الفساد أياً كان نوعه أو صفته يزدهر ويزيد في الظلام ، فهو لا يستطيع مواجهة الضوء الذي يفضحه . و يعلم الناس أن الفاسد مالياً أو مهنياً حريص كل الحرص على عدم كشف أوراقه وعدم ظهورها للعلن لأن تسليط الضوء على ما يفعل يفقده الحصانة التي يتمتع بها . و لئن كان مفهوم الفساد في خطابنا الديني و ثقافتنا الاجتماعية محصور في الانحراف الأخلاقي والسلوكي ، فإن الحق هو أن الفساد هو وصف شامل لكل الانحرافات والمخالفات الشرعية والمهنية . فمن يخل بوظيفته ومتطلباتها وأمانتها فاسد . ومن يأخذ من أموال الناس أو مال الدولة بحكم سلطته أو منصبه ما ليس حقاً له فهو فاسد . ومن يتوجه للمجتمع بخطاب أعلامي أو شرعي يخالف الحق ويتقاطع مع المصلحة العامة ويتضمن غشاً لها فهو فاسد . والتاجر الذي يضيق على الناس ويخالف الشرع والنظام بالمغالاة والاحتكار والغش والتطفيف فاسد . إن كل الفاسدين مهما كان نوع فسادهم أو اتجاهه يستحقون الإقصاء والمواجهة والاحتقار ليكون هذا هو عقابهم الاجتماعي المعجل بدلاً من انتظار وعود المحاسبة التي قد لا تتحقق في الدنيا !! إن حصر مفهوم المنكر في الانحرافات الأخلاقية ونزوات الشهوات جعل المجتمع يحتقرون وينبذون أصحاب الأخطاء والانحرافات الشخصية التي قد لا يتجاوز ضررها ذات الشخص أو حتى محيطه القريب .. وفي الوقت نفسه يمنح بعض الناس كبار الفاسدين و المفسدين مكانة وتقديراً وحصانة ضد النقد و الإنكار بحكم جاههم أو منصبهم أو ثرائهم .. وكأنهم أعلى من النقد أو المحاسبة !! إن تفصيل التهم والفتاوى والمواعظ على مقاس الضعفاء و عامة الناس ، وتضخيم الأخطاء والسلوكيات الفردية ، وتوجيه الجهود للتشنيع على أصحابها – وإن كان حقاً – لا يعني أن نتجاهل أخطاء من يفسدون على الناس معايشهم ويضيعون أماناتهم ونسمح لهم بأن يتصدروا المجالس ويعتلوا المنابر !! إن أحاديث المجالس والتبرم والشكوى من الأخطاء لن ينتج إصلاحا ًحقيقياً ولن ينتج لنا واقعاً أيجابياً ولن يردع منحرفاً عن انحرافه مالم نمتلك زمام المبادرة من خلال القيام بالإصلاح الذاتي أولاً ، ثم مقاطعة الفساد بكافة صوره و الدعوة للوقوف بوجهه و التصدي لرموزه علنا !! إننا بحاجة إلى خطاب احتساب عصري يضع كل ألوان الفساد ضمن أهدافه ، ويربي الناس على الفضيلة والأمانة كقيمة عالية المكانة عظيمة القدر ، وأن يعلي من شأن النزاهة ونقاء الذمة واستقامة السلوك بدلاً من التمسك بالمظهر كمؤشر للحكم على أخلاق الناس وسلوكهم . إضاءة : لأن المنكرات في عصرنا الحالي معقدة وماكرة ومتغلغلة في كل الممارسات اليومية ولم تعد كما كانت سابقا ، كان لا بد من تأسيس خطاب احتساب يتوازى مع خطورتها وتأثيرها على مصالح الناس ومعايشهم . أحمد بن عبدالله أباالخيل