برز من المساجد التاريخية في مكةالمكرمة "مسجد البيعة" الذي يقع شرق العقبة الكبرى في مشعر منى، وظل شامخا في مكانه على الرغم من كل التطورات والتوسعات التي شهدها المشعر على مر القرون. ففي سنة 12 من الهجرة كانت بيعة العقبة الأولى التي بايع فيها 12 شخصا من أعيان قبيلتي الأوس والخزرج من المدينةالمنورة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما شهد نفس الموقع موسم حج ال 13 من الهجرة بيعة العقبة الثانية التي حضرها 73 رجلا وامرأتان من أهل المدينة. وبنى الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 144 هجرية مسجدا في نفس مكان البيعة، يقع شمال شرقي جمرة العقبة على بعد 300 متر، في أسفل جبل ثبير، ويلي منى في شعب عرفت بأسماء ثلاثة هي: شعب الأنصار، والبيعة، والعقبة، وتتصل مسمّياتها بمبايعة الأنصار لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومؤازرته بالهجرة اليهم هو عليه الصلاة والسلام والمسلمين. وبني المسجد بأمر الخليفة أبو جعفر المنصور إحياءً لذكرى هذه البيعة التي شهدها العباس بن عبد المطلب جد الأسرة العباسية، ويتضمن نقشين كتابيين أحدهما مؤرخ بتاريخ 14ه، ثبتا في الجدار الغربي للقبلة. وأجريت لهذا المسجد عدة تجديدات بعد ذلك، من أهمها عمارة الخليفة العباسي المستنصر بالله له عام 625ه، كما هو موضح في نقش كتابي كان ملقىً في ضمن المسجد زمن الفاسي، ثم ثبت في الجدار الجنوبي في آخر عمارة مسجد البيعة في العصر العثماني. ويتكون المسجد حاليا من رواق قبلة تهدّم سقفه، وصحن مكشوف في مؤخرته بنهايته مصطبة ترتفع عن الأرض بمقدار متر واحد، أما الأبواب فقد أغلقت، ولم يتبق منها إلا بابًا واحدًا في الطرف الغربي من الجدار الشمالي. وبالنسبة لمحراب المسجد فهو مجوف ومعقود بعقد مدبب وبه منبر وهي ظاهرة معمارية لم تشهد إلا في مكة من المساجد بمكةالمكرمة، كما دعم المسجد بأسفل الركنين الأماميين بسندات تروية لتساعد على امتصاص اندفاع السيول باتجاه المسجد في موسم الأمطار كما زين أعلى جدار القبلة بأربع عشرة شرفة مستطيلة الشكل رأس كل واحدة منها على شكل عقدة مكبر. أما مادة البناء فتمثل في الحجر والآجر مع استخدام الجص في كسوة الجدران من الداخل والخارج.