البقاء في هذه الدنيا محال (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ) والرحيل منها مؤكد (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) وكل ذلك كائن في وقته وحينه (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) وشاء الرحمن أن يسترجع أمانته (أمي) تغمدها المولى بإذنه تعالى بواسع رحمته في ال 27 من خير شهور عام 1424ه شهر رمضان المبارك الذي يجود فيه الكريم على عباده بالغفران والعتق من النيران ، فهاهي الأيام تمضي ، والأسابيع والشهور تتعاقب ، والعام ينقضي تلو العام ، وأنتِ يا أمي أغلى وأعز إنسانة سكنت فؤادي ، وذكراكِ دائمة حاضرة في ذاكرتي ، ولم تغيبي لحظة واحدة عن بالي منذ أن ودعتك الوداع الأخير وأنت داخل روضتك ، فمازال وجهك المضيء بنور القرآن الذي كُنْتِ تتلينه آناء الليل وأطراف النهار تحتضنه أجفاني في الصحوة والمنام ، وأشعر بكِ في كل لحظات حياتي ، وبدفء حنانك عندما تضيق بي الدنيا ، وكم أتذكر ضحكتك الجميلة التي تدخل السعادة والبهجة والسرور لنفسي ، فبرحيلك يا أمي رحل معك كل جميل ، ولم تبقَ سوى الذكريات ، والأحزان والآلام ، ولم تعد النفوس كما كانت في حضرتك ، وأصبحت الهموم تأتي من كل مكان بسبب انقطاع دعائك الذي كُنْتِ تدعينه لي بانتظام ، فقد كان لي السند ، والعصا التي أرتكز عليها في دروب الحياة . أمي الحبيبة: لقد اشتقت إليك ، وإلى النظر لوجهك المشرق ، اشتقت لمناداتك (أمي) فهذه الكلمة صعب جداً أن توجه لغيرك في المناداة ، اشتقت لسماع صوتك ، اشتقت أن أرى بسمتك الحنونة ، اشتقت إلى حضنك الذي يغمرني بالحنان ، اشتقت أن العب معك كطفل صغير ، اشتقت واشتقت لأشياء كثيرة لم يكن يمنحني إياها أحد سواك ، ولكن ليس باليد حيله فقد ذهبتِ لخالقك تبارك وتعالى كما أراد ليجزيك خير الجزاء عما فعلتيه في حياتك القصيرة من أعمال صالحة يشهد عليها من حولك ، ويسكنك الفردوس الأعلى مع الأنبياء والشهداء والصالحين بإذنه تعالى. أمي الحنونة: كل يوم ينقضي منذ وفاتك يتضح لي صدق كلامك الذي كنت أسمعه من شفاهك ، فكم أتمنى أن يصل صوتي لمسمعك يا أغلى حبيبة لأعترف لك بتقصيري نحوك ، كم أتمنى أن أقبل جبينك لأكسب رضاك ، ولكن ليس بوسعي شيء أفعله لك في حياتي سوى الدعاء حتى مماتي . دعاء: اللهم اغفر لوالدي ، وأرحمهما ، وعافهما ، وأعف عنهما ، وأدخلهما برحمتك فسيح الجنان يا رحمن يا رحيم يا جواد يا كريم يارب العالمين. همسة: حب الأم لا يشيخ أبداً. ومن أصدق من الله قيلاً (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).