مطالب الحركات القومية في اسبانيا لا تنعكس على المجال السياسي وتخلف توترا مع حكومة مدريد المركزية بشأن الصلاحيات السياسية بل امتدت الى المجال الثقافي بعدما بدأت حكومات الحكم الذاتي تسطر برامج دراسية تتضمن مفاهيم مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في البلاد حتى الأمس القريب، الأمر الذي دفع بالمثقفين الى التحذير من مغبة هذا التوجه. في اقليم كاتالونيا وعاصمته برشلونة ويقطنه قرابة سبعة ملايين شخص، لا توجد مدرسة عمومية واحدة تلقن باللغة الاسبانية بل جميع المدارس تعطي دروس باللغة الكاتالانية، وانتقلت العدوى الى جزر الباليار ثم اقليمي بلد الباسك وغاليسيا، حيث فرضت حكومات الحكم الذاتي التدريس باللغات القومية وتتعامل مع الاسبانية كلغة أجنبية تخصص لها ساعتين في الأسبوع. ولم يعد الأمر مقتصرا على اللغة بل انتقل الى مواد أخرى أبرزها التاريخ، فإذا كانت المدارس الاسبانية تدرس تاريخا موحدا للبلاد حتى نهاية القرن العشرين، فمنذ حصول حكومات الحكم الذاتي على الحق في سن البرامج الدراسية بالمدارس الواقعة في أراضيها حتى بادرت بتغيير الكثير منها وخاصة التاريخ، حيث اختارت أحداث تتوافق ونظرتها السياسية للتاريخ. فمدارس كاتالونيا وبلد الباسك بالكاد تشير الى وجود اسبانيا كوطن وأمة، وتتجاوز عمدا بعض المعطيات التاريخية مثل توحيد إيزابيلا الكاثوليكية للبلاد، بل بعض المدارس في بلد الباسك لا تتردد في الايحاء بأن التواجد الاسباني في اقليم بلد الباسك هو أقرب منه الى الاستعماري وليس وحدة وطنية. ودقت مجموعة من المؤرخين الاسبان ومن ضمنهم كارلوس سيكو سيرانو ورودريغيث أدرادوس ناقوس الخطر من هذا التوجه الجديد لتدريس تاريخ البلاد. ويتساءل سيكو سيرانو عن مسار اسبانيا على ضوء هذا النوع من التعليم، ويجيب نفسه /عدم وجود برنامج حد أدنى بين برامج الحكومات الذاتية سيعطي للطالب الاسباني نظرة مختلفة عن اسبانيا الحقيقية/ . // انتهى // 1200 ت م