لطالما حضر العالم القديم، وتحديدا اليونان وروما بكل ثقلهما الثقافي المثيولوجي من حكايات وأساطير ملحمية في عوالم الشاشة الكبيرة، وهو ما تدعمه عشرات الأفلام الملحمية التي حصدت الكثير من النجاح نقديا جماهيريا، واستقطبت اهتمام كبار المخرجين أمثال العملاق الإيطالي «فديريكو فيلليني» وفيلمه «ساتيريكون «1972» »، والأديب والفيلسوف والمخرج «بيير باولو بازوليني» بفيلم «عقدة أوديب أوديب ملكا «1967»»، والمخرج الأمريكي الكبير «ستانلي كوبريك» وإنجازه البصمة التي لا تمحى فيلم «سبارتاكوس «1960»». وإذا ما وافق صاحب «الشبكة الاجتماعية» المخرج «ديفيد فينشر» على العرض المقدم له حاليا فسنشاهد فيلما بعنوان «كليوباترا» بناء على رغبة الممثلة «أنجلينا جولي». ومن هذه الزاوية يأتي فيلم «الخالدون» ليسرد حكاية جديدة عن عوالم تلك البلاد الخيالية بين الأساطير، والبشر الفانين وحروبهما، وليقدم ضمن هذا القالب التاريخي مقولاته عن سيطرة شهوة السلطة في النفس، والخير والشر وصراع اتباعهما، دون أن ينسى عوالم الإنسان وعواطفه بإيجاد قصتي الثأر والحب المرادفتين للبطل دائما. الصراع على حكم العالم تبدأ القصة عندما يعلن الملك «هايبريون» الحرب على «أوليمبوس» انتقاما، وهكذا تندلع حربه ضد الإنسانية، ويرسل جنوده تشيع القتل والدمار والفساد في مختلف أنحاء اليونان للبحث عن القوس الطويل المفقود «قوس ايبدروس الأسطوري» التي اخترعها «آريس» وضاع على الأرض خلال الحرب، والذي ينوي استخدامها للحصول على الخلود والسيطرة على العالم. ويختطف لمساعدته كاهنة معبد«عذراء أوراكل» المدعوة «فيدرا» وصاحباتها. وهكذا تصل جيوش الملك «هايبريون» الجرارة إلى قرية إغريقية تقع على قمة جبل شاهق حيث يقيم «ثيسيوس» الفلاح البسيط الذي يعيش مع والدته التي تعرضت للاغتصاب وأنجبته وبذلك تعد منبوذة، وهناك الرجل العجوز الذي علمه القتال، وهو في الواقع «زيوس» متخفيا بشكل بشري، الذي سيلتقي مع بقية أساطير الإغريق «آريس، بوسيدون، أثينا، أبولو، هيراكليس» لإنقاذ القرية، لكنهم لا يستطيعون التدخل مباشرة حتى يتم إطلاق الجبابرة من الجحيم. وهنا تقع المجزرة في القرية وتقتل والدة «ثيسيوس» أمامه، ويرسل هو للعمل كعبد في المناجم، حيث يصادف سجينا آخر هو «ستافروس» اللص و«دراوس» كما سيتعرف على «فيدرا» وصاحباتها التي تستخدم سحرها لإغواء الحرس ريثما يهربون عندما ترى في عينيه بأنه المنقذ للبشرية. ويقرر «ثيسيوس» العودة إلى قريته لدفن والدته بشكل لائق، وهناك يكتشف «ثيسيوس» «قوس ايبيروس». ويبدأ «ثيسيوس» بجمع المحاربين حوله من أجل مواجهة ذلك الشر، إذ يتحول ذلك الفلاح البسيط إلى أمل ورمز للخلاص من ذاك الطغيان، ويواجه بجيشه في معركة كبرى عند القلعة «هيبريون» وجيشه، وعندما يتقاتل الاثنان يتمكن «ثيسيوس» من قتل «هيبريون» وإنهاء ظلمه وبعدها يعم السلام. وفي النهاية سنشهد نبوءة يطلقها «ثيسيوس» لابنه نت فيدرا بأن الوقت قادم ليكون له الحرب والمجد. أسطورة إغريقية برؤية هندية يعتمد الفيلم على نص صاغه الأخوان اليونانيان «شارلي وفلاس بارلبناديس» وكل منهما عمل في المجالات الاحترافية الفنية كممثلين وكتاب ومنتجين في عدد من الأعمال المهمة أمثال «كل شيء عن ريسون 2000» الذي كتبه فلاس ومثل فيه شارلي، أو فيلم «الساعات 2002»، وقد كانت المصادفة هي التي قادت المخرج الهندي الأصل «تارسام سينج» الذي عرفناه في أكثر من مجال فني حيث اشتهر في مجال أغاني الفيديو كليب والإعلانات التجارية، وأنتج عددا من الإعلانات المهمة لشركات «نايكي» الرياضة و«كوكاكولا» وغيرها، ثم انتقل للسينما حيث أنتج وأخرج عددا من الأفلام المعروفة مثل «الحجرة 2000» وفيلم «المنظمة» مع النجمة كاميرون دياز، وكاتبا ومخرجا لسيناريو فيلم «الخريف 2006». وفي هذا الفيلم يؤكد «تارسام سينج» مقدراته الإخراجية العالية من خلال قيادة فريق عمل ضخم من الكادرات المتنوعة في نوع من السينما جديد عليه، حيث قدم رؤية إخراجية احترافية أعادتنا إلى أجواء الصورة الجزلة الملحمية التي شاهدنها في فيلم «300» وباستلهام للكثير من أجوائه عبر مشهديات وصور، وخصوصا بالاستخدام المناسب لمقومات الصيغ التقنية، خصوصا تقنية الأبعاد الثلاثية ال3D والمونتاج في مشاهد القتال التي نفذت بحرفيات تحبس الأنفاس، أو بالاستخدام اللافت والمدروس للموسيقى التصويرية الأثيرية التي وضعها الملحن الكبير «تريفور موريس» والتي لعبت دورا كبيرا في تغذية الحدث الدرامي والرفع من سويته، أو بالتمييز باختيار الممثلين، وأهمهم النجم البريطاني «هنري كارفيل» الذي لعب دور «ثيسيوس»، وبالأداء المتألق للنجم «ميكي رورك» في دور الملك «هايبريون» وحتى بالحضور الجميل للنجمة الهندية الشابة «فريدا بينتو». جمع الفيلم منذ نزوله إلى صالات العرض في أمريكا إيرادات بلغ إجمالها 732. 868. 79 دولارا أمريكيا للأسبوع الثالث على بدء عرضه.