تُشَكِّل (شبكة تويتر) في السعودية ميداناً رحباً للعديد من المعارك الفكرية والكلامية بكل ما يصاحبها من حوارات ونقاشات وجدل، وفي هذه الأسطر نريد أن نلقي الضوء على واقع هذه المعارك ونحلل طبيعتها وكيفية التعامل معها، وسنفعل ذلك مرتكزين على (مفهوم الأزمة) كمفهوم حيادي ومرن، متجنبين مفهومي (الصراع) و(المشكلة) بوصفها مفاهيم وقتية وتعطي إيحاءات سلبية ومثبطة أحياناً. وحينما نختصر كل هذه القضايا الاجتماعية المتناثرة في (شبكة تويتر) بمصطلح (الأزمة)، فنحن بالتأكيد نقصد مصطلح (الأزمة) بصفته (الاجتماعية البحتة)، بعيداً عن الطابع (الاقتصادي) أو حتى (السياسي)، كون أغلب قضايا الرأي العام التي كان منشؤها (شبكة تويتر) هي قضايا اجتماعية بالأساس وذلك بغض النظر عن كل المحاولات المتكررة لتوجيه أو طبع تلك القضايا بطابع آخر بخلاف حقيقتها. وكل ما سبق هو محاولة لوضع إطار مفاهيمي يجعلنا نتجاوز (الجدل التنظيري)، الذي عطَّل الكثير من (النخب الفكرية المنصفة) في التأثير الفعلي في الميدان، ولو اجتهدنا في غض الطرف عن الخلافات التنظيرية القولية رغم أهميتها، لتجاوزنا مساحات شاسعة من الجدل النخبوي الذي استهلك الوقت والجهد والذي عطل التأثير العملي الميداني لتلك النخب المنصفة، والذي هو الأساس والمرتكز. وعود على بدء فإن المتأمل لواقع استخدام السعوديين ل(شبكة "تويتر" الاجتماعية)، سيجد أنه يميل في جانب كبير منه إلى كونه مؤشرات مهمة لاستشراف المستقبل، وكل أزمة اجتماعية تشغله أشبه ب(جبل الجليد) المختفي تحت الماء، فلا يمكن للمتابع إلا رؤية (قمة الجبل) والتي تعبر عن بعض الأسباب والشواهد، في حين أن (باقي الجليد) المختفي تحت الماء، يعبر عن نتائج سلبية وخسائر متتالية ومتعاظمة غير معروفة المصير قادمة سواء في الحاضر أو حتى في المستقبل. وإذا كنا سننظر لهذه الأزمات كما ينظر لها الصينيون القدماء، والذين يطلقون عليها (Wet – JI) وتفصيل هذه الكلمة في مقطعين، الأول يعني (خطر) والآخر (فرصة)، فستكون نظرتنا لكل تلك القضايا نظرة مختلفة ومتزنة وإيجابية، حيث إننا سنتجاوز الانغماس في (الجدل والنزاع) إلى (تحليل) الأزمة الاجتماعية، تارة ب(تحديد المخاطر) التي تنطوي عليها والتي تهدد الأفراد والمؤسسات وسبل مواجهتها، وتارة ب(تحديد الفرص) التي تقدمها لنا وسبل استثمارها. وأهم ما يجب استشعاره مع كل أزمة وكل جدل، هو أن الأزمات الاجتماعية في حقيقتها تعد (نقاط تحول) إما إلى الأفضل أو إلى الأسوأ، ويغتر بعض صُنَّاع القرار بمرحلة (انحسار الأزمة) ظناً منهم أنها تعني (اختفاء الأزمة)، لكن الراصد للواقع يجد أن بعض الأزمات الاجتماعية التي تشغل شبكة "تويتر" وإن اختفت من (الخط الزمني للتغريدات) فهي تتواجد وتسكن وتنمو في (أذهان المغردين)، وتبقى كمخزون معرفي قابل للظهور، بدليل تكرار طرحها بأشكال متعددة بمجرد توفر أحداث جديدة تعطيها (قوة دفع) جديدة للظهور والاشتعال. والأزمة بوصفها ظاهرة اجتماعية، فهي أشبه ب(المولود الجديد)، ونستطيع أن نطبق جميع المراحل التي يمر بها هو عليها هي، ف(مرحلة الولادة) تعد بمثابة (إنذار) ومؤشر للشخص الحكيم، سواء كان من صُنَّاع القرار أو من قادة الرأي أو حتى الأفراد العاديين. أما (مرحلة النمو) فغالباً ما تكون نتيجة لبعض المقدمات: إما أن تكون نتيجة (سوء فهم) متولد عن جهل أو نقص المعلومات، أو (سوء تقدير) متولد عن تحزب واستخفاف بالطرف الآخر، أو( سوء إدراك) متولد عن تشويش بمعلومات مضللة، أو (رغبة بالابتزاز) المتولد عن ثقة بوجود من يستسلم لهذا الابتزاز، أو (إدارة عشوائية) تنظر للمكاسب