بسم الله الرحمن الرحيمالحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد :فاستجابة لرغبة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، التي نص عليها في نهاية خطابه الأخير بقوله : " ولاتنسوني من دعائكم "، فإني أتوجه إلى الله العلي القدير أن يشفيه من كل سقم، ويكشف عنه ما آلمه وبه ألمَّ، وأن يطرد عنه كل همّ، ويزيل عنه كل غمّ، ويرزقه من نور البصيرة ما يجلو به الظُلَم، وأن يمدَّ بعمره على طاعته، ويصلح من فسد من بطانته، ويؤلف بينه وبين رعيته، ويجعل هاديه كتاب الله وسنته، وأن يجعله إماماً في الحق ورائدا، ومنارة للخير وقائدا، وأن يختم له بخير، ويبارك له فيما بقي من عمره، وأن يهدي عقبه ويبارك فيهم، ويجعلهم للدين أشياعاً، وللحق أتباعا، وأن يوفق إخوانه وأعوانه والمسلمين أجمعين لكل خير وهدى. لقد انطلقت بفضل الله تعالى، ومن قاعدة الحكم والدولة، ومنصة القيادة والتوجيه، قذائف محمَّلة بأطنان البشائر، وصريح التوجيهات والأوامر، لتصيب بعون الله أهدافها بكل دِقَّة، وتقع بإذن الله حيث رُسِم لها وخُطِّط. لقد انطلقت تلك القذائف لتشدخ بحول الله رأس البطالة، والفقر، والفساد، والمديونية، وغلاء المعيشة، والاحتكار، والمعاناة، والمرض، والسكن، وغيرها من الأخطار والمصاعب، التي تُحدق بكثير من أبناء هذا المجتمع الوفي، فأسأل الله تعالى أن يكون فيها حسماً لمادة الشر، وأن يحقق الله بسببها زوالاً لكثير من الخطر، أو إضعافاً لآثاره، بما يعيد البسمة للناس، ويُحقق لهم أمنياتهم، وكثيراً من طموحاتهم وأحلامهم. أقسم بالله أنني بكيت فرحاً، وأنا أسمع تلك الأوامر تتلى، رغم أنني غير مشمول بشيء منها بشكل مباشر، كما لم يشملني شيء من سابقاتها كذلك، ولكنني أستشعر أن ما يقع في أيدي إخواني فكأنما هو واقع في يدي، ومن حق من ناصحناه باللُّحمة والصبر فاستجاب، أن نفرح له بما ساقه الله له من خير وفضل، رغم مانالنا من كثير منهم من تُهَم بالنفاق والخيانة، وأننا نقف ضد حقوق الناس ونقبل لهم الظلم. لقد كانت الأوامر الملكية مسددة بحمد الله، وفيها من التنوُّع ما سيجعلها تأتي بحول الله على كثير من أبناء المجتمع بالمنفعة، وتستجيب لكثير من رغبات الناس، وتنسجم مع متطلباتهم، كما كانت متسقة بتوفيق الله ولطفه مع ما تعلنه هذه الدولة من المنهج الشرعي، وخدمة الدين وأهله، ومجالات تبليغه وتعليمه، وهداية الناس إليه، وحجزهم عن مخالفته، أو البعد عنه، أو اتباع الدعوات الصادَّة عنه، وهذا ما يؤكد حقيقة ماكنَّا نقوله للناس، من أن لهذا البلد خصوصية، وأن الدولة بفضل الله تدرك أن أعظم خصوصية لهذه البلاد، أنها شعَّت منها أنوار الرسالة، وفيها قبلة المسلمين، ولم تتوحَّد إلا تحت راية التوحيد، ولم تجتمع إلا على حكم الكتاب والسنة. ماذا يعني أن تدعم الدولة مراكز الدعوة ؟، وما هي رسالة الدولة في دعم مراكز هيئات الأمر بالمعروف ؟، وإلى ماذا يشير التوجيه بدعم جمعيات تحفيظ القرآن الكريم ؟، وما معنى إنشاء أقسام للإفتاء في كل منطقة ؟، وغير ذلك من الأسئلة حول ما تضمنته تلك الأوامر، التي لا يمكن أن يسمعها أحد فيتَّجه فكره إلى خيار غير أن الدولة تدرك أنها بالدين قامت، وبه ستبقى بحول الله وقوته، وأنها تعلم حاجة الناس إلى هذه الأمور، وأن المجتمع محبٌّ لها، وأن ما يحاول وصمها به الأعداء وأذنابهم من التطرف والإرهاب وغيره، إنما هو محض كذب وتزوير، بل الدولة أو شاهد على سلامة منهجها، وصفاء صفحتها، وسمو رسالتها. إن الرسالة التي تضمنها قرار منع تناول العلماء بالنقد، وإعادة هيبتهم ومكانتهم، لا تعني عصمتهم، بل تعني الاعتراف بقدرهم، وأنهم العدة بعد الله في ضبط الأمور، وأن ما كان يلغ فيه السفهاء من أعراضهم، إن في الإعلام أو في غيره، إنما هو استغلال رخيص لبعض