في ظل تصنيف ثقافي ظل يلتصق بأي حوار إعلامي مطروح، ثمة ميل إلى الظهور يبديه أشخاص اتجهوا إلى طريق مختصرة للشهرة أو البروز على حساب الموروث الثقافي الأصيل من جهة، وعلى حساب نقلة في مستوى الثقافة المكتوبة التي لم يعد يقودها مثقفون هاجسهم الأول والأخير تنقية سماء الثقافة الموضوعية والطرح المتميز من شوائب الدخلاء. في زمن سابق، كانت الرواية من أصعب فنون الإنتاج الثقافي، وكان اسم المؤلف يرغم المتلقي على التفاعل مع المحتوى، ويحفزه على انتظار جديده بتلهف على أمل أن يتفوق هذا الجديد على سابقه، وتلك كانت سنة المثقفين الذين كانوا يتجهون بشكل تصاعدي نحو النجومية في عالم الرواية التي لم تكن تشكل وجبة دسمة من المعرفة وغذاء الروح فحسب، بل إن بعضها يشكل أسلوب حياة ونمط تفكير واتجاهات سلوكية وقيما روحية عميقة. وما نقرؤه اليوم من روايات أضحى يذكرنا بزمن المجلات الشعبية التي فاق عددها في مرحلة ما عدد الشعراء، فاحتضنت الغث والسمين وحرمت القارئ من لذة الشعر ومن رونق الإبداع. والرواية السعودية انتقلت في الآونة الأخيرة من فن أصيل وثقافة احترافية وفكر وصناعة إلى روايات كمية تقاس بالجملة، ولا هدف لها سوى نشر الاسم وتوزيع الإهداءات، متبجحة بعناوين جذابة، ومتذرعة بشخصيات لا يستطيع العقل الإنساني أن يسبر أغوارها؛ لأنها مستقاة من خيال المؤلف الذي لم يستند إلى المجتمع في بناء أبطاله الذين يتحركون داخل النص دون أي ارتداد أو تفاعل. ولن يدهشنا كثيرا أن نجد أطباء ومهندسين ولاعبي كرة وممثلين ودعاة ومطربين يصدرون روايات في المستقبل القريب؛ لأن الرواية لم تعد خاضعة لأي خبرة مهنية أو مخزون معرفي أو قراءات متتالية. وكم سيكون الأمر صادما لو أخضعنا الروايات التي نشرت بغزارة أخيرا إلى تقييم الروائيين من الرعيل الأول الذين كانت الرواية بالنسبة إليهم مشروعا متكاملا يتطلب إنجازه سنوات طويلة يبنون خلالها عوالم العمل وشخصياته استنادا إلى عمق التجربة مع استلهام واضح لهموم المجتمع وإرهاصاته. كيف سينظر ذلك الجيل إلى روايات تتخذ من عناوينها البرّاقة ومضمونها السافر طريقا للشهرة؟ روايات تتحول من إنتاج أدبي إلى مجرد خواطر عابرة لا يجمعها وعي ولا قدرة على تنظيمها وفق ما يقتضي فن الرواية؟ ما الفائدة إذن من روايات تهدى أكثر مما توزع؟ وما النفع من نتاج هزيل يرهق دور النشر ويربك القارئ الذي يغريه العنوان بشراء عمل قائم بالأساس على معايير ليست فنية ولا أدبية بالمطلق، ولا سيما أن نشرها لم يكلف كاتبها سوى اتفاق مسبق مع ناشر جشع لا تهمه شخصيات العمل الهلامية ولا ركاكة اللغة ما دامت الرواية ستبيع في نهاية المطاف!