الوقتية وتهمل التخطيط وتتغلب فيها المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، أو (تعارض الأهداف والمصالح) في الجهة الواحدة فيضطر صاحب القرار إلى تجاهل الحلول الجذرية لإرضاء أطراف أخرى في الجهة، أو (انتشار إشاعات) والذي يسبب تخبط عند صاحب القرار وتوتر جماهيري وكل ذلك متولد عن حجب المعلومات الحقيقية، أو قد تكون (أزمات متعمدة) وهي أزمات وهمية مخطط لها بحيث يتم افتعالها ومن ثم التظاهر بالنجاح في السيطرة عليها ونتيجتها تكون عكسية فتساهم في نمو الأزمة لشعور الجماهير بأنها استغفال، أو قد تكون (أخطاء بشرية) متولدة عن كون من يتعامل مع الأزمة لا يملك القدرة أو الرغبة في معالجتها، وأخيراً (اليأس) وهو في ذاته أزمة تساهم في نمو أزمة أخرى ويرتكز عليها البعض في محاربة من يحاول معالجة الأزمة بحجة أن لا فائدة من المعالجة! وتبقى كل تلك المقدمات من (سوء فهم) أو (سوء تقدير) أو( سوء إدراك) أو (رغبة بالابتزاز) أو (إدارة عشوائية) أو (تعارض الأهداف والمصالح) أو (انتشار إشاعات) أو (أزمات متعمدة) أو (أخطاء بشرية) أو (يأس)، تبقى كلها بمثابة الغذاء الذي يساهم في نمو (الأزمة الوليدة) والدفع بها للمرحلة الأخرى. ومرحلة (نضوج الأزمة) هي المرحلة الأخطر، والتي يتهيب العقلاء من حدوثها، فهي الأكثر حدة سواء على مستوى الوعي المعرفي بوجود الأزمة الاجتماعية، أو حتى الأضرار، وكلما كان المتصدي للأزمة مستبداً وجاهلاً؛ ازداد النمو، حتى يصل إلى درجة تدميرية يصعب السيطرة عليها، وفي مثل هذه المرحلة سقطت حضارات وانهارت مجتمعات. وقد يلي مرحلة النضوج (مرحلة انحسار) للأزمة، ويخلط البعض بينها وبين (مرحلة الاختفاء)، لكن المتأمل للواقع في السعودية يجد أن حالات الانحسار كانت وقتية، وأن هذا الانحسار المؤقت لم يكن نتيجة للمعالجة العلمية الحقيقية لأسباب الأزمة وإنما كان للأساليب الأخرى المستخدمة في مواجهتها. أما فيما يتعلق ب(أساليب مواجهة الأزمات الاجتماعية) التي تكشف عنها معارك (شبكة تويتر) فهي (أساليب ذكية) بعضها مقصود والآخر ربما يكون غير مقصود، ولا يتوقف استخدامها على جهة بعينها، بل تشترك عدة جهات بعضها داخلية وأخرى خارجية سواء مغرضة أو نزيهة كل بما يخدم أهدافه، ومن المهم أن يتنبه لها (المغرد العادي) حتى لا يحرم الثمرة الإيجابية لمشاركته في الحوار حول أي قضية اجتماعية أياً كانت ولئلا يكون ضحية لها. حيث إنه الوقت الذي ينبغي أن تتم معالجة الأزمات الاجتماعية ب(أسلوب علمي) متخصص، بوصفها قضايا تمس شريحة كبيرة من الأفراد وغير قابلة للاجتهاد، ولكونه الأكثر ضماناً لإيجاد حلول جذرية للأزمة والسيطرة عليها، إلا أن الأساليب المستخدمة في المعالجة لا علاقة لها بكل ذلك، فتارة يتم استخدام (أسلوب رأس النعامة) سواء بإنكار وجود الأزمة أو التنصل من المسؤولية أو الإسقاط، وتارة يستخدم (أسلوب القفز فوق الأزمة) حيث يتم التصريح بأنه تم القضاء عليها بينما الحال هو ترك الرماد تحت النار! والأسلوب الثالث هو الجانب المظلم في كل ما سبق فهو استخدام استراتيجيات في التعامل مع (الأزمات الاجتماعية في تويتر)، والتي يؤثر عدد منها بشكل مباشر بالمستخدمين – المغردين- وتلحق بهم الضرر دون أن يتنبهوا لها، وسأحاول تبسيط وتلخيص أهم الاستراتيجيات في التالي: 1- استراتيجية العنف الضاغط: وتستخدم في الأزمات المتعلقة في المبادئ والقيم، وتضرر منها عدد من قادة الرأي والأفراد المتبنين للقيم الحقة، وكان ينبغي توجيهها لمن ينتهكون القيم لا لمن ينادون بها! 2- استراتيجية التدمير الداخلي للأزمة: وأبرز وسائلها خلق صراع داخلي بين أصحاب القضية الواحدة، ويسهل استخدامها في السعودية لوجود بيئة مساعدة، فغياب فقه الخلاف، وغياب فقه الإنكار، وسطوة غيرة الأقران، وآفة حب الشهرة كلها فتحت الباب على مصراعيه لخلق الصراع وإيجاد النزاع بين من يرجون إيجاد حلول جذرية للأزمة المطروحة. 