صور التسامح، التي مارسوها خطأً، وقصدوا من خلالها الفتنة والتخريب، وتعني التأكيد على عظيم منزلة العلماء ودورهم، واستشعار القيادة بحجم أثرهم ونفعهم، وأنهم أنصح لهم وأبَرُّ ممن يدعي الوطنية والإصلاح، وهو في حقيقته مخادع كذاب، وتعني أن الدولة قد أدركت أن المساس بالعلماء، أو إضعاف هيبتهم، يراد منه جعل هُوَّة بينهم وبين الناس، وأن تكون منطقة متكهربة خطرة، حتى إذا ابتعد الناس عن العلماء، وصارت الفجوة بينهم، استطاع المغرضون بثَّ أباطيلهم عليهم، ونشر زيفهم فيهم. إن الحديث عن تلك الأوامر لا يمكن أن نأتي عليه بهذه المقالة، بل ولا بعشرات أو مئات من مثلها، ولكنها رسالة شكر أبعثها، وتعبير عن لسان من بلغتني فرحتهم، وإيصال لنبض الشارع الذي ربما تحول دونه العقبات، وهي تذكير بأننا ولله الحمد قد كسبنا الرهان، وذلك حين قلنا للناس : أمِّلوا خيراً، ولعل في قادم الأيام ما هو أحلى. كما إن السرور بتلك الأوامر الملكية لا يعني انتهاء مسيرة الإصلاح واكتمالها، بل إن الأوامر وما سبقها، وما سيتبعها بإذن الله، مما يصب في مصلحة البلاد والعباد، ما هي إلا مواصلة لمشوار الإصلاح، وإلا فهناك مطالب أخرى تنتظر دورها، ومواطن خلل تحتاج إلى معالجة وتعديل، وإني أجد في نفسي من الفأل وحسن الظن، مايجعلني أطمئن بأننا سنسمع قريباً بتوفيق الله ما تبتهج به النفوس، ويلتمُّ به الشمل أكثر، ويغيظ الحاقدين والمتربصين، ويزيد في اللحمة بين المجتمع وقيادته. ومن هنا فإنني أتوجه برسالة إلى النابحين في الخارج، كسفهاء لندن، ودعاة الفتنة، ممن أحال دعاوى الإصلاح بزعمه إلى مصالح شخصية، فصار دمية بيد مخابرات أجنبية، وصار بوقاً لمن يدفع له أكثر، أن يتحولوا إلى باعة متجولين عند حديقة الهايد بارك، أو أن يتحولوا إلى مسح الجوخ طالما أنه لن يستفيد الناس منهم فيما أكرمهم الله به من علوم دنيوية، تلك التي لم يستخدموها لنفع الناس، وإنما انشغلوا في شيء يسمونه الإصلاح زعموا، وهم ليسوا من أهله، ولايصلحون لحمل رايته، وليس لهم من الثقة بين الناس مايؤهلهم لمواصلة مشواره، من أمثال السفيه سعد، والثرثار المسعري، والمسترجلة مضاوي، والأخرق السبعان، وبقية القطيع، وغيرهم من دمى طهران الصفوية. كما أتوجَّه إلى من أصبح صدى لهم في الداخل، أو غرَّته بعض أباطيلهم وحيلهم، أو عزفت بعض شعوذاتهم على بعض أوتار معاناته، وأقول له إن هؤلاء هم العدو الحقيقي لك، وأن الإصلاح الحقيقي الذي تنشده ينبع من الداخل، ويجب ألا يكون بناء على توجيه خارجي، أو عقيب شراء الذمم من سفارات ومخابرات الدول الأجنبية الأخرى، وألا يكون بدافع نزعات شخصية، أو باعثه " عطوني والا بخرِّب ". ليس سرا إن قلت إن ما يطلبه الناس، وأن كثيراً مما يعيشه المجتمع من مشكلات وأخطاء، ليست غائبة عن همِّ وحسِّ العلماء والدعاة، وأن ما ينسب إليهم من عدم اكتراثٍ بهموم الناس ومشاكلهم، إنما هو محض كذب وتزوير، وأن ما يضخِّمه بعض دعاة الإصلاح التهييجي، من أن اهتمام العلماء والدعاة منْصَبٌّ على قضاياً كالتبرج والاختلاط وقيادة المرأة، وأما سوى ذلك فهو آخر اهتماماتهم، إنما يراد منه تنفير الناس عن العلماء والدعاة، وتعلُّقهم بهؤلاء التحريضيين التهييجيين، الذين وإن صدع بعضهم بما يراه الناس حقا، وقد يكون كذلك، إلا أنهم قد يؤخرون عجلة الإصلاح أكثر، وقد يسهمون في تعطيل بعض المشاريع والمطالب، التي سبقهم إليها العلماء والدعاة. أقسم بالله وهو عليَّ شاهد، أن الذي أعلمه من حال كثير من العلماء والدعاة، أنهم منشغلون بالسعي في مصالح الناس، وكشف مظالمهم، وإزالة معاناتهم، بالقدر الذي ينشغلون فيه بتعليم الناس ودعوتهم، وتحذيرهم من خطر مايراد لهم وبهم، وقد ذكرت في أكثر من مناسبة سبب عدم بيان العلماء والدعاة لدورهم، في السعي في