بقلم | حسين بن علي الفهري فعل أمر بأن يأكل كما تأكل الجمال ويقوم متى ما قام الرجال من المائدة. البعض قد يفهم المثل بأنه دعوة للأكل بشراهة، ولكن الحقيقة خلاف ذلك، إذ أن الإبل في أكلها من الأشجار تختار ما تريد ولا تعبث بالأغصان، فتلتقط أوراق الشجر ببراطمها كما يلتقط البستاني ثمار الأشجار، وتلتقط الإبل من نبات الأرض ما تشتهي بدون أن تجتث عروق النبات كما تفعل بعض الحيوانات. نعم الإبل تأكل بكثرة ولكنها ترفع رأسها وتلتفت يميناً ويساراً كما تفعل الصقور، ولا تأكل بشراهة البقر التي لا ترفع رأسها من المعلف إلا وقد قضت على كل ما فيه وكأنها طير رَخَمٍ هاوٍ على جيفة. وقم مع الرجال، أي متى ما نهض الرجال من المائدة فقم معهم، وأول القيام بطبيعة الحال من الضيف، كما درجت العادات الحميدة التي لا تخالف شرعاً، أما إذا كانت الوليمة بدون ضيف كالعقيقة وغيرها فأول من يقوم أو “يُشَكِرُ” هو كبير السن، احتراما له وتقديراً، وهو ما يحث عليه الدين والعرف في احترام الكبير وتقديره. ابتلينا بمن يفسرون على أهوائهم لتتماشى مع تفكيرهم الضيّق، فيقولون: البساط أحمدي، وهم لا يعلمون بأن هذا المثل لمتصوف ساحر مبتدع، يأخذ أموال المساكين الجهلة بالباطن ويوهمهم بأن البساط الصغير يأخذ المئات إذا احضروا الجنيهات، ثم أخذ البعض هذا المثل وحصره على القيام من السفرة بدون مراعاة لضيف مُكَرَّم وجب على كل من لبى الدعوة أن يجله، أو بدون مراعاة لصاحب الدار الذي وضع قلبه على كف عفريت فأصبح يداريه كما يداري ضيفه ومدعويه خوفاً ووجلاً من التقصير أو الإخلال بحقوق من دخلوا ببيته. في زماننا هذا، لم يلبي الضيف الدعوة من جوع، ولم يوافق المدعوون على الحضور من أجل الطعام، فهي للضيف رمز وتقدير ومحبة، وللمدعوين إجابة للداعي وزيادة احتفاء بالضيف ووقفة مساندة معنوية مع صاحب الدار. مادام بأن الوضع بهذا الوضوح فلماذا بعض التجاوزات التي تعكر صفو الداعي، وتحط من قيمة الضيف. يقوم أحدهم بهبش ظهر الخروف ثم يجر معظم لحم الظهر ويضعه أمام قريبه أو من يغليه، وعين الضيف تراقبه خزراً، ويقوم أحدهم وكأنه وحش مفترس، بالهجوم على الضلوع وتصفيتها واحدٍ تلو الآخر حتى يتركها كومة “عظام جعيره”، ثم يأتي صاحب البساط الأحمدي فيدنق برأسه حتى يشبع، ثم يتقهقر للخلف قليلاً فينسل كالسارق مخافة أن يسبقه أحد على المغاسل لا غسلته الملائكة، والأدهى بأنه لا يخرج، بل يسبق الجميع إلى المجلس فإذا دخلوا فإذا “بعين حميدة” على المركى ينقر اسنانه وقد نثر مخلفات الخلال من حواليه، وكلها كوم “وحماي التالية” كوم فهو يقوم بالهجوم مع الأوائل ثم يتربع قبالة أحد جوانب الذبيحة، فيأخذ مكان أربعة مدعوين، ولا ينسحب من معركة “أم الجماجم” إلا بعد أن يرى كومار يلف أطراف السفرة. لا أحد مجبر على تلبية الدعوات، ولا أحد مجبر على تقديمها، فتخيروا من تدعون إسعاداً للضيف وتجنباً لما يكدر صفوه، ولا تلبوا الدعوات إذا لم تحسنوا الحضور وتحترموا الموروث والعادات، فالأمر لا يتعدى سويعات. أصبح البعض لا يفرق بين أصحاب تسقط بينهم الكلفة، في المأكل والحديث، وكرامة جامعة لامة لها ضوابطها ولها مقامها وحدودها.