.. لم يكن سيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأكمل التسليم.. يمثّل أعظم شخصيات التاريخ لدى المسلمين فقط.. فهو كذلك وفوق ذلك.. لكن جموعا كثيرة من كبار المفكرين.. والأدباء.. والكتاب.. والعباقرة.. من ديانات مختلفة.. كتبوا عن النبي (محمد) ربما بأكثر مما كتب عنه في المكتبة الإسلامية.. نستعرض هنا بشكل يومي أهم وأبرز ما كُتِب عن شخصية الرسول العظيم.. عبْر عرض موجز لهذه الكتب.. ونقدم اليوم الشيخ محمد الغزالي الذي ألَّف كتاب (فقه السيرة). يُعدّ كتاب (فقْه السيرة) للشيخ محمد الغزالي- من أحظى مؤلفات الشيخ مكانة وأوسعها شهرة بين الباحثين وطلاّب العلم. ولما سُئل الشيخ عن أقرب كتبه إلى نفسه، قال: “كتاب (فقه السيرة) لأنه يتناول حياة صاحب الرسالة”. وعايش الشيخ الغزالي سيرة الرسول الأكرم معايشة وجدانية عميقة، ظهرت آثارها على أسلوب هذا الكتاب ومحتواه ومراميه، لذلك يقول في المقدمة: “إن حياة مُحمّد ليست - بالنسبة للمسلم - تسلية شخص فارغ، أو دراسة ناقد محايد، كلا.. كلا. إنها مصدر الأسوة الحسنة التي يقتفيها، ومنبع الشريعة العظيمة التي يدين بها. فأيّ حيف في عرض هذه السيرة، وأيّ خلط في سرد أحداثها إساءة بالغة إلى حقيقة الإيمان نفسه”. صورة صادقة عن المصطفى كتب الشيخ الغزالي (فقه السيرة) عندما كان محاضرا في الجامعة الإسلامية، بالمدينةالمنورة، مما هيأ له تأليف هذا الكتاب، يقول الشيخ: “بدأتُ أكتب هذه الصحائف وأنا في المدينةالمنورة، في الجوار الطيّب الذي سعدتُ به حينا، وأعانني على إتمام دراسات جيدة في السُنّة المطهرة والسيرة العطرة”. ويمضي قائلا: “إن هذا الكتاب ليس صلة محدثة برسول الإسلام، ولا جملة من الدلائل على صدقه، ولا لمحات تكشف للمؤلف عن عبقريته وسناء دعوته. ولكني توفرتُ على إخراج هذا الكتاب وأمامي غاية معينة أرجو أن أكون بلغْتها، وبذلتُ وسعي في إعطاء القارئ صورة صادقة عن سيرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، واجتهدتُ في إبراز الحِكَم والتفاسير لما يقع من حوادث، ثم تركتُ للحقائق الجلية أن تضع آثارها في النفوس من دون افتعال أو احتيال”. منهج كتابة السيرة النبوية يقع كتاب (فقه السيرة) في أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير، وكان نمطا جديدا في منهج كتابة السيرة النبوية، أو كما يقول مؤلفه: “وقد جمعتُ بين منهج القدماء والمحدثين في كتابة السيرة، فجعلتُ من تفاصيل السيرة موضوعا متماسكا يشدّ أجزاءه روح واحد، ثم وزّعتُ النصوص والمرويات الأخرى بحيث تتسق مع وحدة الموضوع، وتعين على إتقان صورته وإكمال حقيقته. وقصدتُ من وراء ذلك أن تكون السيرة شيئا ينمّي الإيمان ويزكّي الخُلق، ويلهب الكفاح، ويغري باعتناق الحق والوفاء له، ويضم ثروة طائلة من الأمثلة الرائعة لهذا كله”. فقه الرسالة إنّ المسلم الذي لا يعيش الرسولُ في ضميره، ولا تتبعه بصيرته في عمله وتفكيره، لا يغني عنه أبدا أن يحرك لسانه بألف صلاة في اليوم والليلة”. وفي الختام يقول الشيخ الغزالي: “فليفقه المسلمون سيرة رسولهم، وهيهات أن يتم ذلك إلا بالفقه في الرسالة نفسها والإدراك الحق لحياة صاحبها، والالتزام الدقيق لما جاء به. ألا ما أرخص الحب إذا كان كلاما، وأغلاه عندما يكون قدوة وذماما”.