بين الجدل العقيم والرغبة الجامحة في الظهور قد تكون هناك شعرة دقيقة.. فثمة من يرغب في الظهور من خلال ما يكتبه.. وثمة من يكتب من أجل الكتابة.. وهناك أيضاً من يثير النعرات أو ينبش في خبايا الفتن.. إنهم السعوديون.. منذ أن أتيح استخدام موقع تويتر حتى فاضت المشاركات فيه، وتناثرت الهاشتاقات يميناً وشمالاً، ولا تكاد قضية تمر دون أن يكون لهم موقف، حتى وصلت بعض الهاشتاقات إلى الملايين في وقت قياسي.. وإذا كان الرصد له دور مهم جداً في أي عملية قياس حقيقية، فإن الدراسة التي أعدها الدكتور خالد الفرم عن سلوك السعوديين في تويتر ربما أول دراسة مهمة في هذا السياق. فقد كشفت دراسة علمية أعدها رئيس قسم الوسائط المتعددة في كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور خالد الفرم تحت عنوان «واقع الخطاب السعودي على تويتر» أن شبكة تويتر باتت أداة قوية ومؤثرة للتغيير الاجتماعي، عبر اختبار الثقافة المحلية ووضعها في إطار النقاش الحر، ما يجعل هناك خطابا يسعى للتغيير الثقافي والاجتماعي داخل أي مجتمع، وهو ما يجابه في الغالب بخطاب مضاد يرى عدم الخروج عن الأطر الحاكمة للثقافة المحلية التي تشكل معيار الحكم على الأشياء. وقال الدكتور الفرم ل «الشرق»: إن بحثه يركز على دراسة الخطاب السعودي على شبكة تويتر بالتطبيق على قضية قيادة المرأة السيارة، موضحاً أن شبكات التواصل الاجتماعي بأشكالها المتعددة إنما هي وسيلة على الأقل لإعادة اختبار الثقافة السعودية، من خلال النقاش حول القضايا المختلفة للتحول بعد ذلك لمرحلة معينة من التركيز والكثافة إلى خطاب واضح. وأوضح أنه لا يستهدف مناقشة القضية بحد ذاتها، ولا التعاطي مع أبعاد قبولها أو رفضها الاجتماعيين، بقدر ما يهدف إلى التعرف على اتجاهات الخطاب السعودي نحوها كخطاب جدلي ذي طابع ثقافي يتم في بيئة اتصالية تتسم بالحرية، وأن يختبر محددات هذا الخطاب وعلاقاته البينية للتعرف على ديناميات هذا الخطاب القائم على التفاعل والهادف إلى التغيير. وكشفت الدراسة أن معظم المشاركات كانت من داخل المملكة، وجاء الذكور الأكثر مشاركة في هاشتاقات قيادة المرأة للسيارة بنسبة «68.6%»، كما كانت النسبة الأكبر من هؤلاء المشاركين في «وسوم» الموضوع من الأشخاص العاديين بنسبة «88.1%»، في حين جاءت مشاركات الشخصيات العامة بنسبة «4.1%» الذين كانوا عبارة عن مجموعة من المشاهير بنسبة «58.5%»، وجاءت فئة الكتاب النسبة الأقل «31.7%»، وذلك للتعبير عن آرائهم مع أو ضد قيادة المرأة السيارة. وأوضحت الدراسة أن المغردين استخدموا إطار السخرية بشكل مكثف عن باقي الأطر وذلك بنسبة «35.1%» من إجمالي عدد التغريدات محل الدراسة، تلاه إطار الهجوم بنسبة «19.7%» أما إطار العرض الموضوعي فقد جاء بنسبة «12%» في حين جاء كل من إطاري الاستدلال والمسؤولية كأقل الأطر استخداماً بنسب «4.7%» و «3.5%» على الترتيب. وبينّت الدراسة أنه تم الاعتماد على أسلوب الفكاهة كأكثر الاستمالات استخداماً بنسبة «33.1%»، في حين جاءت فكرة الالتزام بالعادات والتقاليد في المرتبة الثانية بنسبة «16.6% «، وأما التغريدات التي اعتمد أصحابها على الاستناد لفكرة عدم أهمية الموضوع فقد جاءت كأقل الاستمالات استخداماً وذلك بنسبة «3.7%». وأوضحت الدراسة أن الاستدلالات المستخدمة في عرض وجهة النظر تصدرها الاستهزاء بنسبة « 36.8% « وهي نسبة كبيرة تم استخدامها