في لمسة وفاء تاريخية، أقام النادي الأدبي بالرياض أمسية ليلة احتفاء مفتوحة بالشاعر الكبير محمد الثبيتي الذي يرقد على السرير الأبيض منذ أشهر في مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية، وهي ليلة سماها الدكتور عبدالله الوشمي، رئيس النادي، بليلة الوفاء للمشروع الكبير. وحضر الأمسية التي أقيمت برعاية وزارة الثقافة والإعلام ممثلة بالدكتور عبدالله الجاسر، وكيل الوزارة للشؤون الإعلامية، والوكيل المكلف بالشؤون الثقافية، وجمع كبير من المثقفين والأدباء وأصدقاء الشاعر ومحبيه يتقدمهم ولده نزار الذي رافق أباه طيلة الأشهر التي قضاها حبيس المرض. وفي مستهل الأمسية، افتتح الجاسر المعرض التشكيلي الذي أقيم على هامش الاحتفائية تحت عنوان (القصيدة واللون)، والذي قدم خلاله الفنان فهد الربيق مجموعة من اللوحات استوحاها من قصائد الثبيتي، ثم استمع الحضور إلى قصيدة مسجلة بصوت الشاعر قبل أن يبدأ الوشمي تقديم بعض الضيوف إلى المنصة لتقديم مشاركاتهم التي بدأها الشاعر عبدالله الصيخان بقصيدة عنوانها (أناديك). بعدها تقدم الشاعر أحمد الغامدي إلى المنصة راويا قصة صداقته القديمة مع الثبيتي قبل أن يقرأ نصا شعريا كتبه من وحي المرض الذي ألم بصديقه، ثم اعتلى المنصة الكاتب والباحث محمد القشعمي الذي ألمح إلى أن الثبيتي يتجاوب مع العلاج، كما أثنى على وقفة ولده نزار الذي اضطر إلى تأجيل دراسته حتى يتمكن من التفرغ لرعاية والده. وأبدى الشاعر عبدالله الزيد في كلمته القصيرة ملاحظة عاتبة على الأمسيات التي تقام للمبدعين إما في مرضهم أو بعد رحيلهم، مقترحا أن تنظم هذه الاحتفائيات في أوج عطاء المبدع؛ حتى ينعم بعرفان المجتمع ويتحفز إلى إبداع المزيد من نتاجه. وفي كلمة خفيفة حاول خلالها الكاتب الساخر محمد السحيمي أن يخفف من النبرة العاطفية التي اعترت لغة الخطاب، أشار فيها إلى اقتراح قدمه إلى الأندية الأدبية لتنشئ في مقراتها غرفة للعناية المركزة بالشعراء، لأن قلوبهم ضعيفة وهي قنابل موقوتة على حد وصفه. لكن الجمهور قابل كلمة السحيمي بالضحك، فقال: (إن اسمي مدموغ بالسخرية، ولهذا لا يؤخذ اقتراحي على محمل الجد..! صحيح أن بضاعتي هي السخرية، لكن الموت عندي هو الساخر الأكبر)، ثم وجه حديثه للثبيتي: (انهض يا محمد وصف لنا هذا الموت.. أهو أبيض أم أسود.. رجل أم امرأة..؟). وتمنى السحيمي في ختام كلمته لو أن هذه الاحتفائية أقيمت في المستشفى، حيث يقضي الثبيتي أيامه كي يتسنى له حضورها، ثم سرد للحضور حكاية قديمة عن الشاعر حين حاول عبدالفتاح أبو مدين أن يخلصه في إحدى الأمسيات من قبضة المتشددين فهربه من الباب الخلفي لنادي جدة الأدبي. وبعد أن أعلن الدكتور عماد حسيب أنه يشرف على رسالة ماجستير يعدها أحد طلابه عن شعر الثبيتي، وقف القاص والناقد عبدالواحد اليحيائي ليلقي كلمة عاد فيها إلى ماض بعيد حين كان طالبا في الجامعة يقرأ شعر الثبيتي والصيخان ومحمد جبر الحربي وغيرهم من شعراء الحداثة الشعرية في السعودية، وأشار اليحيائي إلى أن بعض الأصوات كانت تصف هؤلاء الرواد بالملاحدة: (مع أني حين كبرت قليلا وعرفتهم عن قرب، وجدتهم مثلي، يصلون ويصومون ويعبدون الله.. وهذه مناسبة لشكرهم على صبرهم الطويل على أوصاف كتلك). وتحدثت الشاعرة هدى الدغفق عن التواضع الذي لمسته في خلق الثبيتي، فذكرت في سياق حديثها قصة التصريح الذي قاله الشاعر محمد العلي حين ألمح إلى أن الثبيتي لم يطور قاموس مفرداته، فرد الثاني بتواضع: (حسبي أن يذكرني شيخي). ثم نقلت الدغفق عن هوازن الثبيتي، ابنة الشاعر، خبر اقتراب موعد تدشين الموقع الإلكتروني الرسمي للشاعر. واختتمت الأمسية بكلمة ألقاها الدكتور عبدالله الجاسر، شكر خلالها النادي الأدبي على هذه الخطوة النبيلة، منوها بالدور الريادي الذي أداه الثبيتي في مسيرة الشعر في السعودية، ثم قدم الجاسر في نهاية الأمسية هدية إلى الثبيتي استلمها ابنه نزار نيابة عنه، وهي لوحة بورتريه رسمها الفنان فهد الربيق للشاعر الثبيتي قبل 26 عاما بمناسبة مولد ابنته هوازن.