ذكر رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث (أنور بن قاسم الخضري) في كتابه "عولمة قوانين الأحوال الشخصية": أنّ المنادين بتعديل القوانين والتشريعات المتعلقة بالمرأة اليوم هم فريق كبير يتوازع الأدوار ويتناوب المراحل، ويتميز بتظافر الجهود وطول النفس، إضافةً إلى قدرته على توظيف الظروف والأحوال، ومن الواجب توسيع دائرة النظر والإدراك بحيث لا يأتي الاختراق من داخل مجتمعاتنا ذاتها، وهذا لا يعني بالضرورة الحكم على الجميع من تصوّر واحد وتعميم التعامل على هذا الأساس، وإنما المقصود التنبه من (غفلة الصالحين) (1432ه، ص 7). تداعت أمامي هذه العبارات أثناء متابعتي لما طرح من متابعاتٍ إعلامية عن جلسة مجلس الشورى المنعقدة يوم الاثنين الموافق: 28/12/1436ه، المتضمنة مشروعًا لتعديل نظام الأحوال المدنية، حيث تركزت أبرز أهداف المشروع في: رفع الأضرار العلمية والعملية والمادية المترتبة على عدم حصول الأم على سجل عائلة مستقل، وحفظ كرامتها من الاستجداء للحصول عليه، مع منح الأم وثيقة رسمية تثبت صلتها بأولادها (صحيفة الحياة، 28/12/1436ه). وبالتأكيد لا يختلف أحد على أهمية هذه المطالبات، كونها تعالج كثيرًا من المشكلات التي تعاني منها بعض النساء في المجتمع بسبب الاستخدام الخاطئ لحق القوامة والولاية بشكل يسيء إليهن ويمنعهن من تسيير بعض أمورهن الحياتية المهمة. وحتى يحكم القارئ الكريم بدقة وموضوعية على هذا المقترح، أطرح تساؤلًا بين يديه: هل ما تم تقديمه في مجلس الشورى من أهداف المشروع المقترح لتعديل نظام الأحوال المدنية يعتبر جديدًا؟! ولم تسبقه لوائح أخرى كفلت ذلك للمرأة؟ وللإجابة على ذلك: ما سبق ذكره من أهداف في المشروع المقترح متحقق في اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال المدنية الأخير، الصادر عام 1432ه، حيث نصت المادة (23) على أنّه: "لكل شخص أن يستخرج صورة رسمية طبق الأصل من القيود المتعلقة به، أو بأصوله أو فروعه أو بزوجه، ويجوز للسلطات العامة المختصة، ولكل ذي مصلحة ثابتة طلب صورة رسمية من أي قيد، أو وثيقة". (اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال المدنية، ص 7)، وورد تفصيل لذلك في البند رقم (71) والذي ينص على: "للمرأة الحصول على صورة رسمية طبق الأصل من القيود المسجلة في سجلات الأحوال المدنية المتعلقة بها أو بأصولها أو بأولادها أو بزوجها". (اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال المدنية، ص 15). وهنا؛ يحق للقارئ الكريم التعجب والتساؤل: لماذا الإصرار من قبل مقدمي المشروع على أنه لم يتم تطوير النظام منذ 30 عامًا؟! مؤكدين أنها المرة الأولى التي يحدث فيها هذا التعديل! حيث صرّحت عضو مجلس الشورى د. هيا المنيع -إحدى مقدمات المشروع-: بأنّ النظام الحالي تم وضعه قبل أكثر من ثلاثين عاماً! مما يعني أنه بوضعه الحالي لا يستوعب المتغيرات الاجتماعية وطبيعة تغير الأطوار داخل الأسرة!، وأتساءل هنا: لماذا تمّ تجاهل ما ورد في (اللائحة التنفيذية) للنظام الصادر عام 1432ه، والذي بدأ العمل فيه منذ الأول من شهر رمضان من العام ذاته، حيث تضمن نصوصًا تتفق مع أهداف المشروع المقترح بما يكفل للمرأة حقوقها واستخراج وثائقها الرسمية؟! ومرة أخرى؛ يحق للقارئ الكريم التساؤل: ما الجديد الذي قدمته اللائحة المقترحة؟! ولماذا هذا الزخم الإعلامي من تغطيات صحفية، ومقالات تجاوزت ال(15) مقالًا في ظرف أربعة أيام فقط، حيث تركز اهتمامها فقط على أهمية تناول جانب الوثائق الرسمية للمرأة المتحققة أصلًا في (اللائحة التنفيذية) للنظام الأخير المعتمد! وتجاهل أخطر ما ورد فيها، المتمثل