العلاقات السعودية - الأمريكية: احترام التاريخ والتعاون    "عبدالله بن فهد" يتوج الفارس السعودي "السالمي" بلقب كأس خادم الحرمين الشريفين للقدرة والتحمل في العُلا    وزير الرياضة يستقبل رئيس الأولمبية الدولية في الرياض    جوارديولا يسخر من حكام الدوري الإنجليزي بعد إصابة نيكو جونزاليس    شركة اليسر راعيًا ذهبيًا في مؤتمر ليب 2025    الصين تعلن اكتمال بناء أكثر من 30 ألف مصنع ذكي    تضم 24 وزيراً.. حكومة نواف سلام تبصر النور    إزالة 270 موقعًا عشوائيًا شمال بريدة    برنامج ماجستير لتمكين الكوادر الوطنية من قيادة القطاع السياح    1383 حالة ضبط للمنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    وزير التعليم يكرم المعلمة اللحياني    تخصصي تبوك يكرّم الموظفين والأقسام المميزة    القبض على 6 مخالفين لنظام أمن الحدود لتهريبهم 95 ألف قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    القتل تعزيراً لأمير زاده لتهريبه الهيروين    هل تنجح المساعي الأفريقية في حل أزمة الكونغو الديمقراطية؟    الأمير تركي بن هذلول يفتتح مهرجان «الرقش النجراني» لعام 2025    أمير القصيم يشيد بتميز مهرجان الكليجا ال16 ويؤكد دعمه للحرف التراثية    روسيا: تخفيض سعر صرف الروبل أمام العملات    الإفراج عن 183 أسيرًا فلسطينيًا ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    ترمب: سأفرض رسوماً جمركية على دول كثيرة    «الداخلية»: ضبط 21 ألف مخالف للأنظمة في مناطق المملكة خلال أسبوع    ترقية م. بخاري في هيئة الإذاعة والتلفزيون    علاجات السمنة ومضاعفاتها تكلف المملكة سنوياً قرابة 100 مليار ريال    الدكتوراه ل«السهلي»    المنتدى السعودي للإعلام يستقطب شخصيات عالمية في نسخته الرابعة    ماتياس: لهذا السبب استبعدت «فيرمينيو»    انخفاض درجات الحرارة ورياح نشطة مثيرة للأتربة على عدة مناطق في المملكة    تحويل منزل فيروز «القديم» متحفاً في لبنان    أمريكا: العثور على الطائرة المفقودة في ألاسكا ومقتل جميع ركابها    24 مليون مشاهدة تجسد تأثير كريستيانو رونالدو    جون دوران يدخل تاريخ النصر    انطلاق بطولة VEX IQ لصُنّاع المستقبل في تصميم وبرمجة الروبوتات    الهلال يُحافظ على سالم الدوسري    جوجل تضيف علامات مائية خفية للصور للكشف عن التعديلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي    ترودو يدعو إلى أخذ تهديد ترامب بضم كندا على «محمل الجد»    إيمري يتطلع للتحدي الضخم بإعادة ماركوس راشفورد لمستواه    جامعة أمِّ القُرى تستضيف الاجتماع التَّشاوري الثَّامن لرؤساء الجامعات    الوحدة يُعلن عن تعرض أنظمة الشركة المشغلة لمتجر النادي ل «الاختراق»    إنجاز أكثر من 80% من مشروع الطريق الدائري الأوسط في الطائف    تتويج السعودي آل جميان بلقب فارس المنكوس        أمير القصيم يهنئ تجمع القصيم الصحي بفوزه بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    خطيب الحرم المكي: كل من أعجب بقوته من الخلق واعتمد عليها خسر وهلك    مفتي عام المملكة ونائبه يتسلمان التقرير السنوي لنشاط العلاقات العامة والإعلام لعام 2024    خطبة المسجد النبوي: من رام في الدنيا حياةً خالية من الهموم والأكدار فقد رام محالًا    "تعليم الرياض" يتصدرون جوائز معرض " إبداع 2025 " ب39 جائزة كبرى وخاصة    النمر العربي.. مفترس نادر يواجه خطر الانقراض    العُلا.. متحف الأرض المفتوح وسِجل الزمن الصخري    أمانة المدينة تدشّن نفق تقاطع سعد بن خيثمة مع "الدائري الأوسط"    سبق تشخيصه ب«اضطراب ثنائي القطب».. مغني راب أمريكي يعلن إصابته ب«التوحد»    لماذا لا يجب اتباع سنة الأنبياء بالحروب..!    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس الجزائر في وفاة رئيس الحكومة الأسبق    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    الملك وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الآلة الجهنمية» لجان كوكتو: أوديب على الطريقة السوريالية
نشر في الحياة يوم 05 - 01 - 2013

