كثير من الأعمال التشكيلية تدخل نطاق الخلود أو تقف عند حدوده بحسب درجة الإبداع واللمسات الفنية التي تفتح اللوحة على أكثر من تعبير جمالي وتأويل في القيمة الكلية لتوجهات وموضوع اللوحة، وقد يضفي الغموض نوعا من الألق على اللوحة، فلوحة الموناليزا بقيت في الذاكرة البصرية العالمية لعوامل كثيرة تتعلق بالموضوع واللمسات الفنية المذهلة والغموض حول ماهية المرأة المبتسمة. وكذا الحال في حالة لوحة الفنان جان أونوريه فراجونار أحد أشهر الرسامين الفرنسيين في القرن ال18، وهي لوحة المرأة التي تقرأ كتابا، وجاءت في سلسلة أعمال غزيرة أبدعها هذا الرسام البارع الذي قضى الجزء الأكبر من حياته خلال ما عرف بالفترة النيو كلاسيكية، لكنه مع ذلك ظل يرسم بأسلوب الروكوكو إلى ما قبيل اندلاع الثورة الفرنسية. ويمتلك فراجونار أسلوبا فنيا مذهلا في اختيار الموضوعات والتعبير عنها فنيا من خلال موهبة وقدرات عالية في التصوير، ويدعم ذلك خلفية فكرية وثقافية واسعة، حيث برع في رسم المناظر المنزلية المستوحاة من فلسفة جان جاك روسو الأخلاقية ومن بعض الروايات العاطفية. وكان فراجونار مذهلا في رسم وجوه نساء شابات رغم أنه كان يهتم أكثر بإظهار انفعالاتهن ومشاعرهن، ولذلك كانت هذه اللوحة أحد أهم أعماله، وقد أصبحت أحد أشهر أعماله، واعتبرها النقاد أفضل عمل تشكيلي يصور فكرة المرأة القارئة. وتحمل اللوحة توازنا جميلا بين عناصرها الرئيسية: الكتاب ويد المرأة ووضعية رأسها وانبساط جسدها المستند إلى الأريكة إلى جانب تلك الرؤية الفنية الواسعة حيث نرى توزيعا متناسقا للإضاءة واستخدام ضربات فرشاة سريعة وعريضة مع ألوان مذابة قوامها الليلكي والزعفراني والأبيض والزهري وتدرجاتها المختلفة. كما نلحظ في اللوحة الأسلوب البارع الذي اتبعه الفنان في رسم أصابع يد المرأة الممسكة بالكتاب وفي تمثيل الياقة العريضة والانثناءات والالتواءات التي تتخلل ثوب المرأة نزولا إلى الرداء الذي تجلس عليه. وقد كان لفراغونار رؤيته الفنية العميقة لما حوله وذلك ما أسهم في تقديم أعمال إبداعية بقيت في الذاكرة وعبرت التاريخ لتصل متجددة بكل مقوماتها الفنية التي تحمل بصمته ورؤيته الفنية المتفردة، وعاش الفنان الفرنسي السنوات الأخيرة من حياته في حال من النسيان والفقر والعزلة ومات وحيدا عام 1806 دون أن تثير وفاته انتباه أحد من زملائه أو مريديه، ويضم متحف اللوفر اليوم خمسا من أهم لوحاته فيما تستقر لوحته الشهيرة الأخرى الأرجوحة في متحف المتروبوليتان بنيويورك، فهو كان عبقريا بحجم الزمان والمكان بما قدمه من فن راق ومدهش.