البطالة والجهل سببان رئيسيان في تشكيل ملف الفقر المزمن، الذي يتقاسم هموم مكافحته كل من صندوق مكافحة الفقر ووزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات الخيرية، باعتباره الملف الأخطر بينها. وعلى الرغم من الاهتمام الحكومي بالمحتاجين، وزيادة مخصصات الضمان الاجتماعي، إلا أن نحو 90 في المئة من أهالي محافظة الليث جنوب غربي السعودية، وبخاصة الذين يقطنون القرى الجبلية النائية، لا يملكون أي دخل سوى مساعدة الضمان الاجتماعي البسيطة التي يحصل عليها بعضهم، إضافة إلى ممارسة بعض الأعمال الهامشية التي تدر عليهم بعض الدخل كبيع الفحم والحطب. الصنادق وتأتي مشكلة الدخل المادي ثانيا في سلم مشكلات تلك القرى الخالية من الخدمات؛ حيث يبلغ متوسط دخل الأسرة المكونة من 12 فردا في هذه القرى نحو 100 ريال أسبوعيا، وهي تعيش أغلبها على بيع الأغنام وبيع الحطب. ويسكن كثير من أسر قرى الليث إما في مساكن اعتمدت في بنائها على الصفائح المعدنية، أو ما يُعرف في اللهجة الدارجة ب(الصنادق)، وإما في بيوت من الشعر أُقيمت على بعض الأشجار التي تشكل خطرا كبيرا؛ حيث إنها تعد مخبأ لكثير من الأفاعي المنتشرة في المنطقة. حلم السكن هليل عبدالرحمن اليزيدي، واحد من سكان قرية بيرين بمركز جدم التي تحاصرها الجبال الوعرة من كل صوب، يمثل حالة مزرية من حالات الفقر المدقع المنتشرة في قرى محافظة الليث؛ فهو لا يملك أي مصادر للدخل تعينه على تحمُّل أعباء المعيشة، وهو وأسرته بحاجة إلى المساعدة، لكنه لا يجد من يعينه في مواجهة ظروف الحياة القاسية. ويطلب اليزيدي من الله تعالى أن يوفقه بأهل الخير والمحسنين الذين يسعون إلى مضاعفة الأجر والمثوبة بتأمين سكن دائم له. المنسيون أما العم صفر رزيق البجالي، من قرية اتانة شرق الليث، فيوصف لنا حال معظم أهالي المنطقة هناك، ويقول: “إنها حال لا تسر أحدا ولا تبشر بانفراج قريب لأزمة الفقر”. وأضاف: “لقد سمعنا أن وزير الاقتصاد سيقضي على الفقر خلال عامين”. وأعرب عن أمله بأن يتم ذلك، لكن عبر دراسات ومسحيات شاملة لجميع القرى المنسية. ودعا إلى ألا يعتمدوا على التقارير غير الميدانية. مشيرا إلى أن من لم يشمله الضمان الاجتماعي من عدد السكان يتجاوز 700 نسمة، وهو يستعين ببيع الفحم والحطب والغنم، في أتانة وحدها. المساعدة ورأى مسلم بن مسيفر أن “السمة الواضحة على الأهالي هي مشكلة الفقر”. وأوضح أنه “غير مسجل رسميا بالضمان، ولا تأتيه أي مساعدة عينية أو غذائية من أية جهة خيرية”. ويعول مسلم تسعة أبناء، والعاشر في الطريق، وليس لديه وظيفة ولا يملك سوى 40 رأسا من الغنم. وهو يدعو مسؤولي المنطقة إلى دراسة وضع المحتاجين بالليث. الغذاء وقال سعيد الفهمي، من قرية جمة، إنه “في الوقت الذي تتسابق فيه الأسر نحو الأسواق والمحال التجارية لشراء أصناف المواد الغذائية، نعاني نحن عدم توافر هذه الاحتياجات”. وأكد أن هناك عددا كبيرا من الأسر الفقيرة والأرامل تغيب صدقات الجمعيات عنهم. وأضاف أن “هيئة الإغاثة لا تعلم عنهم شيئا”. وأوضح أن “الحالة المادية التي يعيشها أغلب سكان هذه المناطق دفعت الشبان إلى الهجرة من القرية”. غير مربحة وذكر عبدالله الجحدلي أن أعمال رعي الأغنام وبيع الحطب لم تعد مربحة ولا تفي بمتطلبات الأسر في هذه القرى، وبخاصة مع ارتفاع أسعار المواشي. وأضاف: “أكثر الأسر هنا لا تجعل أبناءها يذهبون إلى العمل خارج المنطقة، ويريدون من أبنائهم البقاء لمشاركة آبائهم عبء الحياة، والقيام بمساعدتهم على الأعمال الأساسية، مثل بيع الأغنام وبيع الحطب؛ ما أسهم في انخفاض مستوى الدخل لدى الأسر في هذه القرى”. أيتام وأرامل صالح البجالي توفي وترك أرملة وسبعة أيتام، انتقلوا إلى قرية منسى، بعد فقد عائلهم، بعدما كانوا مستقرين في الطائف. تقول سالمة أرملة البجالي إنها لم تعد تعيش إلا على صدقات المحسنين وأهل الخير. وأضافت: “حتى المنزل الذي يسكنون فيه بناه فاعل خير، بعد أن كانت تعيش لدى والدها المحتاج أيضا”. وتأمل سالمة أن يساعدها المحسنون على رعاية أطفالها وقضاء حوائجهم الضرورية. فقراء ومعاقون أما مسعف بن سراج الجحدلي فهو ضرير منذ ولادته، وقد تجاوز عمره 66 عاما، ولديه ولدان أحدهما مشلول والآخر صغير. وحكايته باختصار أنه لا معين له، وهو يشكو الفقر وضيق ذات اليد ويعيش داخل غرفة وحيدة. ويسكن محمد الجحدلي صحراء قرية السعدية على بعد 80 كم شرق الليث، وهو يعتمد على مساعدات الضمان الاجتماعي وصدقات المحسنين. ولا يزال الجحدلي يأمل بعلاج ابنه المعاق، الذي أُصيب في حادث مروري؛ حيث أُصيب بشلل نصفي أقعده عن العمل، إضافة إلى أنه يتبول عن طريق (القسطرة) لإصابته إصابة بليغة في المسالك البولية. ويأمل الجحدلي أن يسعفه فاعل خير لعلاج ابنه في أحد المستشفيات المتقدمة؛ حتى يتمكن ابنه من التبول بطريقة سليمة.