لظرف عائلي قاهر وطارئ، غبت الأسبوع الماضي عن مواكبة القرارات السيادية التاريخية، وإن لم أغب عن قراءة أهم ما كتب حولها من استقراء وتحليل. وكل ما يمكنني اختصاره في قراءة الموجة الثانية من "فجر" سلمان بن عبدالعزيز ليس إلا الجملة التالية: إرادة ملكية بالغة الشجاعة "لتشبيب" مفاصل هذه الدولة المباركة. يقول البعض في ثنايا ما قرأت إن قرارات خادم الحرمين الشريفين الجريئة هي مواكبة لروح العصر وزمن التحديث، سأقول على النقيض إنها إلهام لاستلهام وتطبيق مبادئ المؤسس العظيم الراحل ذاتها في أيام "فجر" الدولة السعودية الثالثة، وفجر سلمان لا يختلف عن فجر أبيه وخذوا هذه الحقائق: سُمي الملك سعود بن عبدالعزيز وليا للعهد وهو لم يبلغ الثلاثين، ولد الملك فيصل صباح معركة "روضة مهنا" لضم القصيم لكنه كان قائد الجيش السعودي في فتح عسير وكان في سن السابعة عشرة. وقع الملك فيصل ميثاق عصبة الأمم في "سان فرانسيسكو" في سن الثالثة والعشرين. تولى الملك خالد أول مناصبه في سن السادسة والعشرين. تولى الملك فهد منصب وزارة الداخلية وهو أصغر من سن "محمد بن نايف" بست سنوات وتسنم راحلنا العظيم عبدالله بن عبدالعزيز منصب رئاسة الحرس الوطني قبل أن يبلغ الأربعين من عمره. في الثانية والثلاثين من العمر كان، كريم اليد واللسان، سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع الذي بنى، رحمه الله، هذه المنظومة التقنية الهائلة لجيش سعودي عملاق لم يستطع معه عدو واحد أن يخترق شبرا واحدا في كل آلاف كيلومترات حدود وطننا المترامية. في الخامسة والثلاثين تسلم سعود الفيصل دفة السياسة الخارجية وكان عمره يومها يصغر الأخ الصديق "عادل الجبير" بما يقارب خمس عشرة سنة. وخذوا في المثال النهائي: جاء خالد الفيصل أميراً لمنطقة عسير في سن السادسة والعشرين وهبط إلى أرضها في مدرج ترابي ولكنه وللحق والتاريخ ترك بصمته التاريخية كثاني أشهر أمير منطقة بعد والده وعمه "سلمان بن عبدالعزيز"، الذي قاد هذه الرياض من غبار "غبيرة" ومنفوحة إلى أعظم مدن صحارى هذا العالم الفسيح ونافس بها ذات "معرض" مع "دالاس" الأميركية. والخلاصة اليوم، أن كل ما فعله سلمان بن عبدالعزيز في قراراته الشجاعة الجريئة ليس إلا أنه أعادنا إلى الجذر والأساس وإلى البدايات الشابة المهيبة في قرارات الإمام المؤسس. نحن طالبنا وتحدثنا طوووويلاً عن ضرورة تأهيل الجيل الثاني من أبناء إمامنا الراحل العظيم من أجل الديمومة والاستقرار الوطني فإذا بسلمان بن عبدالعزيز يأخذنا بكل الدهشة والمفاجأة إلى قرارات تأهيل الجيل الثالث من أحفاد المؤسس من أجل شعب ووطن لابد أن يبقى ويستمر، غداً.. سأكتب الأهم.. عن العنوان، عن البيعة وثقافة الاختلاف المحمودة.