مصالح الناس المعيشية، وبروز دورهم في الحديث عن القضايا الشرعية الأخرى، وأن ذلك ليس إلا لكون سكوتهم عن بيان الحكم الشرعي في بعض القضايا، التي يراد تمريرها، يُخشى منه قبول الناس بها، اعتماداً على سكوت العلماء والدعاة، وأن سكوتهم عنها بمثابة الإقرار لها، وعدم نكارتها، وهذا من التلبيس والغش، أما سكوتهم عن ذكر مساعيهم في حقوق الناس ومصالحهم، أو حديثهم عن الفساد والاستغلال، فغاية ماسينالهم اعتداء على ذواتهم بالنقد والتجريح، أو الاتهام بالمداهنة وغيرها، وهي حقوق شخصية يحتسبون أجر الأذية فيها عند الله تعالى، وقد ذكرت نماذج لعلماء غيبتهم المنيَّة عنا، وقد كانت لهم من الآثار والثمار والمكاتبات، ومساعي الإصلاح، مالاينكره إلا مكابر، مع أننا لم نسمع منهم يوماً في أحاديثهم، كما لم نقرأ لهم في مقالاتهم ومادوَّنوه، أنهم سعوا بحاجة فلان، أو كتبوا عن كذا وكذا، إلا مادعت الحاجة لذكرة، وتطلَّب المقام تبيانه، مع أن ماقاموا به وهم أفراد، من دعوات للإصلاح، وشفاعات ووجاهات، يفوق في ضخامته ما تنجزه المؤسسات الضخمة، والجمعيات العالمية، ومن رام المزيد فليقرأ في تراجم العلماء كابن باز، وابن عثيمين، وابن جبرين، وابن غديان، وابن قعود، وابن فريان، وغيرهم كثير وكثير، رحم الله من مات، وأمدَّ في أعمار الأحياء على طاعته، ونفع بهم أمَّته. إن الدعوة التي ينبغي أن توجَّه للناس اليوم، أن يضعوا أيديهم بأيدي القادة والعلماء، وأن يتواصلوا معهم بشكل مباشر، وأن يتركوا الالتفات للمغرضين والمتربصين، أو ذوي المصالح الشخصية، أو الأحقاد والنزعات، أو ذوي الأهواء والفتنة، ممن مهما رأوا من خير فلايُمكن أن يُفسِّروه إلا بأسوأ تفسير، ولا يحملونه إلا على أخس محمل، ممن أحسب أن تلك الأوامر الملكية، أتت على مساعيهم ومؤامراتهم كقذائف الهاون على رؤوس المعتدين، وأنا على ثقة تامَّة أن الناس حين يمنعون دخول الانتهازيين بين صفوفهم، فإنهم سيجدون بحول الله ماتطيب به نفوسهم، وتستقيم به أحوالهم. اللهم أعذنا من الفتن، ماظهر منها وما بطن، واعصمنا بالكتاب والسنة، واجعلنا من أنصار دينك، وحملة لواء شريعتك، والذابين عن حياضها. اللهم عليك بالفجرة المنافقين، والخونة الليبراليي، والرجس العلمانيين، والرافضة المفسدين. اللهم اهتك سترهم، وزدهم صغارا وذلا، وأرغم آنافهم، وعجل إتلافهم، واضرب بعضهم ببعض، وسلط عليهم من حيث لايحتسبون. اللهم اهدِ ضال المسلمين، وعافِ مبتلاهم، وفكَّ أسراهم، وارحم موتاهم، واشفِ مريضهم، وأطعم جائعهم، واحمل حافيهم، واكسُ عاريهم، وانصر مجاهدهم، وردَّ غائبهم، وحقق أمانيهم. اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك مؤيدا وظهيرا، ومعينا ونصيرا، اللهم سدد رميهم، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وأمكنهم من رقاب عدوهم، وافتح لهم فتحا على فتح، واجعل عدوهم في أعينهم أحقر من الذر، وأخس من البعر، وأوثقه بحبالهم، وأرغم أنفه لهم، واجعله يرهبهم كما ترهب البهائم المفترس من السباع. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه، والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل. اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا.اللهم أصلح الراعي والرعية. اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا، وأحفظ عليها دينها، وحماة دينها، وورثة نبيها، واجعل قادتها قدوة للخير، مفاتيح للفضيلة، وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة التي تذكرهم إن نسوا، وتعينهم إن تذكروا، واجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له، ناهين عن المنكر مجتنبين له، يا سميع الدعاء. هذا والله أعلى وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [email protected]