3- استراتيجية التدمير الخارجي للأزمة: وهي الأقل استخداماً في الواقع السعودي وتتلخص في قطع الإمدادات عن القائمين على الأزمة ومنع الاتصال بهم. 4- استراتيجية وقف النمو: والتي تسعى لقبول الأمر الواقع والاعتراف بوجود الخلل كنوع من الاحتواء للجماهير وضمان عدم الانفجار، وهذه موجودة في الواقع السعودي، بدليل (البيانات) الصادرة عن عدة جهات تفاعلاً مع (الحوار التويتري). 5- استراتيجية التجزئة: والتي تقوم بتجزئة (مكونات الأزمة الاجتماعية) والتعامل مع جزء بطريقة مختلفة تضمن انفكاك الترابط، ومن ذلك إظهار بعض الشخصيات السطحية والمغمورة التي تتبنى آراء بعيدة عن حاجة الواقع تسبب انقسامات وتشتت العامة و(قضية المرأة) أقرب مثال على ذلك. 6- استراتيجية إجهاض الفكر: وهي تسعى لإضعاف الفكر الذي يقف خلف الأزمة والتشكيك في مبادئه، بحيث ينصرف عنه بعض المؤيدين، وتضيع بمثل هذه الاستراتيجية القضايا العادلة، وأكثر الوسائل المستخدمة في تنفيذها هي التحالف مع بعض المرتبطين بهذا الفكر للنيل منه أو إظهار التضامن مع هذا الفكر ثم التخلي عنه لاحقاً وإعلان الانقسام، ولا أدل على مثل ذلك بما حدث لبعض (القيادات الشابة) في شبكة تويتر والتي تراجع عدد كبير منها بعد توقيعه لعقود تعاون أو عمل مع جهات داخلية أو خارجية، إذ رفعت بعض هذه القيادات راية الانقسامات وتخلت عن قضاياها. 7- استراتيجية دفع الأزمة للأمام: حيث تُسرع بدفع المشاركين في الأزمة لمراحل متقدمة، بالتظاهر بعدم القدرة على المقاومة، ثم تسريب معلومات خاطئة بوجود خسائر، يعقبها إيجاد صراع بين المشاركين حول كيفية الاستفادة من هذه الخسائر، وهذه الاستراتيجية شبه منعدمة في الواقع السعودي رغم وجودها. 8- استراتيجية تغيير المسار: وتركز على قيادات الأزمة فتسير معهم لفترة قصيرة ثم تغير مسارها إلى مسارات أخرى تغرق الناس في الجدل وهذه الاستراتيجية استخدمت بكثرة في الحوارات التويترية السعودية. 9- استراتيجية إدارة الأزمة بالأزمة: وهذه الأكثر استخداماً في الواقع السعودي وتتشابه مع أسلوب سأفرد له مقالاً منفرداً إن شاء الله. وإجمالاً.. فإن كل ما يهمنا فيما سبق هو معرفة موقعنا ودورنا كأفراد في هذه الأزمات، حيث إن الرصد الأولى لطريقة تفاعلنا مع الأحداث في السعودية تكشف عن 3 أدوار للفرد: – (دور صامت): يتأثر صاحبه ولا يؤثر، وهو وإن لم يتفاعل في تويتر إلا أن تأثره ينعكس في واقعه الحقيقي. – (دور إخباري): يكتفي بمتابعة ونشر مستجدات الأحداث في الأزمة سواء بالتغريد بها أو إعادة تدويرها من مصادرها، وأصحاب هذا الدور هم الأكثر وجوداً. – (دور توجيهي): يهتم صاحبه بنشر معلومات معينة عن الأزمة بطريقة مخططة ليشكل ثقافة الأفراد المتأثرين بالأزمة معرفيا، ومن ثم توجيه سلوكهم لأنفع الطرق في حل الأزمة، وأصحاب هذا الدور من الندرة بمكان. وقد نتقبل أن يصمت الأفراد العاديون أو يكتفوا بالقيام ب(الدور الإخباري)، لكن الخلل كل الخلل هو أن يقوم به من (يملك معرفة) تفيد المجتمع في تجاوز الأزمة، سواء من أهل التخصص أو من المهتمين بموضوع ومجال الأزمة، وهم الذين نعول عليهم في أن يكون (دورهم الإخباري) منبثقاً من القيام ب (الدور التوجيهي) لا بديلاً عنه، فحاجتنا للتوجيه وجمع الكلمة أكبر وأكثر من حاجتنا لنشر الأخبار و(الصمت).