في عالم كرة القدم وجنونها غير المحدود، لا يمكن أن تجد للمنطق نافذةً تعبر إلى الواقع من خلالها، وتتعايش معه، فاللعبة فيها من الغرائب والأحداث ما يجعلك تفقد إحساسك بالإنصاف والعدل، فبعض مبارياتها القوية ذات الطابع التنافسي القوي يجبرك مناخها -وأعني الكرة- وطقوسها البعيدة كلّ البعد عن الواقع والمنطق والعدل في كثيرٍ من الأحيان إلى قبول كلّ أحداثها الدراماتيكية والمفاجئة، والتي قد تكون ضدَّ الأفضل والأميز أحياناً. ففي كثيرٍ من المباريات المتعلقة بكرة القدم يخرج أحد أنصار الفريقين غاضبين من الخسارة، وفي نفس الوقت راضين كلّ الرضا عن كلّ أعضاء الفريق من لاعبين وإداريين وجهازٍ فنيٍّ، لكنهم يندبون الحظّ العاثر المرتبط بالمستديرة المجنونة. فالنصر في مباراة نصف نهائي كأس ولي العهد خرج أنصاره بهذه الوضعية، لقد كانت ليلةً حزينةً فعلاً، وربما لو لم يقدم فيها فريقهم مستوى قوياً وأداءً فنياً كبيراً وفق الإحصائيات لوجدوا متنفساً لغضبهم ورموا باللائمة على المتسبب، لكنها مباراةٌ لا يُلام فيها أحدٌ سوى الحظّ العاثر، وهذا منطق الكرة في كل مكان!، أحيان كثيرةٌ لا يفوز فيها الأفضل. ففي السابق وخصوصاً مع النصر كان أي تبريرٍ يحضر بعد مباراةٍ يخسر فيها الفريق لا يُقبل عند الجمهور، أما في تلك الليلة لم يكن هناك أي تبريرٍ، واكتفى رئيس النادي بعبارة: "لم نوفّق" فقط ومضى لفريقه، وقد ظهر الحزن على كل نجوم الفريق جلياً، وأجواءٌ كهذه لا تحضر إلا عندما يشعر اللاعب أنه قدّم كل شيءٍ، ولم تقدم له الكرة أقل شيءٍ..!، وهو العدل الذي كان يفرض منطقياً فوز النصر بنتيجةٍ جيدةٍ، وهذا ما يؤكد لجماهير النصر أن فريقهم كان حاضراً فنياً، وقدّم مباراةً تُعتبر هي الأفضل طوال الموسم من الجانب الفني والجهد المبذول داخل الملعب، لهذا تواجدوا في المطار يستقبلون نجوم فريقهم. والحقيقة الواضحة تقول: إن النصر يعيش أفضل حالاته الفنية في هذه الفترة، ويستطيع أن يقدّم موسماً كبيراً حافلاً بالإنجازات عندما تتعامل إدارة النادي مع الوضع العام للفريق وفق الأولويات الموضوعة مسبقاً، والتي وضعت الدوري كهدفٍ أوليٍّ وأساسيٍّ بجانب بطولة آسيا للأندية، ومن ثم بطولة كأس الملك، وهذا بحدّ ذاته نجاحٌ قد يساعد الفريق على الخروج من تبعات خسارة بطولة كأس ولي العهد، فواقع النتائج والأرقام في سلّم ترتيب الدوري يعطي مؤشراً كبيراً أن النصر سيحقق هذا البطولة؛ لذا يكمن النجاح الحقيقي للجهاز الفني والإداري في إخراج اللاعبين من تأثير الخسارة، ودفعهم نحو بطولة الدوري والمحافظة على مكتسباتهم في هذه البطولة؛ حتى يضمنوا الحصول عليها، فليس من العدل أن يخسر الفريق موقعه في بطولةٍ مهمةٍ وقويةٍ كالدوري!. في ظل منطق الكرة الغريب قد يكسب الهلال بطولة كأس ولي العهد، وهو يعيش أسوأ موسمٍ له منذ سنواتٍ طويلةٍ، وسيعتبر إنجازاً جديداً يضيفه الهلال إلى إنجازاته في عالم المستديرة، فالهلاليون يدركون جيداً أن فريقهم لا يُقدم على المستوى الفني أي متعةٍ لعشاقه، ويلاحظون هفواتٍ فنيةٍ كثيرةٍ، لكنهم سيفرحون بمكتسباتهم، ولا يعني لهم منطقية ما يحدث من عدمه، فبطولات النفس القصير لا تخضع لأي مقياسٍ، ولن يسجل التاريخ مَن كان أفضل في المباراة، كل ما سيدونه اسم البطل فقط، بمعنى أن الأهلي هذا الموسم يتفوّق على الهلال فنياً، لكن ليس بالمؤكد فوز الأهلي، رغم أن المنطق المبني على عدة عوامل فنيةٍ يرشّح تفوق الأهلي، لكن كل هذا يختفي وقت المباراة، ويبقى مقياس التفوق هو نتيجة المباراة. وتبقى كرة القدم بعالمها المجنون ونتائجها الغريبة متربعةً على قمة الرياضات، يتابعها كل عشاقها أينما وجدت، ويشجعونها بشغفٍ ولا يملون منها، حتى وإن أغضبتهم وتسببت في حزنهم، هم يعشقونها ويفرحون بها، لذا هي معشوقة ملايين البشر. ودمتم بخير،،، سلطان الزايدي zaidi161@