حادث مروري أو خلل وراثي أو فيروس مكتسب، قد يهوي بحياة الفرد إلى الحضيض. لكن زيارة لطيفة أو إظهار اهتمام بسيط قد يكونان كفيلين بانتشال البائس نحو أضواء الحياة. هذا التقرير يحكي تفاصيل جولة أجرتها "شمس" في مستشفى الظهران العام ومستشفيات أخرى، التقت فيها بمرضى مزمنين، مرت عليهم سنوات وهم حبيسو أنابيب (المغذي) وطريحو الفراش الأبيض، يشكون لأنفسهم مرارة التجاهل الدائم حتى من قبل أهاليهم أحيانا، ولكنهم لم يستسلموا للأمل وما زالت أوجههم تبرز ابتسامات مليئة بالأمل والتفاؤل.. ألم التجاهل والهجر يروي (أ.خ) وهوشاب في العشرينيات من عمره؛ قصة تعرضه إلى حادث مروري مروع قبل خمس سنوات جعله طريح الفراش، ولا يعرف من الحركة سوى إشارات بسيطة بأصابع يده اليمنى؛ طلب السبورة الخاصة به، والتي هي وسيلة الاتصال مع من حوله، ووضع قلم بصعوبة بين أصابع يده اليمنى، كتب ثلاث كلمات مكسرة، عبر فيها عن فرحته بالزيارة، حيث لم تكن الإعاقة ألمه الوحيد، ولا السكري هاجسه، بل من معاناته من مرض مزمن أصابه قبل خمس سنوات. ويشكو (أ.خ) ألم التجاهل والهجر، والبعد عن الأهل والأقارب، فضلا عن الذكريات الجميلة مع الأصدقاء والأحباب، وتلازمه في كل ذلك دموعه فقط، وبعد إحساسه بأن علامات الأسى ارتسمت على ملامحنا.. حاول جاهدا إزالة هذه المعالم، فكتب نكتة جميلة رسمت الضحكة على شفاهنا.. ودعناه داعين له بالشفاء. نداء إنساني وتعرض حبيب الدوسي شاب عربي في (الثلاثينيات من عمره)، إلى حادث اصطدام بجمل عابر بجمل سائب، لا تفارقه الابتسامة على الرغم من خطورة حالته الصحية.. أحبه كل من في المستشفى لرحابة صدره وأطلقوا عليه لقب (العمدة).. تربطه بالمستشفى وسريره الخاص علاقة وطيدة منذ 13عاما، نتيجة إصابته بشلل رباعي غيبه عن الحركة. وشرح الدوسي معاناته بقوله: "لن أنسى ما حييت أنني كنت أسير يوما ما على الطريق السريع المجاور للمستشفى، وكنت أشاهده من الأعلى، ظننت أنه أحد المستشفيات العادية، ولم أكلف نفسي يوما عناء السؤال عن ماهيته، ومن يقطن فيه، لكن القدر جعلني أحد أفراده". اطلعنا على صور أطفاله؛ شاهدنا تلك الصور.. وفاجأنا بموت ابنه، وقال إنه مؤمن بقضاء الله وقدره.. تمنى العلاج حيث أمله في الله كبير. وأضاف: "أرسلت أوراقي إلى الهند وكان الجواب مبشرا بأن هناك أملا في الشفاء، لكن الظروف المادية وقفت حجر عثرة في تحقيق مبتغاي، حيث إن الكلفة تتجاوز 50 ألف دولار". لكنه رأى البشرى أخيرا على إحدى القنوات العربية، وتأكد بوجود علاج لحالته في أحد مستشفيات الرياض.. راوده من جديد حلم الشفاء.. وثقته كبيرة في أن أهل الخير لن يخذلوه.. ودعنا بكلمة شكر من أعماق قلبه لجميع منسوبي المستشفى على الرعاية التامة التي يقدمونها لهم، وقدم لنا الأوراق الثبوتية والتفاؤل يملأ محياه بأن يرى النور ويسير على قدميه. أما (ع.م) فلم يعش طفولته.. ولم يسكن يوما في منزل، ولم يذق كذلك لذة الوجبات الغذائية بجميع أصنافها.. لا يعرف أي معنى أو تفسير للصداقة.. ولم يسمع عن الحب والعطف والحنان في حياته؛ اكتفى من الدنيا بتلك الأنابيب التي خرقت جسده، أحدهما للغذاء والآخر لإخراج الفضلات وغيرهما الكثير، بسبب عسر لازمه منذ ولادته، وكذلك تعرض دمه للتكسر، والتشنجات المستمرة التي كانت كافية بتكبيل يديه في السرير. النصر: المجتمع مقصر تجاههم ويعد ذيب المشهوري المواطن الوحيد الذي شاهدناه طوال فترة تواجدنا المقدرة بساعتين يتجول بين ممرات المستشفى.. اعتقدنا في بادئ الأمر أنه زائر لأخ أو قريب، توجهنا إليه بالسؤال، وأجاب بقوله: "قدمت للزيارة، ولكن ليس لأحد معين، بل لجميع الإخوة والآباء، لأن الزيارة من وجهة نظري واجبة علينا، كما تذكرك مثل هذه الأماكن بالنعم التي منحنا إياها الله سبحانه وتعالى وتستحق منا الشكر". ويوافق حسن النصر المشهوري في ما ذهب إليه، مؤكدا تقصير المجتمع تجاه هؤلاء. وقال: "من الواجب علينا زيارتهم ولو شهريا". وطالب النصر بحملة شعارها (خلونا نزورهم)، على غرار الحملات الشعبية التي لاقت استحسانا وتجاوبا، متمنيا مشاركة الجميع في هذه الحملة.