لا يؤشرون بكفوفهم لطلب المال، فالأمر لا يتجاوز انحناءة ضعف وعيونا تطلق نظرات الاسترحام.. إنهم عاملو النظافة الذين أصبحوا علامة فارقة قرب إشارات المرور، يراقبون العيون ويطلقون نداء خفيا لجلب الرحمة واستدرار العطف من أجل ما تجود به نفوس قائدي السيارات الذين يدخلون في شرود وفضول عند توقفهم ويلمحون وجود عمال معظمهم من المسنين وآخرون يتخفون وراء مظهر متدين ربما لا يكون مطابقا للسرائر. هؤلاء العمال يكتفون بالنظرات ولا يمدون أيديهم لخوفهم من مراقب عابر أو من رفض متوقع يلقاه عشرات ممن يتسولون على مقربة منهم. عامل النظافة لا تتعدى أجرته اليومية عشرة ريالات وتماطل شركات النظافة ومتعهدو الصيانة في تسليمهم لأشهر قد تصل أحيانا إلى نصف عام، وفق ما أكده بعضهم ومواطنون يعرفون سوء حالهم، في حين أن الإحصاءات تؤكد أن عامل النظافة «المتمسكن» يحصل على 20 ريالا في اليوم الواحد. محمد عبدالله، عامل نظافة في مكة يشير إلى أنه لا يطلب أحدا ولكنه يتحصل على هبات يومية من أهل الخير نظير سنه الذي وصل إلى 60 عاما، قضى عشرة أعوام منها في العمل بإحدى شركات النظافة، ويضيف أنه يتقاضى أجرا شهريا لا يتجاوز 300 ريال، وأحيانا يأتيه خصم يصل إلى 50 ريالا، ويستطرد: «هنالك تأخير للرواتب يصل إلى عدة أشهر في بعض الأحيان». محمد يعمل قرب الإشارات ولا يتعمد مخاطبة أحد بالتسول ولكن كثيرين يراعون سنه وعمله فيعطونه المال، وعن الحصيلة أكد أنها تتراوح ما بين 15 و20 ريالا في اليوم، وبعض أصحاب المحال في مكة من المواطنين يغدقون عليه المال لأنهم يراعون عمله وتعبه؛ حيث إنه يعمل أمام محالهم التجارية لفترة تصل إلى عشر ساعات يوميا: «ذلك يعكس رحمتهم وتعاطفهم، وهم مأجورون لأن لدينا أطفالا وعائلات ونتأخر عليهم أحيانا في المصاريف، ونحن أفضل من المتسولين الذين لا يعملون وهم قادرون بل يعيشون على التسول وخداع البشر ومعظمهم غير جدير بالصدقة». من جانب آخر يؤكد علي المطرفي أن عددا من عمال النظافة كبار في السن، والمجتمع يعلم مدى تأخر الرواتب وهي سمة سائدة في مؤسسات النظافة، والذين يشاهدون المسن منهم ينظف الشوارع وينقل النفايات ويحاول الحصول على فتات الخبز لبيعه يجعلهم يعطفون عليهم ويجذبهم المشهد للرحمة والمبادرة بمساعدتهم حتى أنني أعرف شخصا يبحث عن مواقعهم يوميا ويعطيهم الأكل لأنهم يعملون في ساعات مختلفة من النهار ويتكبدون العناء وحرارة الشمس في سبيل لقمة العيش، مضيفا أنهم أجدر بالعطف من متسولين يقضون أيامهم في جمع المال وهم أصحاء، وربما لا تكون لديهم مسؤوليات مثل عمال النظافة الذين يسهمون في نظافة المدن، بينما المتسولون يشوهون المدن بمناظر غير حضارية.