قيل «شختك بختك» أو «حيص بيص» أو خبط عشواء، لا يهم فكل الطرق تؤدي إلى هناك. بما أننا مقبلون على موسم الأفراح والزواجات أحببت أن أطرح القضية لنتناقش فيها سويا. وكالعادة لا أعمم، بل أحاول أن أطرح مشكلة موجودة ولكنها تتضخم بصورة مخيفة. المجتمع السعودي «بعض المناطق بشكل خاص» يتقن الزن والرن والحن على البنت بالزواج وضرورة الزواج حتى قبل أن تستوعب أنوثتها. وتبدأ رحى الحرب النفسية تدور بطريقة ملتوية لإيصال البنت إلى حالة تتمنى فيها الزواج بأسرع وقت ممكن، ومن هذه الأساليب: - ما فيه حج إلا مع زوجك، زوجك يوديك إن شاء الله. - لا تقصين شعرك، ما أحد يخطب بنتا شعرها قصير. - إن شاء الله تتزوجين في أقرب فرصة. - الزواج علو ورفعة للبنت «وكأنها قبل الزواج في أسفل سافلين». ودعوات مستمرة من الجد والجدة بأن يرزقها الله الصالح من خلقه كلما قامت بعمل أو أدت مهمة. وصبي القهوة لزوجات أخوالك وزوجات أعمامك ونصف نساء الكرة الأرضية حتى يمدحنك إذا سألهن أحد عنك. وتساند هذه الحرب النفسية حرب أخرى إعلامية ترسم الزواج كحالة من الرومانسية الدائمة وعشق لا ينتهي عبر مسلسلات أعجمية. وتأخذ الأفكار شكلها النهائي بأن تقرر البنت الزواج ف «تشد حيلها» في التكشخ في المناسبات الكبيرة ووضع ما لا يعرف له اسم على وجهها ورموشها، والتغنج بدلعٍ ودلال زائفين واضحين للعيان، لتحقق أمنية نسبت لها ولم تتمنها بنفسها. دعونا نبدأ الحكاية من البداية، جاء لوالدتي اتصال، سألت المتصلة عن بعض مواصفاتي التي تسأل عنها كثير من النساء لكن الصدمة حين قالت «وش شكل شفايفها؟». - عفوا؟ - ولدي يبي الشفة اللي فوق دقاقة «بترقيق القاف وتعني: نحيفة ورقيقة» والشفة اللي تحت مليانة وطايحة شوي. أنهت والدتي المكالمة بدبلوماسية وأقفلت الخط، وقد فاتها للأسف أن تزود المتصلة برقم أقرب مصنع خزف. لا ألومه فقد تشبع بصور الممثلات والمغنيات اللاتي ملأن الشاشات، بل أسفت على حالي لأن شفتي ليستا حلم الكثيرين وربنا يسامحك يا نانسي! شهدت ومعي الكثير من قريباتي «سطحية» بعض العقول حين تبحث عن زوجة لابنها كأن تسأل: خشمها قايم؟ وفي رواية واقف. وإحداهن سألت خالتي عن مقاس عباءة ابنتها لتعرف طولها بال «سنتمتر»! بل إنني سئلت في حادثة أخرى عن معدلي في الجامعة لأن «حضرة جنابه» يخطط للذهاب إلى الخارج مرافقا لمبتعثة، وهو سؤال جاء مباشرة بعد سؤال: تعرفين تسوين جريش؟ «أحيي فيه وطنيته حيث لا ينوي الانقطاع عن أكل الجريش حتى لو كان في بلاد العم سام» دعوة من القلب: أتمنى للعقول السطحية أن توفق ببعضها البعض فالذي يريد شفتين على شكل محدد من الأفضل أن يتزوج فتاة لا ترى أبعد من أنفها، ويعيشان في سطحية مفرطة حيث كل منهما سعيد بنفسه. ومن أسوأ ممارسات المجتمع في قضية الزواج «فلان لفلانة وفلانة لفلان»، والأسوأ قضية «تكافؤ النسب» التي لن أخوض فيها لعدة أسباب: أولها أن القضية حساسة وتثير نزاعات لا نهاية لها، وثانيا لأن هناك أسرا لم تعط هذا المعيار أهمية وشهدنا حالات زواج ناجحة ليست متكافئة النسب، وأسباب أخرى لن أذكرها. شكل آخر من أشكال السطحية هو حفلات الزواج الباذخة، وأعني الباذخة جدا جدا، فالتجهيزات والإعدادات تصرف مئات الألوف من الريالات في ليلة ٍواحدة لإبهار الحضور الذين سرعان ما سينسون هذا البذخ بعده بيومين أو ثلاثة. معدل ما يتم صرفه في حفلة الزواج فقط «دون احتساب بقية التكاليف» ارتفع خلال سنوات قليلة من 50 ألف ريال إلى أكثر من 150 ألف ريال، هذا هو المعدل والرقم في ازدياد مفجع. يحاولون أن يقدموا في حفلاتهم ما لا عين رأت، ولا أستغرب أن تقدم إحداهن في حفلة زواجها أخطبوطا بالشوكولا مع القهوة العربية نوعا من التنطع. تكاليف الزواج غير المنطقية تجعل الشاب بين إحدى حالتين: إما أن يؤجل زواجه 10 سنوات ليجمع المبالغ أو «يتوهق» وتكون المبالغ على شكل ديون لعدة سنوات في المستقبل. وهذه التدوينة تشرح ما أقصده بصورة أفضل. على افتراض أن الزواج صمد لأكثر من شهرين أو ثلاثة تبدأ حرب أخرى حيث تحاول إفراغ جيبه لئلا يتزوج عليها وهو يحاول فرض سيطرته بشكل تام. الأفكار المسبقة التي يدخلان بها عش الزوجية وكل منهما منهمك في تطبيقها، نصائح من ناس آخرين «سطحيين» مثلهم، هو يكيدها وهي تكيده بمساندة أجندات خارجية. والنتيجة.. حالة طلاق كل 6 دقائق في المملكة وارتفاع نسبة الطلاق إلى 40 %! في دراسة نشرت في جريدة محلية قرأتها قبل عدة سنوات أشارت إلى أن السبب الرئيس للطلاق في المملكة هو عدم تفهم الزوج للتقلبات النفسية التي تمر بها الزوجة أثناء الدورة الشهرية. لكل الذين يدعون أنها «تتدلع» وتبالغ: يجدر بي التذكير إلى أن الصلاة تسقط عنها في تلك الأيام، الصلاة التي لا تسقط عنك حتى في حالات الحرب والخوف. هذا والله أعلم. أخيرا.. الزواج المبني على أسس هشة سينهار لا محالة حتى إن طال الزمان، والزواج عندنا أصبح مظاهر ولم يعط حقه من الاهتمام والجدية. الكثير من حديثي الزواج لا يعلمون حقوقهم وواجباتهم، ولا يدرون ما هي الحكمة من الزواج. وأغلبهم ليسوا مستعدين عاطفيا أو ماديا، فيجدون أنفسهم في متاهة لا حل لها. الوعي في قضية الزواج في أدنى مراحله، كثيرون ليست لديهم أي فكرة عن أهمية الزواج كالذي اشترط شكلا محددا للشفتين وقد أعطاهما مساحة تفكير ربما أكبر من التفكير في منظومة الزواج ككل. أقترح وضع برنامج تأهيلي إجباري بحيث يجب أن يكمل المقبلون على الزواج عدد ساعات معينة من دورات تأهيل نفسي وعاطفي ولقاءات مع مستشاري ومستشارات لبحث جميع المشاكل التي قد يتعرض لها الزوجان وطرق التعامل معها. مدونة إيمان العبدان http://www.eman-a.com