقات دفاعية مكثفة وكثفت دول الخليج بشكل ملحوظ أخيرًا صفقاتها الدفاعية. وأبرمت السعودية قبيل نهاية 2011 عقدًا بلغت قيمته 29.4 مليار دولار لشراء 84 طائرة من صنع بوينغ من طراز "اف-15 اس ايه"، وتحديث سبعين طائرة أخرى موجودة لديها. بعيد الإعلان عن الصفقة مع السعودية، أعلنت الولاياتالمتحدة عن صفقة بقيمة 3.48 مليارات دولار لبيع الإمارات نظامًا دفاعيًا صاروخيًا متطورًا، هو نظام "ثاد" المتخصص في رصد واستهداف صواريخ على ارتفاعات شاهقة الارتفاع. وكانت الولاياتالمتحدة والسعودية كشفتا عن اتفاق بقيمة 1.7 مليار دولار، في وقت سابق من 2011، لتعزيز بطاريات صواريخ باتريوت السعودية، واشترت الكويت 209 صواريخ من طراز جيم-تي بقيمة 900 مليون دولار. وقال قهوجي إن صفقات التسلح تهدف إلى الاستعداد، وإنما أيضًا للردع، وتجنب الحرب التي ستضر بشدة اقتصادات دول الخليج المنفتحة والقائمة على النفط، إضافة إلى السياحة والخدمات والمصارف والنقل. خلايا إيرانية نائمة إضافة إلى التهديدات الخارجية، تجد دول الخليج نفسها أيضًا مضطرة للتعامل مع خطر "خلايا نائمة"، يشتبه في أن إيران تنشرها في المنطقة، وذلك فيما يبدو الشحن الطائفي السني الشيعي في أوجّه في الخليج والدول العربية، بعد الأحداث في البحرين وسوريا. وقال قهوجي "نسمع عن إجراءات وقائية في كثير من الدول في المنطقة تهدف إلى التعامل مع خلايا نائمة تابعة لإيران"، في إشارة إلى معلومات عن عمليات ترحيل مفترضة لأشخاص يشتبه في ارتباطهم بإيران. لكن الرغبة في تجنب الحرب ترافقها رغبة في كبح النفوذ الإيراني، الذي ما انفك يتعاظم في السنوات الأخيرة، من أفغانستان إلى لبنان، وصولاً إلى اليمن والسودان. وقال الفرج "هناك مدرستان في الخليج: مدرسة ترفض الحرب بتاتًا، إلا إذا فرضت فرضًا، ومدرسة ترى أن تدخلات إيران الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان، إضافة إلى اليمن والسودان مع تأجيج التوترات الطائفية، كلها أمور لا يمكن التعامل معها إلا بهزيمة إيران استراتيجيًا، عبر إفشال مشروعها الإقليمي، وليس بالضرورة من خلال حرب". وأشار إلى أن المدرسة الثانية "باتت أقوى" أخيرًا