في المعالجات الساخرة، أما باقي الاستدلالات والبراهين فقد جاءت بنسب ضئيلة حيث جاء النقل عن المواقع الأخرى بنسبة «7.5%» تلاه استخدام الأدلة الشرعية للاستدلال بنسبة «4.7%» ثم تصريحات المسؤولين بنسبة «4.1%» في حين جاءت تصريحات شهود العيان كأقل البراهين استخداماً بنسبة «1.3%» فقط من إجمالي عدد التغريدات. وقال الدكتور خالد الفرم: إن القضية موضوع ثقافي بالأساس، فهي لا تستند إلى أصل من أصول الدين الإسلامي قدر ما ترتبط بعادات وتقاليد المجتمع السعودي التي تشكل جزءاً من الثقافة السعودية، وفي الوقت ذاته فإن السعي لإحداث حالة من التغيير الثقافي في هذه القضية يتسق مع معطيات واقع الثقافة المعولمة المرتبطة بالحقوق المدنية والمساواة وتمكين المرأة. الأمر الذي يجعل هذه القضية مثالية من خلال تحليل الخطاب السعودي على تويتر حيالها، مضيفاً أن الباحث لا يهتم بتأييد أو رفض هذه القضية، بل يرتكز على ما سبق إيراده من تحديد ملامح خطاب القبول والرفض، وطبيعة هذا الخطاب وتوجهاته وديناميات حركته؛ والتعرف على طرق تفاعل الأفراد عبر تويتر كمنصة اتصال اجتماعية تكنولوجية متطورة للتعبير عن رغباتهم في التغيير الاجتماعي. وأوضح الفرم أن الجدالات التي تتم عبر تويتر وغيرها من الشبكات الاجتماعية لا يمكن النظر إليها باعتبارها جدالات فردية أو حتى جماعية، كما لا يمكن النظر إليها فقط باعتبارها ثورة اتصالية جديدة، إنما هي في الواقع جدالات نامية تتشكل عبر الزمن لتشكل خطاباً مستقراً داخل المجتمع، ويقوم هذا الخطاب بدور رئيسي في عمليات التغيير الاجتماعي، على أن الإشكالية الرئيسة في هذا الموضوع أن هذه الجدالات قد تتشكل ممن ينتمون إلى المجتمع الواحد أو خليط من المواطنين وغير المواطنين، الأمر الذي يجعل عمليات التغيير الاجتماعي لا تخضع لمرجعية ثقافية واحدة يمكن النظر إليها باعتبارها في كل الأحوال وتحت كل الظروف تخدم الوطن. ومن جهته، قال نائب الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الدكتور فهد السلطان: إن المركز يرصد باستمرار ما يطرح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن المركز لديه وحدة معنية باستطلاع الرأي العام، وجزء من عملها يقوم على هذا الجانب بحيث تتمكن من تطوير استطلاعات معينة خاصة القضايا والنقاشات المحورية الهادفة التي تخدم مصالح الوطن والمواطن وحتى المقيم على هذه الأرض. وتابع السلطان قائلاً: نحن لم نناقش كل قضية يصبح لها «هاشتاق»، وإنما نناقش القضايا التي نعتقد أنها محورية للمجتمع ونرصد ما يطرح على هذه الوسائل، ونعمل منها مؤشرات نوعية وكمية على التوجهات في قضايا معينة. وقال: لدينا في مركز الحوار الوطني وحدة مختصة واهتمام مركز بقضية الإعلام الجديد، ووسائل التواصل الاجتماعي وأثرها على المجتمع والمركز لديه حسابات نشطة على تويتر وفيسبوك وانستجرام وقناة على اليوتيوب تحت عنوان «حوارات المملكة» وهذه تلتقي مجموعة من المسؤولين والوزراء وتتيح الفرصة لكل أفراد المجتمع في طرح تساؤلاتهم وآرائهم وقضاياهم على المسؤولين في الدولة. وأكد السلطان أن المركز مهتم بموضوع الإعلام الجديد بحكم أنه يصل إلى شرائح كبيرة جداً في المجتمع. مضيفاً أن الجميع يشعر اليوم أن وسائل الإعلام الجديد أصبحت مؤثرة وأن قطاعا كبيرا من الناس يتواصل من خلالها، لذلك أعتقد أن كل القطاعات الاجتماعية يجب أن يكون لها