منذ ثلاث سنوات نشرت مقالاً في صحيفة البلاد بعنوان "ولا تخسروا الميزان" ذكرت فيه معاناة المستهلك اليوم مع الموازين الحديثة التي تستخدمها المحلات التجارية استخداماً خاطئاً لأنهم يزنون البضاعة المشتراة مع الوعاء الذي يضعونها فيه. بحيث يدفع المستهلك قيمة الوعاء بسعر قيمة البضاعة. فإذا كان وزن الوعاء البلاستيكي مائة جرام، واشتريت زيتوناً بسعر عشرين ريالاً للكيلو فمعنى ذلك أنك تدفع ريالين للوعاء، وإذا اشتريت سمناً بسعر ثمانين ريالاً فمعنى ذلك أنك تدفع ثمانية ريالات للوعاء البلاستيكي نفسه، وفي كل الأحوال تأخذ تسعمائة جرام بدلاً من ألف. وفي الحقيقة فإن هؤلاء "يخسرون الميزان" من حيث يدرون أو لا يدرون، وهو ما نهى عنه رب العالمين، فهم لا يبيعونك الوزن الذي طلبته وإنما أقل منه بما يعادل وزن الوعاء، رغم أنهم يأخذون قيمة ما طلبته كاملاً. لكن الأهم من كل هذا هو أن موازين الكفتين التي كانت تُستخدم أيام زمان كانت تتم معايرتها سنوياً للتأكد من سلامتها. واليوم تتوفر موازين ذات كفة واحدة، وأغلبها تعتمد على زنبرك (أو سوستة أو نابض) يقوم بتحويل الوزن إلى حركة دائرية لعقرب الميزان، أو إلى أرقام على شاشة إلكترونية. ومعروف أن الزنبرك تتغير خواصه مع كثرة الاستخدام ويحتاج لمعايرة للتأكد من سلامته، ولا أدري إن كانت هناك جهة تقوم بمعايرة الموازين أم يتركونها لذمة أصحاب المحلات. ما دعاني للكتابة حول هذا الموضوع ما حصل معي منذ أيام، حيث ذهبت للجزار واشتريت لحماً بأشكال مختلفة (أوصال ومفروم وخلافه). ولما رجعت إلى البيت أدركت أن المحاسب لم يأخذ مني قيمة أحد الأنواع، فاتصلت بالهاتف وأخبرته، فقال: لا عليك، ادفع في المرة التالية. وقد ظننت أن هذه كانت مقدمة جميلة لما قلته له بعد ذلك، فقد أخبرته بأن زوجتي أرادت تقسيم اللحم إلى عبوات واكتشفت أن الوزن غير صحيح، وهنا ثارت ثائرته وارتفع صوته وقال: ميزاننا صحيح وليس فيه مشكلة. قلت له: أنت جزار، وأنا مهندس، وأعرف أن الموازين يجب معايرتها كل سنة، فكان جوابه: نحن دوماً حريصون على التأكد من وزن اللحم عندما يكون الزبون من المطوعين لأننا نعرف أنهم شكاكون وأنهم يزنون البضاعة في البيت! حاولت أن أفهمه قصدي وأني لم أتهمه، وإنما اتهم الميزان الذي مضى عليه عدة سنوات لم تتم معايرته، لكن دون جدوى، فقد شخصن القضية ولم يعد يسمع. فاضطررت لتوديعه وإنهاء المكالمة. إذاً الويل لمن يتبع السنّة فيطلق لحيته لأنه يصير من المطوعين الذين لهم صفة مشتركة عند صاحبي هذا، وهي أنهم شكاكون. وجميل أنه لم يتهمهم بأكثر من ذلك. وبالمناسبة فإن غير المطوعين ينالهم ثواب أكبر لأن صاحبي هذا لا يدقق الوزن لهم، مما يعني أنهم مغبونون دون علمهم، فكأنه يعطيهم من حسناته! وهناك أمر متعلق بهذا الموضوع وهو ضرورة معايرة عدادات مضخات محطات الوقود. ففي إحدى محطات الوقود وعند تعبئة خزان السيارة كاملاً أشار العداد إلى 75 ليتراً، في حين أن السعة القصوى للخزان وحسب كاتالوج السيارة هي 65 ليتراً، وعند مناقشة مدير المحطة شعرت بأنه يعلم أن عداداته فيها مشكلة. ويمكن لكل صاحب سيارة أن يجرب تعبئة خزان سيارته من محطة جديدة ثم يجرب ذلك في محطة قديمة وسيجد الفرق واضحاً. فهل من مهام جمعية حماية المستهلك أن تجبر أصحاب المحلات على معايرة موازينها كل سنة لدى محلات متخصصة وتحصل على شهادة توضح سلامة الموازين، كما تجبر أصحاب محطات الوقود على معايرة عدادات مضخاتها. ألسنا نقوم بالفحص الدوري لسياراتنا للتأكد من سلامتها وصلاحيتها للسير على الطرقات؟ فهل نأمل أن يتحقق شيء مماثل للموازين والعدادات.