تحدثت ذات يوم في مجلس شبابي عن أهمية تعزيز الصحة الشخصية، وعن فكرة وسم قديم غردت فيه أسميته "وضعية الشايب"، فجاءت ردود الشباب بما يوحي بأن هذه الوضعية وللأسف منتشرة بين الكثيرين ممن مَا زَالَوا في "سن الشباب". وقد وَصَفَت "وضعية الشايب" بأنها "منطقة راحة" يضع الإِنْسَان فيها نفسه، أو يشجعه عليها المجتمع، تَشْمَل: ضعف النشاط البدني، وتناقص الاعتماد على الذات، ومحدودية مسافات المشي، وتَشْمَل كذلك المبالغة في قبول الخدمة من الآخرين. ومن مظاهر هذه الوضعية التعود على أن يخدمه الشباب ومن هو أقل سناً، وتجدهم يقبلون رأسه ويصدرونه في مجلسهم، وقد تأتيه السيارة لمكانه،،،،، وهكذا. وقد تعرض مثل هذه "الخدمات" على صاحب هذه الوضعية، وقد يستمرئها فتصبح نمط حياة يومياً. كما تتضح هذه الوضعية في النزهات، حيث يقبع الأربعيني أو الخمسيني في مكان واحد وحوله "المعاميل"، و"القدوع"، وفِي الحجاز "الشيشة"، ويَأْتِيه الطعام إلى حيث يقبع، فتبدأ "التمشية" وتَنْتَهِي دون مشي ولا تمشٍّ. وقد تَشْمَل هذه الوضعية الاعتماد على الكرسي، ومنهم من يتعجل الصلاة عليه لأسْبَاب تتعلق بالسمنة والخمول والآلام التي قد تتسبب فيها هذه "الوضعية" نفسها، وليس بسبب الأمراض. ومن أسْبَاب انتشار وضعية الشايب خلطنا وقبولنا بمظاهر "العجز المبكر" من ناحية، والفهم الخطأ لحقوق واحترام كبار السن من ناحية أخرى. وأَحْيَانَاً تكون "وضعية الشايب" هذه امتداداً لقلة النشاط البدني في مراحل الطفولة والشباب، ثم تتحول إلى سلوك من قبيل "جيبوا لي"… "وودّوني"… "قربوا لي" عند أشْخَاص لم يتجاوزا العقد الخامس من العمر. وتكمن خطورة وضعية الشايب أنها قد تستمر بقية العمر، معرضة الإِنْسَان لأخطار الخمول بكل كوارثه الصحية، والنفسية، والاجتماعية. والمتقاعدون أكثر عُرْضَة لهذه "الوضعية" لأسْبَاب نفسية واجتماعية، لكن في المقابل قد يكون التقاعد والتفرغ فرصة للتخلص من هذه الوضعية، واقرؤوا إن شئتم مقالي عن الأُسْتَاذ "أبو فهد" وقصة هروبه من وضعية الشايب. http://mobile.twasul.info/580543/ وتتباين ثقافة المجتمعات في هذا الصدد. ففي بعض المجتمعات قد ينظر كبار السن إلى عرض الخدمة، أو تقديم المساعدة على أنها إهانة أو اتهام بالعجز، وعدم الاعتماد على النفس. فاحذر من عرض مساعدتك لكبار السن هناك، فقد تفاجأ برفض فظ أو غليظ، وقد كنت تقصد المساعدة. بل حتى في بعض مجتمعاتنا، يدرك الكثيرون ما كان عليه بعض أجدادنا، ويلمسون جوانبَ من الاعتداد بالنفس، وعدم الحاجة للآخرين. يذكر د. عبدالله القويز حَفِظَهُ اللَّهُ عن والده (رَحِمَهُ اللَّهُ) أنه تجاوز التسعين من عمره واعتراه الضعف، إلا أنه واصل سلوكه بالاعتماد على الذات، ورفض المساعدة، وكان على من يحاول مساعدته أن يتوقع ويتحمل سماع كلمة "فاردز" (فارق). وفي المجتمع اليمني يستغربون الرجل في الستين وقد بدأت صحته تتدهور، فيعترضون قائلين بأن الستيني في عرفهم "قدو جاهل" أَي صغير السن، ولا يزال يجري في الجبال. وفِي المقابل يحتفل بعض شبابنا بوضعية الشايب مع نهاية الأربعينيات. وتفيد الدراسات بأنه قد يكون وارداً أكثر أن تتحول إلى "وضعية الشايب" إذا استمر نشاطك ونمط معيشتك وتغذيتك غير صحي حتى بدء الثلاثين. وسيضيف العمل والجلوس الطويل أمام "الشاشات" بأنواعها احتمالات أكبر لبدء واسْتِمْرَار هذه الوضعية. إن من شأن التوعية الصحية، ونشر ثقافة النشاط البدني والمشي وبشكل مؤسسي في المجتمع أن يحد من انتشار هذه الوضعية بين كل الفئات، وبشكل خاص بين فئة كبار السن المهددين بالأمراض المزمنة، وأن يخفف من عبء رعايتهم الصحية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، والتي لا تَزَال هماً يشغل بال المهتمين بالصحة والتنمية. مُؤخَّرَاً، اقترح أعضاء من جمعية الشيخوخة اليابانية، والمؤلفة من مجموعة من الأطباء وأساتذة الجامعات، تغيير عتبة عمر "الشيخوخة" ليصبح 75 عَامَاً بَدَلاً من 65 تماشياً مع نسبة التقدم في السن السائدة في البلاد، أو ما يدعى حرفياً بعملية "إعادة تعريف الشيخوخة"، ومن وجهة نظري فإن تبني مثل هذه التوجهات لا يمكن أن يكون في صالح المجتمع والدولة إذا انتشر بينهم الضعف والكسل، ودخل الكثير منهم في "وضعية الشايب" في سن مبكرة. ودمتم سالمين، د. صالح بن سعد الأنصاري @SalihAlansari المشرف العام على مركز تعزيز الصحة @SaudiHPC