عندما خُلقت في أحشائك، احتوتني أضلعك بكل كرم،لم تتأففي ولو للحظة من وجودي من تقلبات مزاجك وأحوالك بسببي، كنتِ تستيقظين كل يوم سعيدة بوجودي داخلك، وتنتظرين اليوم الذي ترين به وجهي، وقد خرجت بفضل الله ومنته، فلم ينتهِ مع خروجي عناؤك، فسهرتي بالدمع والتعب على راحتي، دون كلل أو ملل من صراخي وضجري في كل وقت وحين. ومرت السنون وأيامها، إلى أن أصبحت اليوم رجلاً ولكني أمامك ما زلت صغيراً، تريني فتسارعين لضمي بين أحضانك، يتكدر خاطري من الحياة ومصاعبها فأجدك أول الناصحين وأصدقهم وأكثرهم صبراً، أسعد بشهادتي فتكون سعادتك سابقة لسعادتي، تهمك أدق تفاصيلي ولحظاتي كلها بالنسبة لك أغلى من الذهب، أسافر لمكان أشعر بروحك حولي ودعائك يفتح أمامي ما كان قد أغلق، تركضين خلف ما يسعدني قبل الذي يسعدك، ولو تقدمت خطوة في برك سبقتني بساعات ضوئية عطاياكِ، فلست أدري بأي أعمالي أكافئك يا أمي. عندما تضعين قدميك على الأرض وأقوم بتدليكها أشعر أنني أملك الأرض وما عليها، قدماك التي تحت أصابعها الجنان، ودون قدميك كل ما في هذه الدنيا هراء، قدماك مفتاح توفيقي، وراحة بالي وانشراح صدري، لا يهمني في الحياة سوى رضاك ورضاك هو كل الحياة، وأغلى الأعمال بعد الممات، وأنا أُدلك قدميك يا أمي أدعو الله عز وجل بكل ما في نفسي فأشعر وأرى أن الذي دعوت به قد صار أمامي، وحتى وأنا عند قدميك أدعو الله أن يرزقني برك ورضاك فبرك مفتاح الجنان ومفتاح السماوات والأرض، وليس برك من باب البر فقط، بل هي محاولة فاشلة مني لأرد ولو قطرة من عرق سقطت من جبينك تعباً على راحتي. كلماتك أنقذتني من الضياع، وصبرك على طيشي مثل صبر المحتسب على الألم، وصدقيني تمنيت أن ليس للموت معكِ موعد، ولكن هي حكمة الله في خلقه، ولو أن الأعمار تهدى لأهديتك عمري وأعمار العالمين، أنتِ ربيع العمر وزهره، أنتِ أنفاسي ونبضات القلب، أنتِ الروح والجسد، أنتِ شمس وما دونك الكواكب، من قال إن الشمس نور للأرض؟؟ فنور الأرض هو وجهك يا أمي. وأتمنى أن أفني حياتي كلها لسعادتك هي أمنية أتمنى من الله عز وجل أن يحققها لي.. فهذه أغلى الأمنيات وأغلى من الذهب والياقوت.