أملج.. المدينة الحالمة في الشق الغربي الشمالي للسعودية، لا تحتضن الصخب، تقص حكايتها لزائريها بهدوء، 3 آلاف عام تستوجب التمعن والاتزان في سرد انتصار هنا وانكسار هناك، التاريخ في كل الزوايا فالرومان مروا من هناك عندما كان يطلق عليها في تلك الحقبة «بالحوراء» أو المدينة البيضاء. المدينة البيضاء أو أملج، وبعد ما ذكرها المؤرخون ووصفت أنها المدينة التي تحتضن النخل والبحر والينابيع والصحراء والكثبان الرملية، كحالة متفردة في هذا المزج من التضاريس، جمال المناخ، إلا أنها وبعد 30 قرنا، تبحث عن ماضيها الذي طمره الزمان والتراب، وتعمل الهيئة العامة للسياحة والآثار، لاكتشاف المواقع الأثرية والتاريخية في المدينة، خاصة في منطقة أطلق عليها «الحوراء» نسبة للمدينة القديمة، وتبعد 10 كيلومترات شمال مدينة أملج، وكانت في القرون الهجرية الأولى ميناء للمدن الداخلية الواقعة خلفها في منطقة وادي القرى وفي حرة خيبر. تمتد البقايا الأثرية بموقع الحوراء على مساحة كبيرة، وهذا الاهتمام والبحث أسهم في الكشف عن جزء منزل مبني من الحجر يعود تاريخه إلى القرن الهجري الرابع وبداية القرن الخامس.
وبحسب مختصين في الآثار، فإن هناك الكثير من المخطوطات والمطبوعات الموجودة في كبرى المكتبات العالمية في أوروبا وعدد من الدول العربية، ذكرت أملج بشكل موسع وأنها كانت ميناء للمدن الداخلية الواقعة خلفها، وسماها الرومان «ليكي كومي» وتعني الأرض البيضاء وهو ما يغلب على رمالها الساحلية، في حين ذكرت بعض المخطوطات أن «فاليوس أوليوس» الروماني نزل بها عام 25 قبل الميلاد.
ويبدو أن المدينة الحالمة، والتي تحتضن جملة من المباني التاريخية بالقرب من الميناء، ومركز عودة الصيادين، وشاطئها البكر على بحر الأحمر الأحمر، جذبت الكثير من السياح والمهتمين بالآثار لزيارة المدينة، فيما شهدت المدينة ارتفاعا في مواسم الصيف من الإقبال قدر بأكثر من 50 ألف زائر في الفترة الماضية.
وقال محمد الرقيب محافظ أملج، ل«الشرق الأوسط»، إن أملج تحتضن التاريخ منذ آلاف السنين، ويوجد هناك تاريخ مطمور في مدينة الحوراء القديمة، وهي تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة والآثار، التي تقوم بدور بارز في هذا السياق لإظهار كل المعالم التاريخية التي اشتهرت بها المدينة، إضافة إلى وجود المباني العتيقة في المدينة القديمة، وتعمل المحافظة على ترميمها للمحافظة عليها ولتكون أحد الوجهات السياحية للقادمين من خارج المدينة، مع السوق الشعبي الذي يعود تاريخه لمئات السنين.
وأضاف محافظ أملج، أن موقع المدينة ما بين تبوك التي تتبعها إداريا وجدة الواقعة على البحر الأحمر بنحو 500 كيلومتر ما بين المدينتين، يجعلها تدخل ضمن الجولة السياحية للباحثين عن التراث والطبيعة، إذ تتميز أملج بتنوع تضاريسها من الجبال إلى الصحارى والكثبان الرملية، والسواحل البيضاء، مع اعتدال المناخ يعطي خيارات متنوعة للسياحة المهتمين بالطبيعة أو السياح الباحثين عن المواقع الأثرية.