من الصعب إحصاء عدد الكتّاب، والمبدعين في شكل عام، الذين دنوا، في شكل أو في آخر، من حكاية أوديب ليحولوها، مسرحيات أو لوحات أو قصائد شعر أو أفلاماً حتى في القرن العشرين. كل أنواع الاقتباسات جرّبت، وكل الأفكار طرحت من خلال تلك الحكاية التي صارت أسطورة الأساطير مع مرور الزمن، وحُمّلت أفكاراً إثر أفكار ومعاني قد يكون معظمها بعيداً جداً من نيات اولئك الذين كانوا في العصور القديمة مبادرين الى رواية ما جرى لذلك الأمير الشاب، ومن ثم تحويل ذاك الذي جرى، الى عمل ادبي ولّد أعمالاً وأعمالاً. في خضم هذا كله، كان لا بد للقرن العشرين، الذي شهد ولادة السوريالية وازدهارها، كما شهد اهتمام فرويد، ثم علم النفس والتحليل النفسي بأوديب، كان لا بد لهذا القرن من ان يهتم بأوديب، سوريالياً. فكان أن تنطّح جان كوكتو، الذي كان قريباً من السورياليين، بعيداً منهم وفق مزاجيته الخاصة، الى القيام بالمهمة وكانت النتيجة مسرحية «الآلة الجهنمية» التي سرعان ما اتخذت مكانتها في مساره الكتابي، كما في تاريخ الكتابة المسرحية المعاصرة، على اعتبار انها واحدة من أبرز المسرحيات السوريالية... وبالتحديد، منذ العاشر من ابريل (نيسان) عام 1934، حين كان العرض الأول لهذه المسرحية في قاعة «لوي جوفيه» - جادة الشانزيليزيه.
طبعاً، يمكننا ان نتصور ان جان كوكتو لم يكن السوريالي الأول الذي اهتم بأوديب. كما لم يكن في أي حال، الكاتب المسرحي الفرنسي الأول الذي يحوّل الأسطورة القديمة عملاً فنياً. لكنه كان بالتأكيد واحداً من افضل الذين أفلموا الأسطورة مع الزمن الحديث وأعادوا تفسيرها، في الأقل على ضوء تفسير فرويد، وأساطين التحليل النفسي لها. حتى وإن كان كوكتو أبقى على الأحداث كما هي ظاهرياً على الأقل، وأبقى للشخصيات المتحلقة من حول أوديب وظائفيتها. بالنسبة إليه هذا هو المهم: تفاعل الحكاية القديمة مع العصر الحديث. وربما ايضاً قراءة بعض سمات هذا العصر الحديث، على ضوء عصرنة الأسطورة، غير بعيد من تفسير فرويد، ثم أرنست جونز، على خطاه، لأوديب ممزوجاً بملامح اساسية من شخصية هاملت.
في «الآلة الجهنمية» إذاً، لدينا الملك لايوس وقد قتل لتوّه امام المتاريس المحيطة بمدينة طيبة خلال الحرب. وبعد مقتل لايوس، ها هو شبحه يدور من حول زوجته الملكة جاكوستا، بغية تحذيرها من المخاطر التي لا شك في انها ستتعرض لها إثر مقتل الملك. وفي سبيل هذه الغاية التحذيرية يسعى شبح لايوس الى الحصول على موعد مع الملكة، لكن هذا الموعد يبدو مستحيلاً. وبدلاً من ذلك يحدث في الحين نفسه لجاكوستا ان تلتقي جندياً يحمل سمات ابنها أوديب وملامحه، في الوقت الذي يكون هذا الأخير هجر المدينة هرباً من إمكان تحقق النبوءة القاتمة والدامية التي كان العرّاف قد حدّثه عنها. وأوديب خلال ترحاله يلتقي أبا الهول، ولكن هذا الأخير يكون «متخفياً» وراء ملامح امرأة شابة. وهذه الأخيرة، إذ تبدو الآن وكأنها سئمت القتل، تريد ان ترتاح الى هذا الحب الجديد الذي رأت انه يملأ حياتها. ولهذا، لرغبة منها في إنقاذ اوديب من المصير الذي ينتظره... تعطيه مسبقاً حل اللغز الذي يفترض ان «يطرحه ابو الهول عليه»، على ما تقول الأسطورة والنبوءة. انطلاقاً من «عملية الغش» هذه، يفوز اوديب في تلك المحنة الأولى التي تجابهه، لكنه إذ يفعل هذا، يكون ربط مصيره، ومن دون ان يدري، بمصير أمه الملكة... وهكذا، إذ تقود الأقدار خطاه، سرعان ما يجد نفسه زوجاً لجاكوستا. ومن زواجهما يولد صبيّان: اثيوكل وبولينيس، كما تولد فتاتان: ايسمين وأنطيغون. غير ان هذا كله لا ينجّي طيبة من الطاعون الذي كانت موعودة به... فالذي ما كان ثمة مفر منه، سيكتمل كما كان مقدّراً... وبكل بساطة لأن الآلة الجهنمية ستنفجر، مهما كان الهرب منها مرغوباً. انها الأقدار التي لا مهرب من خططها. وهذا ما يفهمه اوديب وجاكوستا فلا يكون منها هي إلا ان تشنق نفسها، بينما يفقأ هو عينيه فيعمى. وهنا إذ تصبح جاكوستا في عالم الأموات، ها هو شبحها يطل ولكن هذه المرة بصفتها الحقيقية كأمّ لأوديب... أمّ تعتبر ان لا علاقة لها إذ عوقبت الآن بما حدث، ولا بد لها من ان تقدم على فعل محدد تعويضي... فتقود ابنها الى النصر، ولكن بعد ان يكون هذا قد تجسد في انطيغون ابنته المتمردة على المدينة وعلى عمى الأقدار.