حضور بحيث إنها تعطي المعلومات الدقيقة والصحيحة. وقال: أصبحنا نرى حسابات عبر هذه الوسائل لوزراء وقطاعات ومؤسسات، وهذا يفيد بالحصول على معلومة سريعة وتخاطب عقلية وذهنية الشباب والشرائح التي تتعامل مع هذه الوسائل. وقال السلطان: سبق أن عقدنا لقاء موسعا في المنطقة الشرقية عن وسائط التواصل الاجتماعي وأثرها على الخطاب السعودي وشارك فيه النشطاء على تويتر وفيسبوك وأشخاص مؤثرون من شرائح المجتمع المختلفة. وأضاف: لدينا طفرة وجود في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا طبيعي، كما هي أي ظاهرة جديدة، الناس في البداية تتعامل وتتوسع فيها ولكن مع الوقت هذه الوسائل تترشد ويصبح مع الوقت دورها فاعلا على مسار التنمية ومسار التطور الاجتماعي. وقال: صحيح إن هناك تجاوزات كثيرة نراها الآن ولكنها بحاجة إلى عملية التوعية غير المباشرة وهذه الظواهر ستتلاشى، الآن هذه الوسائط أصبحت متاحة، ومع الأسف فإن بعض من يقومون بتقديم طروحات وآراء يقدمونها بأسماء وهمية. وتابع السلطان قائلاً: أحياناً نجد طروحات قد لا تكون إيجابية ولا تعلم من هو صاحب هذا المقترح أو صاحب الهاشتاق. نحن لا نريد أن نقول بأننا يجب أن نحد من حريات الناس في التعبير والتعامل مع هذه الوسائط، ولكن يجب أن تترشد، والترشيد لا يأتي بالمنع بل بالتوعية وزيادة الحس الوطني بين أفراد المجتمع، خاصة أن هناك من يعتقد أن ما يطرح في وسائل التواصل الاجتماعي يمثل كل فئات المجتمع، وهذا غير صحيح، لهذا أعتقد أن توعية الشباب بهذه الأبعاد، وكيف نحولها إلى جوانب إيجابية، خاصة تلك القضايا التي تثير الجدل غير المحمود مثل قضايا التعصب الرياضي وقضايا التعصب القبلي وغيرها التي قد تكون هذه الوسائط ساهمت فيها أمر ضروري. من ناحيته، يقول مدير عام قناة العرب الإخبارية الإعلامي جمال خاشقجي: نحن اليوم أمام وسائل تعبير غير مسبوقة، وسرعة في انتقال المعلومة والتعبير والطرح والجدل وتناول القضايا والآراء. كل هذه الأشياء متاح لك أن تعبر عنها وتناقشها من خلال هاتفك المحمول، سواء عبر تويتر أو فيسبوك أو غيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي، نحن في عصر الإنترنت لا التليفزيون، ولا الإذاعة على قوتهما يستطيعان أن يقارعا قوة الإعلام الاجتماعي. وقال: لذلك لا عجب في هذا السوق المفتوح أن تجد الساخر والجاد والمتعلم والجاهل والحكيم والسفيه.. أنت أمام كل الأصوات. وأضاف خاشقجي قائلاً: في يوم من الأيام كانت القصيدة تعبّر عن مطالب اجتماعية ويتداولها الناس وتناقشها، القصيدة لم تلغ والخطاب والمعروض أيضاً لا يزال، لكن تويتر الآن هو منبر سريع وقوي ومؤثر للتعبير عن المطالب. وقال: عندما يطرح موضوع في تويتر تأكد أن هناك من يستمع ويقرأ ويتابع ويشارك، ما يعني أن هناك استجابة فورية. فعلى سبيل المثال قيادة المرأة السيارة أو «الراتب ما يكفي الحاجة» وباقي الهاشتاقات التي انتشرت بقوة، وهذا لا يعني أن الدولة لا تستجيب، ولكن لأن المسألة مُعّقدة، لها حسابات ولها أرقام، كما أنه لا يعني أن على الجهة المتلقية أن تستجيب له فوراً، تويتر وغيره من وسائل التواصل الإلكتروني هو منبر يستمع من خلاله المسؤول ويسبر من خلاله بعضاً من الرأي العام ويحلل ما سمعه ويقرر بعدها، ثم خذ أي قضية أخرى وستجد من يعتلي المنبر ويدلي بدلوه، الميزة في تويتر أنه للجميع الحق في التعبير عن رأيه.