في عام 1400 ه بدأ تداول كلمة" سياحة" على نطاق ضيق في منطقة عسير ، هناك من كان مقتنعا أن المستقبل سيكون مشرقا وآخرون رأوا أن الفكرة مجرد حلم قد لا يتحقق على أرض الواقع ، لكن القرار الصادر عن اللجنة العليا للإصلاح الإداري التي كان يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود – رحمه الله بإنشاء إدارة للتطوير السياحي بإمارة منطقة عسير، أسهم في تحويل الفكرة إلى عمل منظم ، توج بافتتاح منتزه عسير الوطني عام 1401ه وفي الوقت نفسه تأسيس لجنة للتنشيط السياحي تضم الجهات المعنية بالقطاعين الحكومي والخاص ، حيث نشطت هذه اللجنة خلال السنوات التالية في تنظيم الكثير من الأنشطة السياحية والثقافية التي اكتسبت سمعة جيدة على مستوى المملكة والعالم العربي ومنها ملتقى أبها الثقافي الذي بدأ عام 1407ه ضمن الأنشطة الصيفية . ويسرد صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة في كتابه " مسافة التنمية وشاهد عيان" طرفا من تاريخ الفعل السياحي في منطقة عسير التي كان أميرا لها خلال الفترة ( 1391 1428) ، مشيرا إلى الانطلاقة النوعية للخدمات السياحية الحديثة بدأت عام 1410 بتأسيس الشركة الوطنية للسياحة ودعمها بقرض من الدولة قدره 100 مليون ريال، حيث دشن مشروعاتها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز – رحمه الله – عام 1417 ه . ويذكر سمو الأمير خالد الفيصل في كتابه أن الأعمال الإنشائية للشركة والتصميمات الهندسية أنجزت بواسطة خبرات سعودية ، مضيفا "تلاحمت الجهود الرسمية خارج المنطقة بل خارج الحدود لإنجاز المهمة ". وخلال الثلاثة عقود الماضية تميزت منطقة عسير بمشروعاتها السياحية الرائدة على مستوى المملكة والخليج العربي حيث كانت أولى مناطق المملكة التي تطلق مشروعات سياحية بمواصفات دولية مثل عربات "التلفريك" والمنتجعات السياحية ، إضافة إلى تميزها بالمهرجانات السياحية التي تتوزع بين أشهر الصيف في قمم الجبال و أشهر الشتاء على السواحل البحرية ، حيث مزجت بين الأنشطة الترفيهية والعائلية والثقافية والرياضية التي استقطبت ملايين الزوار، مما استدعى رفع مستوى الخدمات المقدمة وتطوير المرافق السياحية كإحدى أهم مرتكزات رؤية المملكة 2030 . ومع تطور الوعي الاجتماعي بأهمية النشاط السياحي بدأ بعض الأهالي في الاستثمار الموسمي من خلال" السياحة الريفيّة" وهي إحدى مظاهر الجذب السياحي للعائلات والأفراد من هواة الطبيعة والهدوء والاسترخاء، حيث تمنح للسائح متعة خاصة في زيارة المدرجات الزراعية الخضراء، خاصةً في أوقات الصيف، بالإضافة إلى ما تحمله تلك المدرجات من مناظر خلابة، ومساحات ممتدة من الخضرة، التي تخطف الأنظار بجمالها، وتتيح للسائح تجربة لا تنسى من معايشة الطبيعة، والتعرف على الطيور، والمزروعات والفواكه. وشجعت تلك الحركة السياحية الكبيرة، التي تشهدها منطقة عسير أبناء المنطقة على التوسع والتطوير في مشاريع سياحية نوعية، مثل السياحة الزراعية أو الريفيّة، فعمل عدد من أهالي المنطقة على تحويل مزارعهم وقراهم بما في ذلك القرى الأثرية والقلاع والحصن والمزارع الجبلية، لتصبح بمثابة مرافق ومنشآت سياحية، لتعزيز الاستثمار المحلي وتطوير منظومة العمل في مجال السياحة والفندقة وتعزيز حضور التراث القديم، وفق برامج حديثة تتوافق مع متطلبات العصر. ويمثل القطاع السياحي الفرصة الأكبر في منطقة عسير نظرا لتوفر المقومات الطبيعية والبشرية التي تساعد على ازدهار هذا القطاع وتطوره ، وتعزيز موقع المنطقة المميز على خارطة السياحة العالمية. حيث تمتلك عسير العديد من الأصول الثقافية والطبيعية الفريدة وتتميز بتنوع تضاريسها من سواحل وجبال وصحراء ، وهو ما أدركته القيادة حيث أطلق صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، في 24 فبراير 2021 م " شركة السودة للتطوير" باستثمارات تتجاوز قيمتها 11 مليار ريال، وهي مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة ، وتهدف إلى الاستثمار في البنية التحتية وتطوير قطاعي السياحة والترفيه في منطقة عسير، من خلال تطوير وجهة سياحية جبلية فاخرة بمعايير عالمية تتميز بثقافتها الأصيلة وتراثها الفريد وطبيعتها الساحرة، حيث تصل مساحة منطقة المشروع إلى 627 كم2 وتضم السودة وأجزاء من رجال ألمع. وتهدف الشركة إلى تقديم خيارات ترفيهية وسكنية متنوعة، من خلال تطوير 2700 غرفة فندقية، و1300 وحدة سكنية، بالإضافة إلى تطوير القطاعين التجاري والترفيهي بأكثر من 30 مشروعاً نوعياً، ورفع جودة الخدمات المقدمة في منطقة المشروع من خلال الاستثمار في تطوير البنية التحتية بأكثر من 20 مشروعاً وذلك بهدف استقطاب مليوني زائر محلي ودولي سنوياً بحلول عام 2030. كما تعنى الشركة بمسؤولية خلق إطار عمل تنظيمي يهدف للحفاظ على البيئة والموروث الثقافي والإنساني وتطوير "أنظمة الكود العمراني" في منطقة المشروع، وإزالة التلوث البصري، وجذب الاستثمارات. وتشير الدراسات المسحية التي نفذتها شركات عالمية متخصصة إلى أن منطقة عسير مؤهلة لاستقطاب أكثر من 8 ملايين زائر سنويا بحلول عام 2030 وذلك بعد الانتهاء من تنفيذ مشروعات سياحية وخدمية ضخمة يتم العمل عليها حاليا.