سواء علمت بذلك أم لم تعلم تتسرب من حياتك كمية هائلة من الثواني والدقائق المهدرة التي تتراكم بطريقة مدهشة خلال العام؛ فعشر دقائق تقضيها يوميا أمام إشارات المرور تساوي يومين ونصف اليوم في العام.. وساعتان تقضيهما أمام التلفاز يعني ضياع شهر من السنة.. وأربع ساعات تقضيها في (سيرة الناس) يعني شهرين من الغيبة والنميمة.. والله كثير!! هذه الحسابات العجيبة طافت في رأسي بعد أن تأملت وجه رجل في الثمانين من عمره وسألت نفسي كيف قضى ما فات من أيامه، وعلى ماذا توزعت اهتماماته؟ فثمانون عاما تعني حياة طولها (700800 ساعة) ؛ وإذا افترضنا أنه كان ينام بمعدل ثماني ساعات في اليوم فهذا يعني أنه قضى 27 سنة تقريبا من عمره نائما. وإذا كان يعمل بمعدل سبع ساعات في اليوم فهذا يعني أنه عمل لمدة 19 سنة مع الأخذ في الاعتبار إجازته الأسبوعية والسنوية. وباستعمال طرق مشابهة في الجمع والحساب تستطيع الخروج بنتائج عجيبة وغير متوقعة.. فالرجل المذكور مثلا قضى ثماني سنوات وثلاثة أشهر في صلاة وتعبد ، وأكثر من ست سنوات ونصف السنة في صيام رمضان (غير صيامه التطوعي).. وإذا كان يقود سيارته بمعدل ساعة في اليوم فهذا يعني أنه قضى أكثر من ثلاث سنوات من عمره سائق.. أما على مائدة الطعام فقضى أكثر من سبع سنوات آكلا وأكثر من ذلك إذا كان من أصحاب الشهية الكبيرة. ... ومن خلال هذه الحسابات يتضح أن أعمالا وتصرفات كنا نعدها صغيرة تسرق من أعمارنا أوقاتا ثمينة أشبه بذرات الذهب التي تتساقط منا بلا توقف... ورغم اعترافي بأن كثيرا منها يدخل ضمن ممارسات يومية يصعب تجاهلها أو التخلص منها؛ إلا أن التمعن فيها قد يفيدنا في اختصارها أو دمجها أو إنجازها بطريقة أكثر فعالية.... ولأنها أغلى من ذرات الذهب ولأن الحياة بطبعها فرصة قصيرة تأتي أوقاتنا المهدرة ضمن أول ما نُسأل عنه يوم القيامة...