في: – إلغاء مسمى (ربُّ الأسرة) واستبداله بكل زوج وزوجة، وذلك في المادة ( 28) التي تنص على: "يتم قيد كل رب أسرة سعودي وأفراد أسرته لدى أي إدارة من إدارات الأحوال المدنية"، لتصبح بعد التعديل: كل زوج وزوجة وأفراد أسرتهما. (صحيفة الحياة، 28/12/1436ه) وقد أشارت إلى ذلك عضو الشورى د. نورة العدوان في مداخلتها، مبينة مخالفته للشريعة الإسلامية، وتعارضه مع النظام في المملكة، إضافةً إلى تعارضه مع المصالح المباشرة للأسرة والمجتمع بشكل عام. ولعلّ القارئ الكريم يتساءل: ما وجه الخطورة في ذلك؟! والجواب: إنّ إلغاء مسمى (ربّ الأسرة) يتماهى تمامًا مع ما تطالب به الاتفاقيات الدولية، كاتفاقية (سيداو) التي تعدّ إطارًا عامًا لتعريف حقوق الإنسان للمرأة، وتطالب صراحةً بالتساوي المطلق بين الرجل والمرأة في التقنينات الخاصة بالأسرة، إضافةً إلى مطالبتها بالاعتراف بالشواذ ومنحهم كافة الحقوق من باب المساواة، وظهور أشكال جديدة للأسرة تقوم على العلاقات الجنسية الشاذة، وعليه؛ فلن يكون هناك ذكر وأنثى كمكوّن فطري للأسرة السوية! (مضمون المادة 16-حق المساواة)، وبالتالي يترتب على ذلك: – مطالبة الدول باتخاذ جميع التدابير المناسبة – بما فيها التشريعي-لتغيير أو إلغاء القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي لا تطالب بالتساوي المطلق بين الرجل والمرأة، ولا تجعل فئة الشواذ بأنواعهم مقبولين اجتماعيًا ولهم شرعية قانونية. – الاستغلال السيء لبعض الممارسات الخاطئة التي قد تقع ضد المرأة لإسقاط مبدأ القوامة من أصله، وتغييب الحكمة الشرعية من هذا المبدأ العظيم، التي تهدف إلى تنظيم العلاقة بين الزوجين، وتحمل المسؤولية في النفقة والرعاية داخل مؤسسة الأسرة، وعليه؛ فلا تعني القوامة خفض منزلة المرأة من حيث هي امرأة عن منزلة الرجل كونه رجلًا فقط! كما يردد ذلك ممن يريد تشويه هذا المبدأ التنظيمي الأسري وصولًا إلى إسقاطه، ونقل مربع علاقة التكامل بين الرجل والمرأة إلى مربع التنافس والتماثل! وفي هذا السياق؛ فإني أتطلّع – كمواطنة سعودية – من أعضاء مجلس الشورى، إلى ما يلي: . أن يركزوا جهودهم على اقتراح آليات لمشاريع تنفيذية لهذه القوانين المكتوبة التي قد لا تطبق على أرض الواقع في بعض قضايا المرأة، لا أن يتم استحداث لوائح جديدة تتماهى مع النموذج الغربي، دون احترام للسيادة الوطنية، الأمر الذي يتيح استهداف سيادتنا بحيث تصبح الأممالمتحدة بمثابة حكومة عالمية تحاسبنا في تقنينات محلية! . أن تكون قبة مجلس الشورى صوتًا لقضايا الشعب الحقيقية لا أن تكون ساحة لتجدد المعارك الفكرية بين التيارات في محاولة من تيار لفرض هيمنته على تيار آخر من خلال قضايا المرأة السعودية، ومنها المشروع المقترح لنظام الأحوال المدنية الذي أصبح أكثر قربًا لتطبيق بنود اتفاقية (سيداو)! . أن يركز عضو مجلس الشورى على كيفية توحيد الجهود لبث الوعي للمرأة بالأنظمة التي تكفل لها الحصول على حقوقها وكيفية تنفيذها، فكثير من النساء يجهلن عددًا من القوانين التي تخص استخراج الوثائق الرسمية، إضافةً إلى قضايا النفقة والحضانة وغيرها، فعلاج المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها المرأة يكون بالعودة إلى أحكام الشريعة الإسلامية، إضافةً إلى الوعي بالأنظمة القائمة، وليس بالدعوة إلى التماثل بين الرجل والمرأة في التقنينات المحلية تنفيذًا للأجندات الدولية! وأتساءل ختامًا: لمصلحة مَنْ يتم تمرير هذه المصطلحات الأممية وتطبيقاتها المخالفة لشريعتنا الإسلامية لتصبح محلية التقنين رسميًا عبر قبة الشورى؟ هل من رقابة شرعية ونظامية على ذلك؟! *أكاديمية وكاتبة سعودية