واضح هنا ان جان كوكتو، لا يسعى الى إحداث تبديل جذري في الأحداث أو حتى في تراتبية القرابة والعلاقات بين الشخصيات. كل ما في الأمر انه، إذ يلخص مسار مسرحية سوفوكليس على هذه الشاكلة، إنما يتمكن من ان يجمع في بوتقة واحدة وفي عمل واحد وفق تحليل متقارب لمعظم الذين كتبوا عن «الآلة الجهنمية» كل الشخصيات الأساسية التي تلعب دوراً في الحكاية الأصلية، لتصبح لاحقاً شخصيات اساسية في عالم الأساطير الإغريقية القديمة، بدءاً من أوديب ولايوس وجاكوستا، وصولاً الى انطيغون. لكن هذا الجمع لم يكن كل شيء، خصوصاً انه اتى لدى كوكتو كمّياً لا أكثر، إذ نعرف ان كل الأعمال الأوديبية جمعت الشخصيات في شكل أو في آخر. اما كوكتو، فإنه عدّل بالنسبة الى الشخصيات الأساسية، من المساحة الزمنية. وينطبق هذا بخاصة على حضور شبح لايوس (في شكل هاملتي) في البداية، ثم حضور شبح جاكوستا في النهاية. ثم على حضور انطيغون التي تصبح هنا شخصية رئيسة ولا سيما عند خاتمة المسرحية، إذ تصبح - وهذا تجديد اساسي - تجسيداً لأبيها، تحقق الانتصارات باسمه. بيد ان الأهم من هذا كله، بالنسبة الى «الآلة الجهنمية» ووفق إجماع دارسي هذا العمل في شكل خاص، ودارسي كوكتو في صورة عامة، هو ان هذا الأخير إنما استخدم الأحداث المتتالية المعروفة، كما استخدم العلاقات بين الشخصيات، كي يرسم أبعاداً لغوية شاعرية وفلسفية كانت دائماً في هذا العمل مضمرة في داخل النص غير طافية على سطحه. أما كوكتو فإنه جعل لها مكانة فضلى. صار ما يهمه هنا هو البعد الفلسفي وكيف يمكن اللغة ان تعبّر عنه... والتضافر بين اللغة والمعاني الفكرية التي يحملها هذا العمل. ولا شك في ان في الإمكان دائماً الموافقة مع الباحثين الذين رأوا ان كوكتو وفّق في هذا كله الى حد كبير ومدهش، لا سيما حين مزج بين الأبعاد اللفظية الفلسفية، وبين أبعاد أخرى ترتبط بالحس السوريالي كما بالسخرية المرّة. وكان كوكتو في هذا فعالاً، في استخدام الأقدار نفسها بصفتها الآلة الجهنمية التي تملي إرادتها على الأحداث، جاعلة من المستحيل على الكائنات ان تنفد مما رسم لها... فتغوص في تعاستها كما كان مقدّراً. وعلى هذا النحو عرف كوكتو كيف يطبق هنا ما كان يتطلع إليه دائماً من الربط بين الأبعاد الحديثة للغة الإبداعية وبين النصوص القديمة. وهو ما سيعود إليه مراراً وتكراراً... ولا سيما في السينما.
ومن المعروف ان جان كوكتو (1889 - 1963) كان، طوال العقود الواقعة وسط القرن العشرين، من اكثر المبدعين حضوراً في الحياة الثقافية الفرنسية، كاتباً مسرحياً وشاعراً صاحب نصوص مميزة في ادب الرحلات، كما كان رساماً وناقداً، ثم خصوصاً مخرجاً سينمائياً، أبدع انطلاقاً من نصوص خاصة به، أفلاماً لا تزال تعتبر حتى اليوم، من الأفلام العلامات، في تاريخ السينما الفرنسية والأوروبية (مثل «دم الشاعر» و «الجميلة والوحش»)، ولا تقل اهميتها عن مسرحياته الكبرى التي تتصدرها «الآلة الجهنمية». واعتبر كوكتو على الدوام، مبدعاً خارج التصنيف، حتى وإن كان عرف بنوع خاص من سوريالية بدت في معظم الأحيان رومنطيقية الطابع، من دون ان ترغب في إحداث أي قطيعة جذرية بين راهنيتها، والأصالات الأدبية والفكرية في شكل عام.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.