وأشار الرقيب، إلى أن أملج بدأت تشق طريقها وتضع نفسها على خارطة السياحة المحلية والعالمية، بدعم مباشر من الأمير فهد بن سلطان أمير منطقة تبوك، في طرح وتنوع المشاريع التي تخدم أبناء المدينة السياح القادمين من خارجها، إضافة إلى دعم الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، للمدينة والاهتمام والبحث عن المواقع الأثرية والتاريخية.
ولفت الرقيب، إلى أن أملج تحتضن قرابة 100 جزيرة وبمساحات مختلقها أكبرها جزيرة جبل حسان، وهذه الجزر تعطي المدينة زخما أكبر في استقطاب السياح وهواة البحر، متوقعا أن المدينة وخلال السنوات الثلاث القادمة ومع الاهتمام بها في طرح الكثير من المشاريع ستكون من الخيار الأول للمهتمين بالسياحة والآثار.
وتعد جزيرة جبل حسان، التي تبلع مساحتها نحو 100 كيلومتر، من أهم الوجهات السياحية في البحر الأحمر، وسميت بجبل حسان نسبة لبطن «الحساسنة» من جهينة، والذين سكنوها في فترة زمنية سابقة، وكانت ممرا للسفن بين مصر والجزيرة العربية والأردن، فيما يعد الجبل من أهم الجبال الموجودة في البحر الأحمر ويصل طوله من الشمال للجنوب 5.5 كيلومتر، وعرضه من الشرق للغرب 3.7 كيلومتر، ويصل ارتفاعه لنحو 200 متر فوق سطح البحر.
وتشكل الجزر المنتشرة في البحر، ومنها جزيرة أم سحر، التي تبعد عن الشاطئ قرابة 9 كيلومترات، وتقدر مساحتها بنحو 1 كيلومتر مربع، وتنشر فيها الشعب المرجانية، وجزيرة شيبارا في شمال غربي المدينة والتي تستهوي المهتمين بالغطس والسباحة، منظرا جماليا من السماء، لتدرج ألوان البحر مع الجزر التي تكتسي بعضها العشب الأخضر، يصعب على وصف جمال ورعة المنظر.
وبالعودة لتاريخ المدينة، التي اشتهرت في القرون الأولى بصناعة السفن والمراكب ومنها القوارب (الأملجاوية) والتي عرفت قبل مئات السنين، وهذا الصناعة أسهمت في ازدهار المدينة ونموها في تلك الحقبة مع توافد التجار وتبادل السلع مع الدول المجاورة، فيما تحتضن المدينة أكثر من 36 عينا وبئرا وهو ما جعل المدنية تتميز بزراعة الحمضيات والبرتقال والمانجو.
وهنا يرى وائل الشريف المتخصص في التاريخ، أن أملج لها أهمية تاريخية قديمة قبل الإسلام وبعده فقد كانت محطة للحجاج، وميناء هاما في مطلع الإسلام للمدن الداخلية، وعرفت بساحل وادي القرى، وتمد هذه المدن بما تحتاجه من مواد غذائية من خلال ما يصل إلى الميناء من بضائع متنوعة، وهذا أسهم في بقاء المدينة بشكل كبير قبل أن تهمل في عصور سابقة.
وأرجع الشريف، سبب الإهمال الذي كان في مطلع القرن السابع، يعود لعدة عوامل منها توسع الدولة الإسلامية وكثرة الموانئ، خاصة ميناء جدة الإسلامي إلى كان عاملا مهما في نقل الحجاج والبضائع، وهذا أسهم في خروج عدد من الصناعات التقليدية ومنها صناعة السفن بصناعة، وأواني الحجر الصابوني الذي كان يصدر للكثير من الدول، وإن كان يتوقع في الوقت الراهن ومع الاهتمام الذي تحظى به المدينة ستعود تدريجيا لما كانت عليه وستكون في السنوات القادمة وجهة الكثيرين للسياحة.